القاهرة (زمان التركية)ــ عندما يتحول الحق إلى شك، ويتحول الشك إلى زور، ويتحول الزور إلى بُهتان فتش عن الإعلام. وعندما يتحول الأبيض إلى رمادي، ويتحول الرمادي إلى أسود، ويتحول الأسود إلى عدوان فتش عن الإعلام.
هذا ما قاله البعض تعبيرًا عن خطورة وأهمية الإعلام كسلاح خطير ومؤثر قادرا على تغير فكر الشعوب إما للأفضل في كل شيء ومن ثم يكون صالح الدولة وصالح الأفراد، وإما يكون التغير للأسوأ، وعلي قدر السوء تكون النتيجة من التدهور والتخلف والتردي للأفراد والشعوب.
وتزداد خطورة تأثير الأداة الإعلامية إذا ما كانت الدول متخلفة والأداة الإعلامية هي المصدر الوحيد لمواطنيها في المعرفة وتغير المفاهيم وبناء الآراء.
فمثلا هناك فرق بين تأثير الإعلام السلبي على شخص أمي أو لا يقرلأ عن تأثيره علي شخص آخر مُتعلم ويقرأ، والخطورة تقل أكثر إذا ما كان هذا الأخير بالإضافة إلى كونه قارئ فلديه رؤية نقدية وتحليلية لكل ما يقرأه أو يشاهده أو يسمعه.
إن مشكلة الاعلام تفاقمت عندما ربُط الإعلام بالإعلان، فأصبح البحث عما يُثير وليس ما يُفيد.
ومازدا الطين بلة أن البعض يضيف إلى عدم احترافيتة كأعلامي عدم توفر الضمير اللازم لممارسة العمل الاعلامي، فضلا عن حمل رسائل إعلامية هدفها التخريب وليس الاصلاح والتجهيل وليس التعليم والتدمير وليس البناء، فهؤلاء المتلاعبون بالعقول بكل منهجية وكل إبداع ربما يستحقون من الناحية المهنية كل إعجاب حتي وإن كانوا من الناحية الاخلاقية يستحقون كل احتقار
لقد كتب العالم الدكتور مصطفي محمود في أحد كتبه المعنونة بـ (أيها السادة اخلعوا الأقنعة) في أول موضوع تناوله في هذا الكتاب الذي وضع له عنوانا معبرا جدا (الدعارة بالكلمات) قال: ( إنهم يدخلون علينا بالكلمات ونحن الذين نموت مخدوعين. بهذا العسل الإعلامي المسموم. وذلك هو عصر التجارة بالكلمات والتخدير بالشعارات والتنويم المغنطيسي بالعبارات وقيادة الشعوب المتخلفة إلى مصارعها بهذا السلاح الساحر الذي يغازل الاذان بما تحب وتعشق، فيضعون لنا السُم في تلك العبوات الجميلة التي اسمها الحرية .. والعدالة.. المساواة.. ويتغنون بها في أسماعنا حتى ننام عليها ثم يذبحوننا ذبح الشاة).
والسؤال الذي يتبادر إلى الاذهان الآن هو ما الحل؟ أو بعد توصيف المشكلة فما هو العلاج المقترح لتحويلها من الدائرة السلبية إلى الدائرة الايجابية؟
وللإجابة علي هذا التساؤل أقول أولا: إن أي إعلام لابد له من رسالة يهدُف إليها وهي إما تكون بناء الأجيال على القيم والاخلاق والثقافة والفكر، أو تكون رسالة فحواها ألا أخلاق وألا فكر وألا ثقافة .
إنني لا أتحدث من منطلق المدينة الفاضلة والمثالىة الكاملة واللا واقع ولكن رؤيتي وحديثي هو من منطلق الواقع والطبيعة المختلفة للنفوس.
فما أتمناه من كل إعلامي ومسؤول عن منبر إعلامي الحرص علي الأقل على تحقيق التوازن بين الحسن والقبيح وإن كان الضمير الإنساني والمسؤولية المجتمعية تحتم باأن يكون المشهد الضيق الشاذ هو للإعلان عما هو بلا معني وبلا فكر ولكن أن يحدث العكس فهذه هي الطامة الكبرى.
ثانيا :لابد من وجود منبر إعلامي قوي يدعو للعلم والثقافة والمعرفة.
أتذكر أن أحد رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية صاح قائلا إن أمريكا في خطر، فلما سئل عن السبب قال لأن التلفاز الأمريكي لا يبث العلوم كما ينبغي.
ثالثا: الحرص علي وجود خطاب إعلامي يدعو للقيم والأخلاق الإنسانية، وبناء الذوق العام الراقي للأفراد.
رابعا: العمل على تشجيع الأفراد علىي التفكير وبناء القدرة على التحليل والنقد وليس التسليم والتلقين.
يقول الدكتور مصطفي محمود في كتابه الذي سبق الإشارة إليه (أنه بات ضروريا أن يضع كل منا مرشحا علي أذنه ومرشحا آخر على عينيه ليرشح كل ما يسمع وكل ما يري وليغربل المشاهد والأقوال .
بات ضروريا أن يُقيم أكشاك الحراسة على كل مداخل حواسه ويحول عقله من قارئ إلى ناقد) .
بات ضروريا ألا نستمع إلى شيء في استسلام وحسن نية بل نصغي إليه في شك وارتياب وتحسب).
خامسا: ينبغي العمل على نشر ثقافة الجمال بكل السُبل سواء من خلال الموسيقى أو الفن بشكل عام والأخلاق وآداب الحوار حتي تكون قوة تواجه القبح في كل شيء وتحاربه .
سادسا: الحرص الدائم علي وجود القدوة في كثير من المجالات وتقديمها للمجتمع من خلال الإعلام، ومن باب المبدأ الذي أؤمن به (إبدا بنفسك) قد حرصت في مقالتي الأسبوعية في (صحيفة زمان التركية) أن أقدم القدوة وأتحدث عنها حتي يكون أمامنا نموذج نقتدي به ويشجعنا بسيرته سواء من خلال إتقانه لعمله أو أخلاقه وقيمه وإنسانيته، فلقد كانت المقالة السابقة والأسبق تتحدث عن عالم فاضل هو بديع الزمان سعيد النورسي، وقبل تحدثت عن العالم الفاضل فتح الله كولن، وأعمل علي مواصلة الحديث في هذا الجانب في المقالات القادمة بإذن الله .
دامت حياتكم نورها العلم وقوامها الحب.
ـــــــــــــــــــــــ
هيثم السحماوي، باحث مصري في القانون الدولي
[email protected]