بقلم: هيثم السحماوي
القاهرة (زمان التركية) – يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما روي عنه (لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَيْنَ هُمْ قَالَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ)
إننا إذا تأملنا هذه الخطة التي أعدها ورسمها صاحبها دونالد ترامب الرئيس الأمريكي، لوجدنا أنها ليست صفقة وإنما هي صفعة أرادت إسرائيل بمباركة ومشاركة الولايات المتحدة الأمريكية أن توجهها لفلسطين ولأنصار القضية الفلسطينية.
وما أود التأكيد عليه هنا هو ان هذا الاتفاق ينطوي على مخالفة صريحة وانتهاك واضح لقواعد القانون الدولي وأحكامه من وجوه عدة منها:
فأولا: بنود هذه الصفقة تتعارض وتتناقض مع قراري مجلس الأمن أرقام (141/193) اللذين كانا يدعوان إسرائيل إلى الانسحاب من الأراضي الفلسطينية التي احتلتها كحل عملي لقيام سلام حقيقي مع الفلسطينيين والإسرائيليين.
ثانيا: صفقة القرن هذه تنتهك أحد أهم المبادئ الأساسية للقانون الدولي لحقوق الإنسان وهو مبدأ أو حق تقرير المصير، فهذا حق قانوني دولي للشعوب الذي يعني (حق الشعوب في الحكم وفق إرادتها).
ثالثا: تنطوي صفقة القرن أيضا على مخالفة صريحة لاتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، تلك التي تعتبر أن الاحتلال حالة مؤقتة ولا يجوز للدولة المحتلة تغيير الطابع الديموغرافي والمركز القانوني للأراضي المحتلة.
رابعا: فيما يتعلق ببند تهجير الفلسطينيين الذي تحتويه الصفقة، فبالإضافة أنه يعد مسحا للهوية التي تعتبر من حقوق الإنسان الأساسية بموجب القانون الدولي ، فالإعلان العالمي لحقوق الإنسان يقرر أن لكل شخص الحق في تأمين حقوقه الثقافية، فبالإضافة لذلك فإن المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949حظرت النقل القسري سواء كان جماعيا أو فرديا للأشخاص أو نفيهم من مناطق سكنهم إلى أرض أخرى إلا إذا كان هذا في صالحهم بهدف تجنبهم مخاطر النزاعات المسلحة.
خامسا: فإن المواد 6/7/8 من نظام روما الأساسي تنص على (أن الإبعاد أو النقل غير المشروعين يشكلان جريمة حرب)
سادسا: المخالفة الواضحة لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 لعام 1947 الذي نص على أن مدينة القدس هي كيان منفصل ويخضع لنظام دولي خاص.
سابعا: التعارض الواضح مع قرارات مجلس الأمن رقم 242 لعام 1976، وقرار رقم 252لعام 1968، وقرار رقم 338 لعام 1973 تلك التي لم تعترف جميعها بأي إجراءات تتعلق بضم إسرائيل للأراضي بالقوة العسكرية، لتعارضها مع ميثاق الأمم المتحدة الذي لا يجيز ضم الأراضي الفلسطينية بالقوة المسلحة.
ثامنا : التناقض مع قراري مجلس الأمن الدولي رقم 476،478 لعام 1980 اللذين لا يعترفان بأي إجراءات من شأنها تغيير الوضع القائم في مدينة القدس.
تاسعا: المخالفة أيضا لقرار مجلس الأمن 2334 لعام 2016 الذي أكد على إدانة كافة الإجراءات الرامية لتغيير الوضع الديموغرافي والجغرافي للأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 ومن بينها القدس الشرقية…. الخ من مخالفات أخرى في الصفقة المقترحة مع أحكام وقواعد القانون الدولي ودور الأمم المتحدة.
وطبيعيا أن يأتي الرد الفلسطيني ومن كل من يؤمن بالقضية الفلسطينية الرفض التام وهو الذي جاء في الرد الرسمي من رئيس السلطة الفلسطينية الرئيس محمود عباس وكان نص رده كالاتي: “أريد أن أقول للثنائي ترامب ونتانياهو: حقوقنا ليست للبيع، وليست للمساومة. وصفقتكم المؤامرة لن تمشي. استراتيجيتنا ترتكز علي استمرار كفاحنا الذي لم ينقطع لإنهاء الاحتلال وتجسيد استقلال دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشريف”.
وفي الحقيقة أن القول الحق وما ينبغي أن يكون جاء في الرد الرسمي للأمين العام لجامعة الدول العربية السيد أحمد أبو الغيط خلال الاجتماع الذي تم بداية الشهر الجاري مع وزراء خارجية الدول العربية وبحضور الرئيس محمود عباس وكان نص كلامه كالآتي: “إن الفلسطينيين يرفضون الوضع الحالي لأنه لا يلبي تطلعاتهم ويضعهم فعليا تحت الاحتلال، وسيكون من قبيل العبث أن تقضي خطة السلام إلى تكريس هذا الاحتلال وشرعنته، وأن يؤدي طرح يفترض أنه يقوم على فكرة الدولتين إلى وضع يقترب من وضع الدولة الواحدة التي تضم فئتين من المواطنين، أي الوضع الذي يكون فيه الفلسطينيون مواطنين من الدرجة الثانية، محرومين من أبسط حقوقهم في المواطنة، وهو الوضع الذي نبذه العالم منذ زمن ولم يعد له مكان في المستقبل، وبصراحة فإن تطبيقه لا يخدم حتى الجانب الاسرائيلي، إذ تقف اعتبارات الديموغرافيا بوضوح في صف الفلسطينيين على المدى الطويل.
إن هذه السيناريوهات لا تجلب استقرارا أو تقيم استقرارا بل تضع بذور مائة عام أخرى من الصراع والمعاناة. ولا بد أن يتفاوض الطرفان بنفسيهما من أجل الوصول إلى حل يستطيع كل منهما التعايش معه والقبول به.
ولا يمكن أن تكون نقطة البداية لهذا التفاوض هي الحد الأقصى لمطالب طرف والتجاهل الكامل لرؤية الطرف الآخر.
ولا يمكن أن تكون خطوط الحل وتفاصيله مفروضة فرضا ومقررة سلفا.
فالمطلوب والمأمول هو أن يبدأ التفاوض على أساس صحيح ومتكافئ يأخذ في الاعتبار مطالب الطرفين وتطلعاتهما، أو على الأقل الحد الأدنى من هذه المطالب والتطلعات في ضوء تجارب التفاوض السابقة وجولات المحادثات المتعددة التي تحمل بين طياتها خطوط الحل وصور التسوية النهائية.
وبما يأخذ في الاعتبار مبادئ القانون الدولي، والقرات الأممية ، وأسس العدالة والانصاف، والتفاوض على هذا الأساس هو السبيل الوحيد إلى تسوية عادلة وقابلة للبقاء.
إن المجتمع الدولي عليه أن يتحمل المسؤولية كاملة تجاه القضية الفلسطينية، تلك التي تعتبر أهم القضايا الموجودة الآن على الساحة، وهذه القضية ينبغي أن ينظر إليها من قبل المجتمع الدولي بنية وهدف إيجاد حل شامل ودائم وعادل لإنهاء هذه الازمة والمأساة الإنسانية وإحلال السلام ليس بين الفلسطينيين والإسرائيليين فحسب بل في الشرق الأوسط والعالم أجمع.
دامت حياتكم نورها العالم وقومها الحب
هيثم السحماوي: باحث مصري في القانون الدولي