بقلم هيثم السحماوي
زمان التركية_ (إن المسلم الحقيقي والمؤمن الصادق لا يكون مؤيداً للفوضى والتخريب ، فالدين يمنع الفتنة والفوضى بشدة، لأن الفوضى لا تعترف بحق من الحقوق، وتقلب السجية الانسانية الي السجية الحيوانية المتوحشة).
كانت هذه من المبادئ والأفكار التي يعتنقها ويؤمن بها العالم التركي الفاضل سعيد النورسي.
ولقد ظل يسبق اسمه هذا الوصف (بديع الزمان) وظل هكذا حتي بعد وفاته. ولقد كان بديع الزمان في أمور شتي منها : اتخاذ القرءان الكريم نورا وهدي يهتدي به في حياته، و العمل علي الاهتمام بالمساهمة في تقدم الإنسانية كلها للأفضل، والعمل علي تغير المسار وتعديل الطريق نحو الأفضل، وبذل كل الجهد نحو الاهتمام بتربية النشء بسيرته العملية قبل أقواله، والثبات علي المبادئ، وقول الحق مهما كانت التحديات فلقد كان يكرر دوما أنه لو كانت له مائة روح لضحي بها كلها في سبيل الحق الذي قضي عمرة كله للدفاع عنه.
ولد العالم الفاضل سعيد النورسي عام 1877 في قرية نورس التي تقع في شرق تركيا ، ويغلب فيها الأكراد .
بدا منذ صغره ذكائه الغير عادي وحبه للعلم والمعرفة، وكانت لديه قوة خارقة في استيعاب واسع العلوم والفنون، وعمل بدأب كمفكر واسع النطاق ومرب كبير .
تقول الباحثة البريطانية شكران واحدة :
(عند ولادة سعيد النورسي كان العالم الاسلامي قد دخل إلى نوع من الركود ، في الوقت الذي كانت فيه الإمبريالية الغربية في طريقها للتطور ، ومن ثم كانت هناك استفهامات كثيرة حول الدين في أذهان المسلمين، وكانت هناك هجمات علي الإسلام والمسلمين علي الصعيد الايديولوجي والفكري، فقام سعيد النورسي بتحديد المشكلة وتوصيف علاجها اللذان أخذهما علي عاتقه وهما: 1- تأصيل الفكرة الاسلامية وتحدياتها 2- إيجاد أجوبة علي الشبهات والأسئلة التي كانت تثار حينئذ من منطلق الفكر الاسلامي الرشيد).
اقتنع العالم سعيد النورسي بأن الكلمة لها تأثيرها وأهميتها، وفي خطبة ألقاها في الجامع الأموي بدمشق عام 1911 كانت بمثابة التوصيف والتحديد لمشاكل وأمراض المجتمعات الإسلامية ووضع اليد علي المشكلة وحلها ، فقال فيها هناك ستة أمراض جعلتنا نقف علي أعتاب القرون الوسطي في الوقت الذي طار فيه الأجانب وخاصة الأوربيين نحو المستقبل ، وهذه الأمراض هي :
اليأس والقنوط
انعدام الصدق في الحياة الاجتماعية والسياسية
حب العداوة
تجاهل الرابطة الروحية التي تربط المؤمنين بعضهم البعض
شيوع الاستبداد شيوع الامراض المعدية
حصر المهمة في المنفعة الشخصية
ولكن بديع الزمان لم يكتفي في سيرته العطرة بالإرشاد والتعليم فقط وإنما اشتغل أيضا بالعمل السياسي على أرض الواقع، واشتغل أيضا على محور تأليف المؤلفات والكتب القيمة .
كان له أيضا مشروع تنموي كبير متجه نحو إصلاح التعليم وذلك عن طريق إنشاء مدرسة الزهراء والجامعة اللتان كان يطمح في إنشائهما .
حيث كان التعليم القائم حينئذ في الدولة العثمانية منقسم إلى قسمين إحدهما التعليم الديني في المدارس الدينية، والآخر التعليم الحديث في المدارس الحديثة.
وكانت وجهة نظره هنا هو دمج النوعين من التعليم في مدرسة واحدة ولخص فكرته في ذلك بقوله: ( ضياء القلب هو العلوم الدينية، ونور العقل هو العلوم الكونية الحديثة ، وبامتزاجهما معا تتجلي الحقيقة، وبافتراقهما تنشأ الحيل والشبهات في هذا والتعصب الذميم في ذاك).
أخذ بديع الزمان يحارب لتحقيق حلمه حتي قابل السلطان رشاد خليفة السلطان عبد الحميد الثاني، ونجح في الحصول علي وعد بدعم مالي لقيام وتأسيس المدرسة، وهنا اتجه حلمه إلى تحقيق الفكرة الأكبر وهي فكرة إنشاء جامعة تقام علي نفس النهج .
من المبادئ التي أرساها الإمام سعيد النورسي وكان يؤمن بها أن الحرية الشرعية النابعة من الإيمان إنما تأمر بأساسين:
الأساس الأول : ألا يُذل المسلم
الأساس الثاني :ألا يتذلل
فيقول من كان عبدًا لله فلا يكون عبداً للعباد ، فالحرية الشرعية عطية وتجلي من تجليات الله وهي خِصية من خصائص الإيمان .
يتحدث الشيخ الأستاذ الدكتور سعيد البوطي عن بديع الزمان فيقول:
( إن الأستاذ سعيد النورسي كان ربانيا في ذاتيته وحياته الشخصية ، وكان عالمياً في إشعاعاته العلمية ودقائقه الفكرية المتميزة، فكان لديه مزايا كثيرة وفردية بالنسبة لما نعلم من سُنن الله في عباده، وقد استحق بِناء عليها بجدارة لقب بديعُ الزمان )
أما عن مؤلفاته العلمية الغزيرة، والمحاكمات التي تعرض لها،وتحوله من ميدان العمل بالسياسة إلى معادتها الي الحد الذي جعله يصفها بالشيطان فهذا الذي استأذن القارئ الفاضل أن أتعرض له في مقالي القادم إن شاء الله.
دامت حياتكم نورها العلم وقوامها الحب
هيثم السحماوي
باحث مصري في القانون الدولي
–