القاهرة(زمان التركية) _دعا الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، اليوم الأربعاء، إلى وقف كامل لإطلاق النار في سوريا وليبيا واليمن، لإتاحة الفرصة للحلول السياسية وقطع الطريق على القوى الخارجية التي تفاقم من النزاعات، وتطيل أمدها.
وفيما يلي، نص كلمة الأمين العام لجامعة الدول العربية في الجلسة الافتتاحية لمجلس الجامعة العربية على المستوى الوزاري
الدورة العادية (153):
جميعنا يعلم أن الحلول العسكرية لن تحسم هذه النزاعات.. وجميعنا يعلم ألا رابح في الحروب الأهلية.. فالخاسر مهزوم .. والمنتصر مهزوم.
لقد آن الأوان أن تسكت المدافع.. فالخطوة الأولى نحو حلول سياسية هي وقف شامل وفوري لإطلاق النار على كافة الجبهات العربية المشتعلة.
في سوريا.. يظل الحل السياسي، على أساس قرار مجلس الأمن 2254، هو المخرج الوحيد لعلاج جراح هذا البلد، الذي ندعو جميع الأطراف الخارجية أن ترفع أيديها عنه .. وأن تتوقف عن إدارة معاركها بدماء سورية .. وعلى حساب مئات الآلاف من اللاجئين، أغلبهم من النساء والأطفال.
في اليمن يظل الحل السياسي على أساس قرار مجلس الأمن 2216 هو السبيل إلى تسوية في الداخل تضمن للجميع تمثيلاً في السلطة .. كما تضمن لجيران اليمن الأمن .. وتُعيد لهذا البلد العربي المهم استقلاله عن القوى الخارجية.
في ليبيا .. وضع المجتمع الدولي خارطة طريق في مؤتمر برلين .. وعلينا متابعة تنفيذ مخرجات هذا المسار.. الخطوة الأولى هي تثبيت الهدنة ووقف إطلاق النار .. واستكمال مسارات التسوية التي ترعاها الأمم المتحدة .. وأغتنم هذه الفرصة لكي أتقدم بخالص التحية والتقدير للدكتور غسان سلامة .. الذي أدى مهمته عبر السنوات الثلاث الماضية كمبعوث أممي إلى ليبيا بكل اقتدار وتجرد ورغبة صادقة في جمع شمل الليبيين على كلمة سواء.. وأرجو مُخلصاً أن يكون خلفه في هذا المنصب المهم على ذات القدر من الدراية والمعرفة بهذه المنطقة، ومجتمعها وثقافتها وتاريخها.. حتى يتسنى له النجاح في مهمته.
أقول .. في سوريا واليمن وليبيا.. إن القوى الخارجية لعبت دوراً سلبياً فاقم من النزاعات، وأدى إلى إطالة أمدها .. وفتح جبهات إضافية فيها.. حيث زرعت هذه القوى جرثومة الميلشيات التي تُحارب بالوكالة وتتبنى أجندات غير متسقة، بل حتى معادية للدولة الوطنية من حيث المبدأ…لقد آن لهذه القوى أن ترفع أيديها عن الأراضي العربية .. ففي نهاية المطاف، لن تستطيع هذه القوى غير العربية أن تحفر لنفسها وجوداً دائماً على الأراضي العربية .. وكل مشروعاتها ومخططاتها إلى زوال، طال الوقت أم قصر.
إنني أدعو، بعد ما يقرب من العقد من الصراع والاحتراب، إلى حلول عربية للمشكلات العربية.. وأزعم أننا، بإرادتنا الجماعية، قادرون على الوصول إلى هذه الحلول… وأن هذه الجامعة العربية تستطيع القيام بأدوار مفيدة ومقبولة، جنباً إلى جنب مع الجهود الإقليمية والدولية الأخرى، من أجل الوصول إلى التسويات اللازمة لإنهاء هذه الأزمات.
السيد الرئيس..
لقد أنهكت الصراعات الدامية العالم العربي .. وفتحت شهية الجيران للتمدد والتغول.. وحاول البعض، في غمرة هذه الأحداث العاصفة، الترويج لفكرة مغلوطة وخطيرة .. مؤداها أن العرب ما عادوا يهتمون بفلسطين.. فلسطين الشعب .. وفلسطين القضية .. أقول إنها فكرة مغلوطة لأن العرب يعتبرون القضية الفلسطينية جُزءاً من شخصيتهم الحضارية .. ويرون الدفاع عنها والنضال من أجلها دفاعاً عن وجودهم وثقافتهم وهويتهم الجامعة.. وهي أيضاً فكرة خطيرة لأنها أوحت للبعض أن يستغل الاضطراب الحالي لمحاولة سرقة القضية .. وتثبيت وضع الاحتلال القائم باعتباره الحل الدائم.. ليس عبر مفاوضات أو اتفاق أو تسوية سياسية.. ولكن من خلال مذكرة تفاهم بين الدولة العظمى الراعي لعملية السلام.. والقوة القائمة بالاحتلال.
لقد رفض الفلسطينيون خطة السلام الأمريكية.. ورفضها هذا المجلس الموقر في اجتماع طارئ عُقد في الأول من فبراير الماضي .. بعد أيام معدودة من إطلاقها.. وما نتأكد منه اليوم هو أن هذه الخطة ما هي إلا رخصة لإسرائيل من أجل تسريع الاستيطان وضم الأرض الفلسطينية والقضاء على حل الدولتين قضاء مبرماً.. وشهدنا خلال الأيام الفائتة الإعلان عن خطط لبناء آلاف الوحدات الاستيطانية .. وفي 25 فبراير أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي عن خطط لبناء 3500 وحدة استيطانية في منطقة E1 التي نعرف جميعاً أنها تقسم الضفة إلى شطرين.. بما يقضي على أي إمكانية لدولة متواصلة في المستقبل.. إنها خطة واضحة بخلق واقع جديد على الأرض، بضوء أخضر -للأسف- من الولايات المتحدة.. ومن واجب المجتمع الدولي كله أن يتصدى لإنقاذ ما تبقى من حل الدولتين.. إذ أن بديله المنطقي الوحيد -أي الدولة الواحدة- لن يكون مقبولاً من أحد لو اقترن بمنظومة للفصل العنصري.
السيد الرئيس..
عود على بدء .. تظل هذه الجامعة، وبعد خمسة وسبعين عاماً على إنشائها .. بمؤسساتها ومجالسها ومنظماتها المتخصصة .. العنوان الوحيد لوحدة الكلمة .. ووحدة الصف العربي.. هي الأداة التي تُمكننا من العمل سوياً من أجل الازدهار المشترك.. وأيضاً في مواجهة المخاطر والتهديدات .. منذ أيام انعقدت دورة عادية لمجلس وزراء الصحة العرب بمقر الأمانة العامة بشأن وباء فيروس كورونا المُستجد .. وقرر المجلس عقد اجتماع طارئ واستثنائي على مستوى الخبراء والمتخصصين لمراجعة خطط الاستعداد والرصد وتبادل الخبرات خلال أيام .. أسوق ذلك التحرك نموذجاً على ما توفره هذه المنظمة من وعاء للتحرك الجماعي السريع وآلياته .. ومثل ذلك كثير مما يُبذَل على مستويات مختلفة حيال كافة الموضوعات التي تتعلق بالتنمية العربية ورفاهية الإنسان العربي .. وتحقيق التكامل بين دول هذه المنطقة.
أقول ونحن نحيي ذكرى 75 عاماً على إنشاء هذه المنظمة .. إن من واجبنا، وقد تسلمنا الراية، أن نحافظ على هذه المنظمة الأم.. أن نصد عنها معاول الهدم التي تسعى للنيل منها .. وأن نسعى دوماً لتطوير عملها والارتقاء بأدائها.. حتى تظل -كما كانت طيلة هذه العقود- صوتاً لنا جميعاً .. وبيتاً يجمعنا تحت سقفه .. وآلية عملية ومؤسسية لتحقيق التكامل العربي على أساس المصالح والمنافع.. وليس فقط المشاعر والعواطف.
السيد الرئيس..
كلمة شكر أخيرة أوجهها إلى الأخوة في الإمارات العربية المتحدة، وبالذات إلى كل من معالي الوزير سمو الشيخ عبد الله بن زايد، ومعالي الوزير دكتور أنور قرقاش على ما قدماه من مساهمة قيمة وكريمة في تحديث هذه القاعة العتيدة وتطويرها بالشكل الرائع الذي تبدو عليه اليوم.. فكل الشكر لكم اخوتنا الأعزاء .. وهذا عهدنا بكم دوماً.. ونتطلع إلى الاحتفال قريباً بافتتاح مبنى الملحق الذي نشيده بمنحة كريمة من جمهورية العراق.
_