بقلم/ ماهر المهدي
(زمان التركية)- هذه هي المعضلة الحية في بعض البلاد التي تعاني كثيرا من المشاكل – رغم امكاناتها وثرواتها – وتئن تحت وطأة حاجاتها التي تفرضها الأيام بتواليها، وتستلزمها ظروف الحياة. ومن الغريب حقا أن تزداد وتيرة التواجد الديني وأن يعلو صوت الدين – من خلال البرامج التليفزيونية والإذاعية والجرائد والمجلات والندوات وغيرها من وسائل الانتشار والتواصل – بينما تزداد أيضا وتيرة الفساد والاستيلاء على المال العام، وتزداد ولا تتراجع وتيرة الواسطة ووتيرة المحسوبية،
بينما تتراكم القوانين واللوائح في أدراج المكاتب – أو ثلاجات المكاتب صدقا للقول – ولا تطبق إلا على من لا واسطة له ولا مصلحة خاصة في يده للقائمين على تنفيذ تلك القوانين واللوائح. وربما يظل الإنسان في هذه المجتمعات محبطا وأسيرا للحزن والقنوط لأنه قد يصدم كل يوم في عمله وفي حياته الخاصة، ولأنه قد يجد نفسه في حالات كثيرة من الازدواج بين مسيرة الصح ومسيرة الخطأ، وبين مسيرة الضمير ومسيرة المحسوبية، وبين ما هو معلن للجميع وما قد يمارسه كثيرون في غفلة من العلانية. وبينما يدرس الدين للناس في تلك المجتمعات الطيبة، يختنق فيها الحق ولا يكاد يتنفس إلا بصعوبة، والناس يمزقون الطرق جيئة وذهابا على دور العبادة. وإذا لم تكن فيها صاحب بطن – كما يقولون – فلابد لك أن تضرب على ظهرك، وأن ترى من هم دونك يتقدمونك. وفي هذه المجتمعات قد يعلق كل شىء بالدين، حتى لا يفرق المرء بين تقصيره وإهماله وبين التوفيق الإلهي، ويصبح الخطأ بلا صاحب ويصبح النجاح في حاجة الى تعويذة وحجاب من السادة السحرة والمشعوذين والعياذ بالله الذي لا يعلم الغيب إلا هو والذي لا إله إلا هو . فإعلانات السحرة والدجالين تملؤ الدنيا ضجيجا وبلا حياء، وبلا رادع في بلاد الدين الذي لا يؤمن بالدجل وينهى الناس عنه وعن السعي إليه . والمرء يقلب كفيه على ما يجد ويحوقل ويحسبن، والله المغيث المستعان .
إن البحث عن سبل التطور في المجتمعات، قد يستدعي البحث عن أسباب الإعاقة قبل كل شىء آخر، ثم معالجة تلك الإعاقة وأسبابها علاجا ناجعا -ولو خلال فترتة زمنية طويلة – لأن علاج الأساس ومنبت العزيمة هو بداية الطريق الصحيح إلى صون مقدرات الفرد ومقدرات الدولة والمجتمع، وهو الطريق الصحيح أيضا إلى تطور في كافة مناحي الحياة. وليس الهدف في الأول وفي الآخر أن يساء إلى أحد أو أن يلام أحد أو يسفه رأي أحد أبدا ، فالواجب على المرء أن يعمل مع الجميع حوله وهو موقن أن الجميع يبذل قصارى جهده عن إيمان وعن إخلاص وعن ثقة بأنه لا يحجب ما يفيد المجتمع ويعينه على تحقيق أهدافه الوطنية النبيلة والكبيرة .