تقرير: محمد عبيد الله
أنقرة (زمان التركية) – استجابة لتحريض الرئيس رجب أردوغان، تقدم ستة نواب برلمانيين من حزب العدالة والتنمية الحاكم أمس الجمعة بشكوى إلى النيابة العامة ضد رئيس هيئة الأركان الأسبق إيلكر باشبوغ والنائب البرلماني من صفوف حزب الشعب الجمهوري ورئيس شعبة الحرب النفسية في القوات المسلحة سابقًا دورسون جيجك.
الاتهام الذي رفعه النواب للنيابة العامة هو “إهانة مسئول” و”الافتراء”، وذلك ردا على وصف “باشبوغ” و”جيجك” نواب حزب العدالة والتنمية بـ”الذراع السياسية لمنظمة فتح الله كولن”، الأمر الذي وصفه مراقبون بـ”ارتداد سلاح أردوغان عليه”.
جاءت هذه الخطوة بعد هجوم أردوغان على “باشبوغ” من البرلمان، ودعوة النواب إلى رفع شكوى ضده، بعد مشاركة الأخير، في أحد البرامج التلفزيونية، متهمًا البرلمانيين عن حزب العدالة والتنمية بصياغة مقترح قانوني قبل سنوات يسمح بمحاكمة العسكريين بالمحاكم المدنية.
باشبوغ سبق أن زج به في السجن لمدة 26 شهرا، إثر إدانته بالانتماء لتنظيم “أرجنكون” أو ما يعرف إعلاميا بـ”الدولة العميقة” قبل الإفراج عنه في مساومة مع نظام أردوغان إثر فضائح الفساد والرشوة في 2013.
وكان رئيس هيئة الأركان الأسبق أكد “ضرورة إيجاد السياسيين الذين قدموا للبرلمان عام 2009 مقترحا قانونيا تم من خلاله إقصاء القضاء العسكري ومحاكمة العسكريين أمام محاكم مدنية، فإذا أنكرتم وجود الذراع السياسية لمنظمة غولن فسوف يكون ذلك مخالفا للحقيقة”.
وقدم المقترح المذكور، في 26 يونيو/حزيران 2009، وتم إقراره سريعا كقانون، نص على محاكمة المتهمين العسكريين والمدنيين المتهمين بتهم عسكرية أمام المحاكم المدنية فقط، ما فتح المجال أمام اعتقال العسكريين بقرارات صادرة من تلك المحاكم في إطار قضية تنظيم أرجنكون الإرهابي.
وعقب تصريحات باشبوغ شن أردوغان الأسبوع الماضي هجوما عليه، حيث قال أردوغان في تصريحاته: “هناك شخص سبق أن شغل منصب رئيس هيئة الأركان (في إشارة لباشبوغ) يدلي بتصريحات مضللة للرأي العام. إنني أعرفه جيدا. فهو يتذرع بهذا المقترح القانوني ويدلي بتصريحات تضع مجلسنا الموقر في مرمى الاتهامات”.
وطالب أردوغان نواب البرلمان بتقديم شكاوى ضد باشبوغ للتحقيق معه قائلا “من أجل حماية حقوق ومكانة مجلس الأمة أدعوكم لتقديم شكوى عن ذلك أمام المحكمة على وجه السرعة؛ إذ لا يحق لأي شخص مهما كان أن يشوّه سمعة البرلمان من الخارج من خلال اتهامات لا أصل لها”.
وتابع قائلا: “محاولات تشويه سمعة البرلمان من خلال إلقاء مثل هذه التهم متذرعا بتعديل قانوني ساندته جميع الأحزاب السياسية قبل نحو 11 عاما ليس إلا عدم احترام لهذا البرلمان”.
واعتبر الرئيس أردوغان تصريحات باشبوغ “هجوما متعمدا على إرادة البرلمان، وحصانة البرلمانيين على حد سواء، تنبع من عقلية تشتاق للوصاية العسكرية”.
وبعد دعوة أردوغان هذه، نشر باشبوغ، يوم الخميس، عدة تغريدات، قال فيها إنه يرفض تصريحات أردوغان، وأضاف متحديًا: “لا يوجد أي شيء يمكنه أن يمنعنا عن قول الحقائق التي تمليها علينا ضمائرنا في إطار حبنا واحترامنا للقوات المسلحة التركية والشعب”.
واعترف باشبوغ في تغريداته بأنه بدأ يكافح ضد ما سماه “منظمة فتح الله كولن” منذ أن تسلم منصب رئاسة الأركان في 28 أغسطس 2008، وأن المقترح القانوني المذكور لو لم يتم سنّه لكان بالإمكان توجيه ضربة قاضية لهذه المنظمة في عام 2009، وذلك على الرغم من عدم وجود أي قرار قضائي يصف حركة الخدمة بـ”المنظمة الإرهابية” في ذلك الوقت، الأمر الذي اعتبره كل من الصحفيين المخضرمين آدم ياوز أرسلان وأمر الله أوسلو اعترافًا منه بوجود مؤامرة وخطة مسبقة لإعلان حركة الخدمة تنظيمًا إرهابيا منذ ذلك الوقت.
وقال الصحفي ياوز أرسلان: “إن تنظيم أرجنكون كان يخطط إعلان حركة الخدمة تنظيمًا إرهابيًّا ومحاكمة المتهمين بالانتماء إلى هذا التنظيم في المحاكم العسكرية. لكن أردوغان هو الذي حقق حلم أرجنكون هذا، والآن جاء موعد تصفية الحسابات بين أرجنكون وأردوغان”.
جدير بالذكر أن إل قضية أرجنكون بدأت بعد ضبط 27 قنبلة يدوية في إحدى الشقق بحي عمرانية في إسطنبول يوم 12 يونيو/حزيران 2007. واعتقل بسببها العشرات من الجنرالات ورجال الدولة بتهمة التخطيط للانقلاب على الحكومة المنتخبة برئاسة أردوغان.
واستمرت القضية 6 أعوام وشهرين، وفي 5 أغسطس/آب 2013 العام الذي شهد لاحقا تحقيقات الرشوة والفساد التي تورط فيها وزراء بحكومة أردوغان آنذاك والتي أمر بصفته رئيس الوزراء بإغلاقها، قضت المحكمة بالسجن المؤبد مع الأعمال الشاقة إضافة إلى السجن 99 عاما على اللواء المتقاعد “ولي كوجك”، وبالسجن المؤبد على باشبوغ، والمؤبد مع الأعمال الشاقة على رئيس حزب الوطن “دوغو بيرينجك”، إضافة إلى أحكام مختلفة بحق باقي المتهمين.
لكن بعد فضائح الفساد والرشوة التي تورطت فيها حكومة أردوغان في ديسمبر/ كانون الأول 2013، استقوى أردوغان بأعضاء أرجنكون لإنقاذ نفسه.
وفي مقابل إغلاق القضية، أمر أردوغان عام 2014 بالإفراج عن المعتقلين العسكريين المنتمين إلى “أرجنكزن” والمتهمين بمحاولة الانقلاب ضده، متذرعا بأن حركة الخدمة هي التي دبرت المؤامرة لاعتقالهم وليس هو، منكرا وجود مثل هذا التنظيم، على الرغم من أنه كان وصف نفسه بـ”المدعي المحقق في قضية أرجنكون”، وكان يقدم نفسه زعيمًا يكافح ضد الوصاية العسكرية في البلاد.
إلا أن خديعة أردوغان “حركة الخدمة هي التي دبرت مؤامرة ضد أرجنكون” لم تنطلِ على هذا التنظيم العتيق، وبدأ مجموعة من العسكريين الموظفين حاليا والمتقاعدين يتهمون أردوغان بأنه وحزبه “المسؤول السياسي” عن هذه المؤامرة، ويصفونهم بـ”الذراع السياسية” لمنظمة فتح الله غولن؛ السلاح الذي يوجهه أردوغان ضد كل من يختلف معه أو يعارضه.
بعد سبع سنوات، بدأ التحالف بين حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا بقيادة رجب أردوغان وتنظيم أرجنكون الموصف إعلاميًّا بـ”الدولة العميقة” يشهد تصدعات، بالتزامن مع التطورات التي شهدتها مدينة إدلب في الآونة الأخيرة والنزاع الذي نشب بين تركيا وروسيا في هذا الصدد.
وجاءت هذه الأحداث بعد النزاع الذي اندلع بين تركيا وروسيا بسبب الصراع على مدينة إدلب، إذ كان زعيم حزب الوطن دوغو برينجك، أحد الأعضاء في تنظيم أرجنكون الذي يوالي في الوقت الراهن روسيا، هدد الرئيس أردوغان بقوله: “إذا قمت بتسليح أوكرانيا ضد روسيا فإنك لن تستطيع البقاء في منصبك”.
–