القاهرة (زمان التركية)ــ أعدت الباحثة المصرية منى سليمان دراسة، ترصد وتجيب من خلالها عن سبب لجوء حكومة حزب العدالة والتنمية في تركيا، إلى أعمال “مافياوية” ينفذها جهاز الاستخبارات التركي، لإعادة المعارضين الأتراك للرئيس رجب أردوغان قسرًا إلى تركيا، وعدم اتباعها الأساليب القانونية لتسليمهم وترحيلهم إلى بلادهم.
وجاء في الدراسة المنشورة على موقع مجلة (نسمات) تحت عنوان “لماذا يلجأ “أردوغان” لاختطاف مؤيدي حركة “الخدمة” من خارج تركيا؟”:
منذ الانقلاب العسكري الفاشل بتركيا في 15 يوليو 2016 يشن الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” حربًا بلا هوادة ضد مؤسسات حركة الخدمة، ومؤسسها المفكر الإسلامي التركي “فتح الله كولن” ومؤيديها وموظفيها، ومعارضيه من الصحفيين والأكاديميين بل وحتى الفنانين؛ وذلك بذريعة التحريض علي الانقلاب الفاشل. ولا يمر يوم واحد دون إصدار العشرات من قرارات الاعتقال بحق المواطنين دون أى دليل إدانة قانوني سوى أنهم عملوا في مؤسسة تابعة لحركة الخدمة (مدرسة ابتدائية، مراكز التحضير للجامعة، بيوت الطلبة، مشفى، جامعة، جريدة، ….)، حتى تجاوز عدد المواطنين الذين تم اعتقالهم في ثلاثة أعوام نصف مليون مواطن.
وقد كشف وزير الداخلية التركي “سليمان صويلو” مؤخرًا أن الحملة الأمنية التي أطلقتها حكومة بلاده منذ انقلاب 15 يوليو 2016 أسفرت عن التحقيق مع ما مجموعه 559 ألفًا 64 شخصًا حتى نهاية نوفمبر 2019. وتم إلقاء القبض علي 261 ألفًا و700 شخص بتهمة التورط في محاولة الانقلاب، وصدرت بحق 91 ألفًا و287 منهم قرارات اعتقال.
وكانت المنظمة الحقوقية الأمريكية Advocates of Silenced Turkey قد كشفت في نوفمبر2019 عن حدوث حالات تعذيب للسجناء في المعتقلات والسجون التركية منذ محاولة الانقلاب في 2016، مما أسفر عن وفاة 93 سجينًا نتيجة التعذيب، كما تعرض 77 من المعتقلين بتهمة الانتماء لحركة “الخدمة” للتعذيب في مديرية أمن أنقرة في منتصف العام الحالي، وكذلك تم فصل 100 دبلوماسي من العمل بتهمة الانتماء لحركة الخدمة عام 2019، ثم تم اعتقالهم وتعرضوا للتعذيب في مديرية أمن أنقرة على يد عناصر من جهاز الاستخبارات.
الاختطاف.. ذراع أردوغان الطولى
بيد أن هناك آلية جديدة تعتمدها الحكومة التركية ولا يتم توثيقها وهي “الاختطاف”، فمنذ نهاية عام 2016 بدأ “أردوغان” إصدار أوامره بخطف أي موظف تركي يعمل في مؤسسات الخدمة خارج حدود البلاد، وبدأت أجهزة المخابرات التركية حصر هؤلاء الموظفين وتعقبهم بغية خطفهم وإعادتهم قسرًا لأنقرة ثم اعتقالهم وتعذيبهم ومحاسبتهم، ورغم عدم وجود حصر لأعداد المختطفين إلا أن هناك بعض الحالات التي تم تسليط الأضواء عليها، ومنها ..
-أعلنت مصادر في دولة مولدوفا في سبتمبر 2018 أن جهاز الاستخبارات التركي اختطف 6 معلمين أتراك يعملون في مدرسة أورينت الخاصة (أنقرة تعتبر المدرسة من مؤسسات الخدمة) في دولة مولدوفا، وتم تسليمهم إلى السلطات التركية بشكل غير قانوني. ثم تم إصدار مذكرات اعتقال بحقهم. مما تسبب في أزمة سياسية بدولة مولدوفا أسفرت عن إقالة رئيس إدارة الهجرة واللجوء عن منصبه ومنعه من مغادرة البلاد.
وجدير بالذكر أن المدرسين كانوا يقيمون في مولدوفا منذ فترة طويلة، وبعضهم كان يقيم هناك منذ 20 عاما، وانتقلوا إلى مولدوفا بطرق قانونية ووجدوا عملا هناك، وهو ما يجعل الترحيل غير قانوني.
وقد أحدث هذا الاختطاف ردود فعل غاضبة، حيث انتقدت منظمة العفو الدولية عام 2018 عن قلقها العميق إزاء الخطر الوشيك على حياة وأمن الأتراك المختطفين من مولدوفا. وكذلك في نوفمبر 2018 أعرب البرلمان الأوروبي عن قلقه حيال الإجراءات والسياسات التي تتبعها الحكومة التركية تجاه معارضيها في الخارج، موجها انتقادات لدولة مولدوفا لتعاونها مع تركيا في هذا الشأن. كما أكدت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في أغسطس 2019 انتهاك حقوق المدرسين الأتراك الذين تم اعتقالهم من مولدوفا.
-كشف المواطن التركي “مسعود كاتشمار” في نهاية نوفمبر 2019 أن جهاز المخابرات التركي خطفه من باكستان وأعاده إلى تركيا قسرًا في أكتوبر 2017، حيث كان يعمل مدرسًا في احدى مدارس الخدمة بمدينة لاهور بباكستان، وكتب علي موقع التواصل الاجتماعي الإلكتروني (تويتر) أنه فوجىء في أحد الأيام بعدد من الأشخاص قدموا أنفسهم على أنهم عناصر من الشرطة اعتقلوه مع عائلته من منزله ثم نقلوا العائلة بالكامل إلى تركيا بطريقة غير قانونية. ثم قامت عناصر المخابرات والأمن التركية باستجوابه داخل السجن لفترة من الوقت.
وفي يونيو 2018 وجهت مجموعة العمل الخاصة بالاعتقالات العشوائية التابعة للأمم المتحدة دعوة لأنقرة بالإفراج الفوري غير المشروط عن المدرس “مسعود كاتشماز” وأفراد عائلته المختطفين من محل إقامتهم في باكستان. كما أكدت مجموعة العمل الأممية أن الحكومتين التركية والباكستانية تتحملان مسؤولية مشتركة عن عمليات الاعتقال والاحتجاز والترحيل التي تعرضت لها عائلة كاتشماز دون أي سند قانوني، مشددة على أنهما انتهكتا معاهدة حقوق الإنسان والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
-في يوليو 2018 اختطفت المخابرات التركية من منغوليا “فيسيل أكاير” -مدرس أيضا- بأحد مدراس الخدمة، وتم تسليمه بناء على طلب من الحكومة التركية، لكن حالفه الحظ وتم إطلاق سراحه فيما بعد.
-في ديسمبر 2018 قررت السلطات الفنزويلية نقل مدرستين تابعتين لحركة الخدمة في كاراكاس إلى وقف المعارف التركي الحكومي لتصبح تابعة للدولة التركية، كما ترددت أنباء آنذاك عن اختطاف عدد من المواطنين الأتراك من فنزويلا وإعادتهم قسرا لتركيا وذلك بعد زيارة “أردوغان” لفنزويلا.
-في نهاية عام 2018 اختطفت المخابرات التركية من جورجيا “مصطفى جابوك”، وهو مدرس في المرحلة الثانوية بإحدى مدارس الخدمة، وتم تسليمه إلى تركيا. وبالطبع هو الآن معتقل وربما يتعرض للتعذيب.
ورغم غياب التقارير الموثقة الخاصة بعمليات الاختطاف[1]؛ لأنها تحاط بالسرية حول عدد المواطنيين الأتراك المختطفين منذ يوليو 2016، إلا أن بعض التقارير الأمنية الدولية ترجح أن المخابرات التركية تمكنت من اختطاف أكثر من 100 شخص من الرعايا الأتراك العاملين بمؤسسات الخدمة في (كوسوفو ، قطر ، أذربيجان ، جورجيا، منغوليا، مولدوفا، ماليزيا ،الجابون، ميانمار، باكستان، فنزويلا). وذلك من خلال التعاون بين المخابرات التركية ومخابرات هذه الدول التي تربط بينها وبين أنقرة علاقات سياسية وأمنية وثيقة. وهناك دول رفضت الانصياع للمطالب التركية في اختطاف المواطنين ومنها نيجيريا ومقدونيا مما دفع أنقرة لانتقاد تلك الموقف.
وبالعودة للسؤال الرئيسي لماذا يلجأ “أردوغان” للاختطاف؟ أليس بإمكان الحكومة التركية تقديم أدلة قانونية تدين هؤلاء المواطنين للدول المضيفة لهم، ليتم ترحيلهم بطرق شرعية عبر الإنتربول (البوليس الدولي) كما هو متبع في الأعراف والقوانين بين مختلف دول العالم. بيد أن أنقرة لم تفعل ذلك ولجأت للاختطاف، لأنها لا تملك أي أدلة إدانة بحقهم وكذلك لا تملك أي أدلة إدانة بحق أكثر من نصف مليون مواطن تركي معتقل بذريعة الارتباط بحركة “الخدمة”، ومن المرجح أن تستمر حكومة “أردوغان” بهذه الانتهاكات للقانون الدولي حتى يتم استبدالها أو فرض عقوبات دولية عليها.
ــــــــــ