محمد أبو سبحة
القاهرة (زمان التركية)ــــ تناول تقرير حقوقي تأثير التدخلات التركية في ليبيا وسوريا وقال إنها أدت لاشتعال الأوضاع وحدوث انتهاكات متزايدة في حقوق الإنسان، لأغراض جيوسياسية واقتصادية.
مؤسسة ماعت للسلام والتنمية وحقوق الانسان أصدرت اليوم الثلاثاء، تقريرها السنوي بعنوان (الدول العربية محل النزاع: حقوق الإنسان في فوهة البندقية)، ويسلط الضوء على الأوضاع الحقوقية في الدول العربية محل النزاع، وآثار التدخلات الخارجية، ويبرز بوضوح تأثير الإرهاب على أوضاع حقوق الانسان، هناك.
سوريا
قال التقرير الذي حصلت (زمان) على نسخة منه، إن ما يفاقم الأزمة التي يعنيها الوطن العربي هو الاجتياح الخارجي السياسي العنيف والمسلح، مشيرا إلى ممارسة “إيران وتركيا أعمال التدخل السياسي الكثيف والعسكري المباشر وغير المباشر في دول عدة مثل اليمن والعراق وسوريا ولبنان وليبيا”.
التقرير الذي أعده الباحث شريف عبد الحميد، لفت إلى أنه “تلعب تركيا دوراً في عدم استقرار عدد من الدول العربية، خصوصاً في سوريا وليبيا، واستمرار دعمها للنظام القطري في أزمته مع دول الخليج”.
وأشار إلى “سعى أردوغان إلى تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية أيضاً في الدول التي يتدخل في شؤونها، والدليل على ذلك، هذا الإصرار من قبله على التدخل في ليبيا، من خلال دعمه للميليشيات الإخوانية التي تقف وراء حكومة فايز السراج”.
ولفت تقرير (ماعت) إلى أنه “إذا كان التدخل التركي في سوريا يأتي بحكم عامل الجوار، وفي قطر بحكم أن الإخوان مسيطرون على مفاصل الدولة فيها، فإن تدخلها في الأزمة الليبية بالأخص هو الذي يثير التساؤل الأكثر غرابة، فمنذ إندلاع الأزمة الليبية تحاول تركيا إطالة أمد الحرب، وتكريس حالة الفوضى في طرابلس، وإنتاج مزيد من عدم الاستقرار في المشهد الليبي، فقد رصد الجيش الليبي العديد من شحنات الأسلحة آتية من تركيا بما فيها سيارات هجومية ومدرعات عسكرية والمسدسات الكاتمة للصوت والرصاص”.
التقرير السنوي للمنظمة الدولية أكد أن سوريا “تشتعل بسبب التدخلات الخارجية من روسيا والولايات المتحدة وإيران وتركيا”.
وحول خطر التدخل التركي، ذكر التقرير أن تركيا تتدخل كطرف خارجي في الصراع “لاحتواء القوى الكردية شمال سوريا”، ولكنها “ارتكبت انتهاكات عدة أثرت بشكل مروع على المدنيين، حيث أدى تصاعد العمليات العسكرية التركية في شمال سوريا إلى مضاعفة أعداد النازحين واللاجئين”.
وقال التقرير إن العمليات العسكرية التركية وآخرها “نبع السلام” شكلت “تربة خصبة لجميع صور جرائم وانتهاكات حقوق الإنسان في المناطق المتفرقة في سوريا، من أعمال قتل، واختطاف، واختفاء قسري، واعتقال طويل المدة، وتعذيب، وعنف جنسي، وتدمير ونهب في الممتلكات الخاصة”.
وحول الهدن المعلنة بين تركيا وروسيا لاحتواء الصراع في سوريا، قال التقرير إنه “على الرغم من التأكيد المستمر على وقف الصراع وخفض المآسي الإنسانية التي تنال من الشعب السوري إلا أن الوضع لم يتغير واستمر القصف حتى يومنا هذا مخلفا ورائه آلاف الضحايا بين قتيل ومُصاب”.
وحول استهداف العرقية الكردية، أشار التقرير إلى أن تركيا تعمد إلى تطبيق سياسة “تغيير ديموغرافية المناطق التي تسيطر عليها في سوريا، ففي عفرين بعد أن قامت بإجلاء أعداد كبيرة من الأكراد كانت تعود لتوطن غيرهم من العرب لإخفاء الوجود الكردي الذي تخشاه تركيا. وتمتد تلك السياسة لتشمل المناطق الشمالية الشرقية التي سيطر عليها الجيش التركي عقب عملية السلام وهذا ما أقر به الرئيس التركي رجب طيب أردوغان صراحة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث صرح عن نيته توطين نحو مليوني لاجئ سوري في الشريط الحدودي الشمالي الشرقي من سوريا. وهو ما تمكنت المفاوضات من التصدي له من خلال حصر النفوذ التركي في المنطقة حتى الآن”.
ليبيا
تقرير مؤسسة ماعت قال أيضا إن الصراع اشتعل في ليبيا بسبب تدخلات أنقرة المباشرة، وقال “دعمت التدخلات الأجنبية في ليبيا المجموعات المسلحة وشبة العسكرية التي تتلقى مساعدة عسكرية مباشرة من دول أجنبية. ونتيجة لذلك، استمر الصراع الليبي الداخلي وازداد اشتعالاً. وتنامت الجماعات المسلحة المتطرفة العنيفة في هذه الظروف. هذه الجماعات التي لا تنحصر فقط في داعش، وإنما تشمل أيضًا مجموعات مسلحة سلفية، ومجموعات أخري مسلحة مرتبطة بتنظيم القاعدة”.
أكد التقرير أنه “يرتكب طرفا الصراع الرئيسيان في ليبيا انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، فضلاً عن الانتهاكات المتكررة للقانون الإنساني الدولي، بتواطؤ من الدول التي تقدم الأسلحة والذخيرة للجماعات المسلحة في ليبيا. خاصة من جانب تركيا التي قامت في 27 نوفمبر 2019 بتوقيع اتفاقية أمنية مع حكومة الوفاق الوطني. ومع بداية هذا العام صادق البرلمان التركي علي طلب رئاسي لإرسال جنود أتراك إلي ليبيا، كما أكد الرئيس التركي إعلانه أن قوات تركية بدأت بالفعل بالذهاب إلى ليبيا”.
ولفت إلى أن تركيا تهدف إلى “استثمار التدهور في الوضع الليبي من أجل انتشالها من أزماتها الاقتصادية المتفاقمة عبر تعزيز العوائد المالية لتدفّق الأسلحة المُهرّبة إلى ليبيا، حيث سعت الحكومة التركية إلى زيادة صادراتها من الصناعات الدفاعية خلال عام 2019 إلى نحو 3 مليارات دولار، بعد أن بلغت في عام 2018 حوالي 2.2 مليار دولار فقط. وفي هذا الإطار فإن ليبيا الغنية بالموارد الطبيعية، تعتبر فرصة سانحة من أجل زيادة مبيعات الأسلحة جنبا إلى جنب مع وجود مخططات تركية من أجل الاستفادة من اكتشافات الطاقة في البحر الأبيض المتوسط، خاصةً في ظل الإخفاقات الكبيرة للاقتصاد التركي الذي حقَّق معدل نمو منخفض للغاية خلال عام 2018 بلغ 2.6% فقط وفق بيانات معهد الإحصاء التركي في مقابل 7.4% في عام 2017. كما يشير تقرير صادر عن وكالة “بلومبرج” في 8 يوليو 2019، إلى أن تركيا تستهدف من دعمها حكومة السراج استئناف مشاريع البناء التي تبلغ قيمتها حوالي 18 مليار دولار”.
وأكد التقرير على تورط الحكومة التركية بتهريب الأسلحة إلى ليبيا منذ 2014 بالمخالفة لقرار مجلس الأمن الدولي.
اعتبر التقرير أن تركيا عقدت الوضع في ليبيا، وقال “لا شك أن التدخل التركي في ليبيا أضعف مساعي السلام وإقرار مصالحة وطنية شاملة بين الأطراف المتنازعة وأصبح الوصول إلى تسوية ناجزة موضع شك، في ظل تشبث كل طرف بإملاءات معينة، بالإضافة إلي استعانة حكومة الوفاق بمقاتلين سوريين بتنسيق تركي، وبرواتب تصل إلي 2000 دولار شهريا”.
من جانبه قال أيمن عقيل رئيس مؤسسة ماعت إن “النزاعات التي تسود البلدان محل الدراسة؛ هي العائق الأول نحو تحقيق التنمية المستدامة فيها، ومن ثم لا تنفيذ لأي من حقوق الإنسان سوى باستعادة الاستقرار والأمن مرة أخرى، والتأكيد على الحق في الأمن وعلى الهدف السادس عشر من أهداف التنمية المستدامة المتعلق بالسلام والعدل والمؤسسات”.
–