بقلم: حامد أوغلو
القاهرة (زمان التركية)ــ يبدو أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بات الزعيم الوحيد الذي استطاع التعامل مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وتحقيق أكبر مكاسب للدور الروسي في المنطقة ومصالحها عبر تركيا، حيث عاد الحديث عن طبيعة العلاقات التركية الروسية مرة أخرى للواجهة بعد مقتل جنود أتراك خلال الأسبوعين الماضيين على يد القوات السورية الموالية لبشار الأسد، مما أشعل نار الخلافات بين بوتين وأردوغان بعد أن بقيت رمادا لعدة سنوات عقب إسقاط تركيا طائرة حربية روسية على الأراضي السورية في عام 2015، كانت ستفضي لاشتباك عسكري بين موسكو وأنقرة وقطعت العلاقات الدبلوماسية والعسكرية والسياسية لمدة 6 أشهر إلا أن أردوغان عاد معتذرا لبوتين عن إسقاط الطائرة وبسبب المواقف الروسية الرافضة للانقلاب الفاشل المزعوم الذي وقع في 2016 مما اعتبره أردوغان موقفا مشرفا لروسيا في ظل تخاذل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من وجهة نظر أردوغان.
أولا: إدلب ورقة أردوغان الأخيرة:
(أ) تركيا استمرار التنازلات:
لم يعد خفيا على أحد أن تركيا خرجت بخفي حنين من سوريا بل خرجت مطأطأة الرأس أمام النفوذ الروسي والإيراني، فهما سيطرتا على سوريا بالكامل ولعبت مؤتمرات خفض التصعيد دورًا رئيسا في إنهاء النفوذ الروسي رويدّا رويدّا، بل يمكن القول إن تركيا قدمت أوراق نفوذها في سوريا أمام طاولة بوتين ورقة تلو الأخرى.
(أ): عقب اغتيال السفير الروسي في تركيا في ديسمبر 2017، بدأت تركيا برفع غطاء الدعم عن حلب، مما سهل إسقاطها لصالح النظام السوري. ومن هنا كانت البداية، ثم أتت الغوطة الشرقية، وأيضا درعا ومدن أخرى فرطت فيها المعارضة السورية المسلحة المدعمة من تركيا.
(ب): حصلت تركيا على المقابل من خلال طي صفحة اغتيال السفير الروسي بالكامل وتعزيز قدراتها الدفاعية مع روسيا عبر شراء منظومة s 400 رغم الرفض الأمريكي والأوروبي لهذه الصفقة التى تهدد دول الناتو والتي تنتمي لها تركيا.
(ج): لاحقا استطاعت تركيا التفاهم مع روسيا من أجل إرسال قوات تركية إلى ليبيا في يناير الفائت، من بينها المقاتلون السوريون الأكثر تشددا في مقابل التفاهم حول إدلب من خلال فصل المعارضة المتطرفة عن المعارضة المعتدلة والذي يبدو أمرًا صعبا لتركيا؛ لأن إدلب أصبحت آخر معقل للمعارضة السورية.
(د): روسيا تعلم جيدا أن تركيا في حاجة إليها بسبب توتر علاقتها مع الغرب خلال الفترة الماضية وخاصة بعد الانقلاب الفاشل المزعوم في 2016 بسبب تحول تركيا لدولة ديكتاتورية خالصة، بعد أن فقدت كل المعايير الأوروبية لدخول الاتحاد الأوروبي ووقعت في براثن الدب الروسي وبشكل محكم.
(ب): أردوغان وسقوط ورقة التوت
لم تنجح يوما منذ اندلاع الأزمة السورية في 2011 سياسات التصعيد التركية ورفع السقف والشعارات الرنانة والتي في النهاية تبقى أقوالا لا أفعالا. فأردوغان تعهد بإسقاط النظام السوري والصلاة في المسجد الأموي وعجز عن فعل ذلك في النهاية، بل تاجر بالأزمة السورية في كافة المحافل الدولية لتعظيم مكاسبه السياسية في الداخل والخارج. وهذا لم يؤدِّ إلى شيء بل زاد من ماساة الشعب السوري وإطالة عمر نظام الأسد.
1- تركيا بدأت تدرك أن روسيا عازمة على إسقاط إدلب لصالح النظام السوري مهما كان الزمن، وتبدو أن زيارة بوتين الأخيرة إلى سوريا في يناير الماضي أكبر دلالة على ذلك. موسكو وعدت الأسد بإعادة كل سوريا تحت سيطرته بالكامل، ويبدو أن النظام السوري عازم على ذلك رغم أن سيطرته على إدلب لن تجلب له النفع في ظل تدهور الاقتصاد السوري، ولكنها معركة هامة للنظام لترميم صورته أمام أنصاره. لذلك سارعت تركيا بتسليح المعارضة المسلحة في سوريا (جبهة النصرة المصنفة منظمة إرهابية) في مخالفة لاتفاق سويتشي الذي مهد لحلحلة الأزمة السورية برعاية روسيا وإيران وتركيا.
2- تركيا اليوم أصبحت في عجز عن مواجهة ضربات النظام السوري والمحتمي بورقة الدعم الروسي. وتركيا بعد انتهاء الصراع السوري بشكل كامل سلحت في النهاية ما تبقى من قوات معارضة بمنظومات دفاع جوي ليس من أجل عيون السوريين بل من أجل حماية نقاط المراقبة التركية في إدلب لا أكثر ولا أقل. وإن إسقاط طائرات النظام السوري هو بمثابة نصر معنوي للمعارضة التركية المسلحة والتى طالبت بهذه المنظومات من عام 2013 مع ضربات النظام السوري ضد المدنيين ولم يحصلوا على هذا التسليح إلا من أجل حماية الجنود الأتراك فقط وليس المدنيين السوريين.
3- تركيا تعلم أن الأسد سيستولي على إدلب آجلا أو عاجلا، ولكن تريد تخفيف وطأة الخبر على مؤيدي الدور التركي في المنطقة. وكان مستشار أمير قطر عزمي بشارة في لقاء مع قناة الجزيرة القطرية قال صراحة إن إدلب ستسقط ولا تضحكوا على السوريين في إدلب، وسوريا تحديدا في ظل انحسار الدور التركي في المنطقة منذ عام 2013 بعد رحيل نظام الإخوان المسلمين في مصر، ثم رحيل نظام البشير في السودان، والتدخل الروسي في سوريا الذي جمد الدور التركي.
ثانيا: تركيا أردوغان ألعوبة بين روسيا والغرب
منذ عام 2016 وسياسات تركيا جميعها تخدم الدور الروسي في المنطقة. بمعنى آخر أن تركيا في المربع الروسي منذ الانقلاب الفاشل المزعوم الذي روج له أردوغان، واستطاع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تحجيم شعبوية أردوغان في التعامل مع موسكو، واستطاع تقليل اللغة العنترية الاستعراضية التى تعود على اتباعها مع الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، مما جعل أنقرة حذرة دائما في التعامل مع موسكو وأصبح صوتها أعلى من أنقرة في ملفات مكافحة الإرهاب وملفات سوريا وليبيا وأوكرانيا وغاز المتوسط. ودلالة ذلك:
1- أجبرت موسكو أنقرة على التخلي عن الجماعات المتطرفة في الشمال السوري في مقابل السماح لتركيا في التوسع في محاربة الوجود الكردي.
2- استطاعت روسيا معرفة حجم مشاركة أعداد المقاتلين القوقازيين من خلال تركيا وأماكن تواجدهم وانتشارهم على الأراضي السورية. وهذا الأمر يعزز من حماية الأمن القومي الروسي الذي عانى من الإرهاب في التسعنيات خاصة في الشيشان.
3- تركيا اليوم بعد أن أصبحت في الحضن الروسي عاجزة عن الخروج منه والعودة للمحور الأمريكي، خاصة أن إدارة ترامب تغض الطرف عن انتهاكات حقوق الإنسان الواسعة في تركيا، والتى طالت حركة الخدمة وأمثالها من المنظمات غير الحكومية طوال السنوات الماضية، ولكن اتفاق سويتشي واتفاق خفض التصعيد ورغبة الدولة العميقة في تركيا في تعزيز علاقتها بالروس يكبل يد أردوغان في الانقلاب على روسيا مرة أخرى كما فعل في عام 2015 عقب إسقاط الطائرة الروسية على يد تركيا.
4- استدارة استراتيجية من قبل حلف الناتو ضد تركيا باتباع سياسة النأي بالنفس في ملف إدلب والخلاف الروسي التركي في هذا الأمر لأن الاتحاد الأوروبي استبعد تماما من اتفاقات خفض التصعيد. بمعنى آخر أن تصريحات الناتو نحو تركيا في أزمة أدلب هي تصريحات دبلوماسية لغسل يدها من خطايا أردوغان في سوريا وعليه الاعتماد على ذاته في مواجهة بوتين.
5- رفضت روسيا وبشكل مباشر اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين ليبيا وتركيا المثير للجدل، والذي يهدد استقرار الإقليم في منطقة شرق المتوسط.
ثالثا: مستقبل الخلاف الروسي التركي:
على الرغم من فشل جولات التفاوض والتنسيق بين روسيا وتركيا بشأن تسوية ملف إدلب والعودة لمخرجات سوتشي للتسوية والتوقف عن الاتهامات المتبادلة بانتهاك هذا الاتفاق، إلا أنه يبدو أن الأزمة السورية أصبحت مرتبطة تماما بالأزمة الليبية، بل أصبح هناك حبل سري بين الأزمتين نسجته تركيا أردوغان كونها أصبحت دولة ضامنة لحكومات الوفاق في المحافل الدولية. أنقرة أصبحت دولة صانعة للأزمات الدولية بسبب طموحها في إرساء دورها في الإقليم أصبح مرفوضا من شعوب حكومات المنطقة. وقد يكون الخلاف حول ليبيا بداية لطلاق سياسي بين موسكو وأنقرة؛ لأنه سيكون فشلا في تقاسم النفوذ بينهما مما يعزز فرص الاتحاد الأوروبي ومصر والإمارات والسعودية في الأزمة الليبية.
(أ): أولا الخلاف حول إدلب
1- بقاء الوضع في إدلب كما هو لا رابح لا خاسر ولا مزيد من تقدم النظام السوري في المدينة. وهذا ما تريده تركيا بشكل فوري، وما صرح به وزير الدفاع التركي خلوصي أكار أنه يريد وقف تقدم النظام السوري والحفاظ على نقاط الجيش التركي في المنطقة دون أن تتعرض لأذى.
2- روسيا مازالت عند موقفها أن إدلب يجب أن تخضع للنظام السوري، كما وعد بوتين الأسد في زياراته الأخيرة لسوريا، كما ذكرنا، بل إن روسيا تريد أن تكون عرابة لمصالحة بين دمشق وأنقرة في التنسيق الأمني والمخابراتي. وتجلى ذلك بالفعل في اجتماعات بدأت بالفعل من أكتوبر الماضي. بدأت مثل هذه الاجتماعات من أجل تقريب وجهات النظر.
(ب) ثانيا حول ليبيا:
1- في رأيي أن الخلاف بين روسيا وتركيا انتقل من سوريا إلى ليبيا، لذا بدأت الخلافات تدب بين الطرفين بعد الفشل في إقناع أطراف الصراع الليبي في وقف إطلاق النار ديسمبر الماضي، مما جعل الأزمة تبتعد عن الدورين الروسي والتركي وظهرت الخلافات إلي العلن بسبب اتهام تركيا بدعم حفتر على حساب الحكومة الشرعية وإرسال ميليشيات “فاجنر” الروسية. وردت تركيا بالمثل بإرسال مرتزقة سوريين يقودهم شركة صادات التركية وهي شركة أمنية خاصة وأصبحت ذراع تركيا الباطش، بهدف ترسيخ أمر واقع جديد في ليبيا التى مازالت جرحا غائرا. وأنقرة عقب مؤتمر برلين حول ليبيا معزولة ومنبوذة متهمة بدعم الإرهاب ولن يكون لديها اليد العليا في مستقبل ليبيا.
2- الضغط التركي على روسيا في سوريا بهدف السماح لتركيا بلعب دور أكبر في ليبيا، خاصة أنها تشعر أنها ستخرج خالية الوفاض من ليبيا، كما حدث في لها في سوريا. ولكن واقع الحال أن تركيا هي من حشرت أنفها في هذا الملف بهدف حماية ودعم جماعة الإخوان المسلمين التى تدير حكومة طرابلس. وواقع الحال أن مصر والإمارات لهما دور أكبر في ليبيا وروسيا في تنسيق أكبر معهم عن أنقرة. وهذا ما يثير غضب أنقرة؛ لأن اتفاق ترسيم الحدود بين تركيا وليبيا رفض من كافة القوى الدولية والإقليمية.
(ج) العلاقات التركية الروسية:
مازالت العلاقات التجارية والاقتصادية في أقوى مراحلها وهذا ما يجعل الطلاق في الملفات السياسية أمرا صعبا في ظل نجاح بوتين في ربط تركيا باتفاقات متعددة الجوانب يصعب على حكومة العدالة والتنمية التحلل منها، بل إن تركيا أصبحت مخلبًا في يد روسيا لضرب الأمن القومي الأوروبي ويؤثر سلبا على مستقبل التوازنات بين أوروبا وروسيا.
1- لا شك أن تركيا تسعى للعودة للمربع الغربي وتقليل تحالفاتها مع الدب الروسي. ويبدو هذا أمرا صعبا للغاية كما ذكرنا في ظل حكم أردوغان إلا في حالة رحيل حزب العدالة التنمية عن السلطة في ظل وجود انشقاقات كبرى تهدد العدالة والتنمية وحديث أحزاب عدة عن ضرورة العودة للمربع الغربي.
2- استمرار التنسيق الروسي التركي في ملفات عدة وإقدام تركيا أردوغان على شراء مزيد من الأسلحة الروسية، مما يعزز علاقتها مع موسكو في تحدٍّ واضح للغرب، مما قد يؤثر سلبا على شعبية الحزب بسبب تخبط السياسة الخارجية للبلاد، وأن مزاج المواطن التركي يميل للغرب والانضمام إلى الاتحاد الاوربي.