بقلم : حامد أوغلوا
القاهرة (زمان التركية)ـــ أطلق الرئيس السابق عبد الله جول تصريحات الأسبوع الماضي حول الوضع السياسي والاقتصادي لتركيا تحت قيادة الرئيس التركي رجب أردوغان بعد صمت استمر منذ عام 2014 عقب تركه الحكم، عبر حوار مع صحيفة “قرار” التركية وتعتبر هذه التصريحات حراكا في الحياة السياسية التركية وإلقاء حجر في المياه الراكدة للحالة السياسية في تركيا، التى شهدت هيمنة لحزب العدالة والتننية طوال 18 عاما من عمر الحزب الحاكم وازدادت سطوته عقب التعديلات الدستورية في 2017، والتى أفضت إلى النظام الرئاسي ووسعت صلاحيات الرئيس الدستورية واختصاصاته السياسية والتشريعية والعسكرية مما حول تركيا لدولة الرجل الواحد وهو ما انطبع على الوصع السياسي والاقتصادي والعسكري التركي حيث تحولت الجمهورية التركية من دولة المؤسسات إلى دولة الصوت الواحد واختصار كل شيء في شخص رئيس الجمهورية.
عبد الله جول رفيق أردوغان السابق في تأسيس الحزب والذي شغل منصب أول رئيس وزراء للعدالة والتنمية في عام 2001 إلى أن خرج أردوغان من السجن حتى تولي المنصب ذاته، انتقل لمنصب وزير الخارجية ثم رشح من قبل حزب العدالة والتنمية لرئاسة الجمهورية في عام 2007 ثم اقتنص المنصب عقب معركة سياسية ودستورية لن تنسي في تاريخ الجمهورية العريقة بسبب كون زوجة عبد الله جول محجبة ما جعله يواجه معارضة علمانية واسعة . وبعد الانقلاب الفاشل المسرحي في 2016 الذي صنع خصيصا لتصفية دور حركة الخدمة في المجتمع التركي المرسخ من السبعنيات من القرن الماضي وأصحاب أيادي على المجمتع التركي سعي أردوغان لتصدير صورة أن عبد الله جول يبارك كل خطواته رغم انتقاداته للقوانين التى صدرت لتحصين مقاومة الانقلاب المزعوم وكانت اجراءات قمعية بالكامل وعلى رأسها فرض حالة الطواريء وقانون حماية المشاركين في محاولة صد المحاولة الانقلابية الفاشلة وكان قانونًا مثيرًا للجدل انتقده عبر توتير، ثم تم تحجيمه مرة أخري في انتخابات 2018 عندما حاول الرئيس الأسبق عبد الله جول الترشح للانتخابات وهُدد من قبل الرئاسة التركية عبر وزير الدفاع التركي خلوصي أكار أنه بمواجه تهمة الخيانة ودعم الانقلاب المسرحي والانتماء إلى حركة الخدمة لتقويض حكم العدالة والتنمية وهي تهم زائفة معلبة تجهز لكل من ينتقد الحكم الحالي في تركيا.
أولا: هل تعبر تصريحات عبد الله جول عن صوت الشارع التركي ؟
ركز الرئيس الأسبق عبد الله جول على تأزم الوضع السياسي والاقتصادي التركي بشكل مباشر ليعبر عن ما يدور في الشارع السياسي التركي منذ التحول للنظام الرئاسي والذي تجلي جزء منه عقب خسارة العدالة والتنمية البلديات الكبري في انتخابات المحليات العام الماضي .
1- عبد الله جول من مؤسسي العدالة والتنمية ومن وضع مبادئه في عام 2001 ويعلم أن الحزب اليوم تبدل تماما وتغير جلده السياسي أكثر من مرة بل أن الحزب تحول لكتلة من المنتفعين الفاسدين أصحاب المصالح الضيقة لا المباديء مثل أي حزب سياسي في دولة من الدول العالم الثالث الذي يظل فيها حزبا حاكما لسنوات طويلة مثل حال العدالة والتنمية في الفترة الحالية لذلك شن هجوما لاذعا ضد الحزب.
2- الرئيس الأسبق أطلق جرس الأنذار من خلال حواره أن البلاد لا تحتاج النظام الرئاسي بل لابد العودة للنظام البرلماني التى نشأت عليه الجمهورية التركية منذ عام 1923 خاصة أن بعض نخب وقيادات العدالة والتنمية بدأت الحديث صراحة عن ضرورة عودة النظام البرلماني خاصة بعد خسارة العدالة والتنمبة في انتخابات المحليات الماضية والتى أصبحت المقياس الحقيقي لشعبية الحزب الحاكم.
3- الحديث عن تركيا المقيدة والتى في حاجة للتحرر لذا أكد لدعمه الاحزاب الجديدة والتى خرجت من رحم العدالة والتنمية “المنشقين” لاثراء الحياة السياسية التركية، مثل حزب المستقبل بقيادة أحمد داوود أوغلوا، وأيضا حزب على باباجان والذي في طور الإعلان خلال الشهر القادم والمدعوم بشكل مباشر من الرئيس الأسبق عبد الله جول، وأن الإسلام السياسي لن يفله إلا الإسلام السياسي مثله لذا يرتعد العدالة والتنمية من الأحزاب الجديدة ويتوقع أن تجري انتخابات برلمانية مبكرة خلال العامين القادمين قبل انتخابات 2023.
4- الحديث عن تدهور حالة حقوق الإنسان والتوسع في قمع فئة من الأتراك تحت تهم زائفة ومفبركة من قبل العدالة والتنمية وتصفية حسابات مع حركة الخدمة مما دفع لاعتقال كثيرين بتهم غير حقيقية وأن البلاد في حاجة تطوير حالة حقوق الانسان وكأن البلاد في حاجة لمصالحة وطنية .
5- فشل صهر أردوغان في إدارة ملف الاقتصاد التركي في ظل هروب الاسثمارات ورؤوس الأموال وانهيار العملة المحلية وإفلاس الشركات وزيادة نسبة البطالة، أيضا سيطرته على الحزب الحاكم من خلال تيار شبابي موال له داخل حزب العدالة والتنمية كل هذه الأمور ستفكك في حالة دخول أحزاب سياسية جديدة على الساحة سيخسر العدالة والتنمية لأن الفشل الاقتصادي أصبح واضح للجميع لذا ظهر حزب على باباجان مهندس الاقتصاد التركي الحديث بهدف إنقاذ الاقتصاد التركي .
ثانيا : لماذا انتقد عبد الله جول سياسة أردوغان الخارجية ؟
ركز أيضا الرئيس الأسبق عبد الله جول في تصريحاته حول أداء السياسة الخارجية لأردوغان وحزبه، وأيضا ركز العلاقة بين الجيش والسياسة أو ضبط العلاقات المدنية العسكرية وسيولة ملف الأمن القومي والعلاقة مع روسيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ويري أن حيرة تركيا الحالية في ملفات السياسة الخارجية تضر بسمعتها ومستقبل البلاد واستقرارها .
(أ) : النظرة إلى الجيش :
يري الرئيس التركي الاسبق أن الجيش تورط في أزمات سوريا و ليبيا مؤخرا لمحاولة إلهاء الجيش عن مهامه الاساسية وأن أردوغان يخاف من تحفاظات الجيش على سياساته فيستخدمه في معاركه الخارجية الوهمية مما أدي لاستنزافه وفقدان هيبته الداخلية والخارجية وانخافض تصنيفه الدولي على الرغم أنه الجيش الثاني في الناتو، خاصة أن الانقلاب الفاشل المسرحي واعتقال عشرات الألاف من الضباط وتفريغ الجيش من قوامه الأساسي أثر سلبا على الجيش وجاءت هذا الحروب لتصب الزيت على النار من سياسات العدالة والتنمية ضد الجيش وكأنها عملية مننهجة لكسر شوكة الجيش والسيطرة عليه وليس مجرد ضبط للعلاقات المدنية العسكرية في ظل رغبة أردوغان في أسلمة وألدلجة القوات المسلحة التركية وهذا خط أحمر للمجتمع التركي الكماليين تحديدا ويخشي أردوغان من انقلاب وشيك ضده في ظل تقرير أمريكي قبل أسابيع حذر من من وقوع انقلاب عسكري في قادم الأيام ويدرك الرئيس السابق عبد الله جول أنه لو حدث سيكون أمرًا كارثيًا على الدولة التركية وأن التداول السلمي للسلطة أفضل من السيناريوهات الجنونية، وكانت الأزمة السورية نموذجا لذلك أصبح الجيش التركي غارق لاذنيه في هذه الأزمة خاصة بعد خوض ثلاث حروب في سوريا بداية من عام 2016 درع الفرات، ثم غصن الزيتون في 2018 وأخيرا نبع السلام في 2019 واخيرا ضرب نقاط المراقبة التركية في إدلب، هو يعد استنزاف للجيش التركي خاصة ان الحل السياسي للازمة السورية يحب أن يكون له الأولوية ولابد أن يكون التدخل التركي محكموما باتفاقية أضنة الموقعة عام 1998 وليس بهذا الانفتاح الغير محسوب العواقب، المهدد للأمن القومي التركي والذي يشحن الشعب التركي ضد اللاجئين السوريين أكثر في الداخل التركي، وكان رفض المعارضة التركية ( الشعب الجمهوري، الخير، الشعوب الديمقراطية ) لارسال قوات عسكرية تركية إلى ليبيا وإصرار الأغلبية البرلمانية لتمرير الاتفاق الأمني مع حكومة السراج أثار الجدل في المجتمع التركي بسبب أحلام أردوغان التوسعية .
(ب): العلاقة مع الغرب :
يري الرئيس التركي السابق عبد الله جول أن الموقع الطبيعي لتركيا في المربع الغربي وأن مستقبلها الواعد في دخول الاتحاد الاوروبي وهذا الحلم التركي الممتد من عام 1959 وعقب التفاوض في 2005، وأن تركيا يجب أن تجاهد من أجل الحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي ولن تحيد عن هذا الهدف وأن السياسة الخارجية التركية في عهد أردوغان حادت الهدف عبر تحولها إلى ألعوبة في يد الروس لضرب الأمن القومي الأوروبي وأن تركيا بسبب الانقلاب الفاشل المسرحي فقدت شروط الانضمام إلى الاتحاد الاوروبي عبر تعليق اتفاقية الاتحاد الاوروبي لحقوق الإنسان وأيضا انهيار دولة القانون وتدهور حرية التعبير والتجمع السلمي وتقليص دور المجتمع المدني فالعلاقات التركية الأوروبية في أسوء حالاتها خلال السنوات الماضية وأصبحت دولة مهددة للاستقرار الأوروبي بالتلويح بورقة اللاجئين تارة وإثارة ملف الغاز تارة أخري ومخالفة قواعد الانضمام للناتو بشراء صواريخ روسية متقدمة s400 .
أما العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية فيري الرئيس التركي السابق أن أنقرة تدير علاقتها مع واشنطن بشكل سيء وأنها قزمت تركيا أمام الولايات المتحدة عكس السنوات العشر الأولي من وصول العدالة والتنمية للحكم كان هناك نوع من الندية ، خاصة أزمة عملية نبع السلام ضد الأكراد والاعتراف الأمريكي بمذبحة الأرمن والتلويح بالكشف عن ثروات أردوغان وعائلته في الولايات المتحدة وتدمير الاقتصاد التركي من خلال تغريدات ترامب التى استخدمها بداية من أجل الافراج عن القس برنسون العام قبل الماضي وأدت سياسات أردوغان المرتبكة إلى حرمان الجيش التركي من تدريبات طائرات f35 وكانت ضربة موجعة لتركيا بسبب سياسات التغريد خارج السرب الغربي وتقاربه مع روسيا على حساب الغرب لصد الانتقادات الغربية ضد انتهاكات حقوق الإنسان، التمدد الغير محسوب العواقب قد يؤدي لانقطاع الدور وفقدان توازن الدولة التركية وهو ماحذرمنه ضمنا عبد الله جول .
(د): العلاقة مع الروس
لا يفضل عبد الله جول الارتماء الأردوغاني في أحضان الروس ولا يرى أن روسيا حليف يمكن أن تثق فيه تركيا بل يجب أن تعود للمربع الغربي كما ذكرنا وتنجز المعايير الخاصة للانضمام للاتحاد الاوروبي، وأن الرئيس بوتين يقود أردوغان للهاوية في ملفات سوريا وليبيا والعلاقة مع الاتحاد الأوروبي وأن روسيا تستغل تركيا لتعظيم مكاسبها في الإقليم وتحقيق مجد روسيا القصيرية على حساب الأتراك فمقارعة أوروبا وتحقيق نقاط لحساب بلاده هي هواية الرئيس الروسي المفضلة والتى يستخدم تركيا من خلالها كجسر لتحقيق أهدافه نحو أوروبا .
(د): العلاقة مع مصر والعرب
ركز الرئيس التركي أهمية العلاقات مع مصر فهي مفتاح العرب ومعاداتها معاداة لكل العرب وأن العلاقات المتدهورة مع الرياض وأبوظبي لن تتحسن إلا بعد تحسين العلاقات مع القاهرة
وكرر جملته الشهيرة التى قالها قبل ترك منصب الرئاسة في عام 2014، أن مصر وتركيا تفاحة انقسمت نصفين على ساحل المتوسط، تمايز موقف عبد الله جول من الإطاحة بالاخوان المسلمين في 2013 حيث هنأ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بوصوله للحكم مما أغضب أردوغان للغاية وكان ضد قطع العلاقات مع مصر وظل متمسكا بمبدأ عدم التدخل في شئون الغير وتأكيده في حواره مع صحيفة قرار التركية أن القاهرة وأنقرة قادرتان على إدارة إقليم البحر المتوسط، في إشارة إلى أن أزمة الغاز في المتوسط لن تحل إلا بالتقارب مع القاهرة وأنه لابد من تصفية الخلافات معها في القريب وأيضا هذه نفسها مطالب المعارضة الرافضة للاصطفاف مع الدول وليس التنظميات أو الفواعل من غير الدول مثل حماس وتنظيم الإخوان والجماعات الارهابية في سوريا والتى أصبحت تركيا أردوغان تتماهي مع أجندتها،
الخلاصة :
تعتبر تصريحات عبد الله جول تصريحات هامة وهادئة وعقلانية وناصحة لأهل السلطة والمعارضة في تركيا ومازال يحافظ على ما تبقي من صداقة قديمة مع أردوغان.
تصريحات قادرة على صنع حراك مستقبلي وتفاعلي داخل المجتمع التركي ودفعة قوية للأحزاب الجديدة وتقود انقلابا انتخابيا أو تحولا ديمقراطيا جديدا ضد العدالة والتنمية، وجرس إنذار للحزب الحاكم، مما يجبر العدالة والتنمية على تغيير سياساته الداخلية والخارجية أيضا وصناعة تحالفات مع الأحزاب الوليدة لتجنب خسارة الانتخابات القادمة .
–