بقلم/ ماهر المهدي
(زمان التركية)- على النقيض مما تقدم من صورة قاتمة، قد نجد التقدم والحياة الآمنة المستقرة، والعيش الميسر للجميع، والمجتمع المتسامح الذي يتسع لجميع الأفكار وشتى الاتجاهات، والمستقبل المبشر للمتواجدين من مواطنين ووافدين في بلاد أخرى لا يتواجد فيها الدين إلا خلف أسوار بيوت العبادة فقط تقريبا. ولا وجود لرجال الدين فيها في كل جريدة وكل محطة إذاعة وكل قناة تليفزيون.
ولا وجود فيها لبرامج الدين وبرامج الفتاوى الدينية التي تهطل كالمطر على رؤوس الناس ليلا ونهارا من ذوي العلم ومن غيرهم. ولا إنفاق في تلك الدول للثروات الطائلة على رحلات الحج وعلى رحلات العمرة كما يحدث في بعض البلاد. ولا وجود في تلك المجتمعات التي يتطلع إليها الناس لوكلاء إلاقراض من أجل الحج ومن أجل العمرة، وإنما يحج الناس ويعتمرون مرة حين يتيسر لهم ذلك، ولا يحجون كل عام ويؤدون العمرة كل عام، بينما يمكن لأموالهم الزائدة أن تساعد كثيرين وأن تسهم في دعم اقتصاد بلادهم. ولا يخل هذا التواجد الإعلامي المحصور للدين في تلك المجتمعات بالاحترام الواجب للأديان ولمن يدينون بها. والاحترام للجميع، ولتوجهات الجميع في حياته الخاصة التي لا إجبار لأحد فيها على ما لا يحب، ولا يظل فرضا أولا إلا احترام للنظام العام والعمل والإنتاج والابتكار والصدق والأمانة وتقبل الآخرين وحب الوطن وحمياته. والعمل في هذه المجتمعات هو عملك. والنجاح في هذه المجتمعات هو نجاحك. والفشل في هذه المجتمعات هو فشلك. والإهمال في هذه المجتمعات هو إهمالك وليس إهمال القوى الخفية وليس مسألة حظ. في هذه المجتمعات تسير الأمور بحساب وبمقدار، ويعمل الإنسان للغد حسابا، ولا يترك الغد لظروف الغد عاريا من الاستعداد ومن الترتيب اللازم الذي يحض عليه العقل والمنطق وكل دين قويم. ورغم ما قد يعتري تلك المجتمعات من مثالب وما قد تصيبه تلك المجتمعات من سلبيات ونواقص، إلا أنها تتقدم الى الأمام، ويتقدم فيها الإنسان، ويتقدم فيها الإيمان إلى قلوب كثيرة متزايدة يكسوها النور خضارا ويملأها التقدم يقينا بوحدانية الله وبفضله على خلقه أجمعين.
صورتان متناقضتان تماما تقريبا. ومع تقديرنا للجميع، يظل السؤال الهام قائما: لماذا لم يفلح التواجد الديني المكثف في شتى ربوع بعض المجتمعات والطاغي في بعض المجتمعات الأخرى بكافة وسائل الاتصال والإعلام في تربية الضمير اليقظ الحارس على الفرد وعلى العائلة وعلى الدولة ؟! ولماذا يظهر الضمير الديني والضمير الإنساني والضمير المهني في مجتمعات تؤمن بالأدوار المقننة لكل فرد ولكل شىء، وللأديان أيضا؟ لماذا ترى الضمائر واضحة في مجتمعات تضع القيود والمحاذير على محاولات التمدد والسيطرة الدينية في المجتمع، بينما تكاد الضمائر تختفي في مجتمعات يعلو صوت الدين فيها في كل ركن؟
إن للإنسان اختياره ولا شك في ذلك، فالعقل والاختيار هما ميزتا الإنسان على سائر خلق الله. ولابد للاختيار أن يكون عن وعي وإدراك تامين. فهل يسكت الإنسان ضميره أو يصيبه بإغماء لا إرادي، إذا ما أحس بفقدان الحق في الاختيار؟! وما هو الحل لتستيقظ الضمائر ويتراجع النفاق والأنانية والكذب، حتى ولو غابت الرقابة على الانسان ؟!
–