تقرير: محمد عبيد الله
أنقرة (زمان التركية) – اعتبر كمال كليجدار أوغلو، رئيس حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة في تركيا، أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ذا العلاقات المثيرة مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان، هو من يحدد سياسة تركيا الخارجية.
انتقد زعيم الحزب الجمهوري تدخلات حكومة حزب العدالة والتنمية في كل من سوريا وليبيا، وقال في مؤتمر صحفي عقده في مقر حزبه بالعاصمة أنقرة: “لقد نصحنا الحكومة بأن تصبح صانع سلام في ليبيا، لأن لدينا صلة تاريخية مع شعبها، لكن الحكومة قالت إنها تتعامل فقط مع الحكومة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة. لكن لما دعا بوتين أردوغان إلى طاولة المفاوضات هرع إلى الجلوس مع الجنرال خليفة حفتر”، على الرغم من أنه سبق أن وصفه بـ”الإرهابي” و”الانقلابي”.
وأعاد كليجدار أوغلو للأذهان أنهم اقترحوا في وقت سابق عقد مؤتمر إقليمي لإقامة السلام في سوريا التي تشهد حربًا أهلية منذ سنوات، ثم استدرك قائلاً: “لكنهم (حكومة أردوغان) رفضوا ذلك. غير أننا رأيناهم في وقت لاحق قد عقدوا اجتماعات أستانا حول سوريا بناءً على طلب من بوتين!”
وفي السياق ذاته، قالت الباحثة الأكاديمية المصرية المتخصصة في الشؤون والعلاقات الدولية منى سليمان إن الرئيسين الروسي فلاديمر بوتين والتركي رجب طيب أردوغان يعتزمان استمرار التنسيق والتعاون بينهما في الملف الليبي وتطبيق السيناريو السوري عليه أيضا.
جاء ذلك في مقال كتبته الباحثة منى سليمان ونشره موقع “زمان التركية” اليوم الاثنين في أعقاب انتهاء قمة برلين حول الأزمة الليبية دون التوصل إلى تسوية ملموسة المعالم، مع التأكيد على ضرورة التفاوض السياسي بين طرفي الصراع قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر وحكومة فايز السراج في العاصمة طرابلس.
وزعمت الباحثة أن التعاون الروسي التركي في الملف الليبي بعد الملف السوري يعزز التعاون الاستراتيجي بينهما الآخذ في التطور والنمو ويثير القلق الأمريكي وعديدًا من دول الجوار الليبي.
وقد حاولت الباحثة الحصول على أجوبة على مجموعة من الأسئلة التي طرحتها هي خلال مقالها، منها: “هل سينسق بوتين وأردوغان في الملف الليبي كما حدث بالملف السوري؟ وهل سينجحان في إقناع الأطراف الليبية المتصارعة بوقف إطلاق النار، كما حدث بالملف السوري خلال السنوات الثلاث الماضية؟ وهل ستقبل دول الجوار الليبي وشرق المتوسط والاتحاد الأوروبي أن تنفرد موسكو وأنقرة بصوغ الحل النهائي للأزمة التي تمثل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي لهذه الدول؟”
واعتبرت الباحثة سليمان أن تدشين خط الغاز / السيل التركي، القادر على نقل 31.5 مليارات متر مكعب من الغاز الروسي سنوياً لدول جنوب أوروبا، ربط أمن الطاقة للدول الأوروبية بموسكو وأنقرة، حيث حقق أردوغان حلمه بمرور الغاز الروسي للدول الأوروبية عبر الأراضالتركية، مشددةً على أن بوتين وأردوغان قد عززا تعاونهم الإستراتيجي في ملف جديد يربط مصالحهما ببعض.
وفي محاولة لتصوير المشهد الراهن بين القوى المتصارعة في ليبيا، وعقد مقارنة بينه وبين ما كان في سوريا، قالت الباحثة منى سليمان: “هنا نجد تقاطعات عدة بين الدور التركي الروسي في ليبيا مع نظيره السوري، فثمة طرفان متصارعان يتلقيان دعمًا خارجيًّا، وأحدهما يحقق تقدمًا ميدانيًّا كبيرًا، فضلا عن الأزمات الإنسانية المتفاقمة. ولذا اعتقد بوتين – أردوغان أنه في مقدورهما تكرار التعاون الاستراتيجي بينهما لوقف إطلاق النار بليبيا، ثم البدء في مسار سياسي يشرفان عليه كمسار الآستانة بسوريا”.
الباحثة منى سليمان عزت الاهتمام الروسي المتصاعد بالملف الليبي إلى أن موسكو تعتبر الوريث الشرعي للاتحاد السوفيتي، وكانت حليفًا لليبيا ومصدر تسليحها الأول على مدى عقود، كما أنها تسعى اليوم لتعزيز موقعها كقطب دولي قوي يستعيد أماكن تمركزه في عدة أقاليم كالشرق الأوسط، لافتة إلى أن الانخراط الروسي في الملف الليبي يعزز نفوذ موسكو الإقليمي والدولي؛ في حين أنها أرجعت سبب اهتمام أردوغان بالملف الليبي إلى رغبته في تعزيز نفوذه مع جماعات الإسلام السياسي في شمال أفريقيا، لاسيما بعد فوز حركة “النهضة” التابعة لجماعة الإخوان المسلمين في تونسا.
واختتمت الباحثة المصرية منى سليمان مقالها قائلة: “مما سبق، نجد أن أردوغان- بوتين يعتزمان استمرار التنسيق والتعاون بينهما في الملف الليبي وتطبيق السيناريو السوري عليه، ورغم أن البيان الختامي لمؤتمر “برلين” أكد على ضرورة وقف أي تدخلات خارجية لدعم طرفي الصراع لأن الملف الليبي أصبح مصدر تهديد للأمن والسلم الدوليين، إلا أن أردوغان لن يوقف دعمه للميليشيات المسلحة قبل تحقيق هدفه الرئيسي وهو نقل المسلحين من إدلب لطرابلس، والمشاركة بالتنقيب عن الغاز بشرق المتوسط، وطرح تركيا كطرف في حل التسوية النهائية للملف الليبي، مما يمثل تحديا للمجتمع الدولي الذي يعجز عن ردع الطموحات الأردوغانية المخالفة للقانون والأعراف الدولية”، على حد تعبيرها.
يذكر أن اجتماع برلين حول الأزمة الليبية أمس الأحد انفضّ دون توصل زعماء العالم والمنطقة إلى خارطة طريق واضحة المعالم الكفيلة بإنهاء الحرب الأهلية في ليبيا، إن استثنينا الاتفاق على جلوس 5 مسؤولين من طرفي الصراع في ليبيا على مائدة التفاوض، تحت تنسيق منظمة الأمم المتحدة، في مدينة جنيف السويسرية.
في إطار تعليقه على مغادرة الرئيس أردوغان اجتماع برلين مبكرًا، أرجع المحلل السياسي التركي كريم هاص الحاصل على دكتوراه في العلوم السياسية من جامعة موسكو الحكومية السبب إلى استيائه من المواد التي تقرر في الاجتماع ونصّت على حل المليشيا المسلحة في ليبيا والإقلاع عن تسليحها، وضرورة الاتباع الكامل لحظر السلاح المفروض على ليبيا، بالإضافة إلى نقل الجنود المرتزقة، وذلك عبر تغيردة نشرها على حسابه الشخصي في تويتر.
تهديد أوروبا
وكان أردوغان حذر –أو بعبارة أصح- هدد أوروبا قبيل انعقاد المؤتمر بـ 24 ساعة من أنها قد تواجه تهديدات جديدة من المنظمات الإرهابية إذا سقطت الحكومة ال ليبية المعترف بها من قبل الأمم المتحدة في طرابلس.
ففي مقال نشره أردوغان بمجلة politico عشية “مؤتمر السلام في ليبيا”، قال أردوغان: إن فشل الاتحاد الأوروبي في دعم حكومة الوفاق الوطني بشكل كافٍ سيكون “خيانة لقيمها الأساسية، بما في ذلك الديمقراطية وحقوق الإنسان”.
وقال أردوغان في مقاله: “ستواجه أوروبا مجموعة جديدة من المشاكل والتهديدات إذا سقطت الحكومة الليبية الشرعية.. سوف تجد المنظمات الإرهابية مثل داعش والقاعدة، التي تعرضت لهزيمة عسكرية في سوريا والعراق، أرضًا خصبة في ليبيا للعودة”، على حد تعبيره.
وكانت تركيا وروسيا أطلقت مبادرة مشتركة في الأسبوع المنصرم من أجل التوصل إلى اتفاقية لوقف إطلاق النار بين طرفي الصراع في ليبيا، لكن حفتر ترك المحادثات وغادر موسكو متوجهًا إلى ليبيا، بسبب اعتراضه على تركيا كراعية للمفاوضات السياسية التي كان من المفترض أن تجرى مع حكومة فايز السراج.
خطوة حتفر أثارت غضب أردوغان ودفعته إلى العودة لتهديداته المعهودة، حيث اتهمه بالفرار من طاولة مفاوضات السلام، وهدده بأنه سيلقنه درسًا قاسيًا إذا عاد إلى بلاده واستأنف القتال مجددًا ضد قوات حكومة السراج، وأضاف: “ترك ليبيا تحت رحمة أحد أمراء الحرب سيكون خطأ تاريخيًّا”، على حد قوله.
كل المؤشرات تدل على أن نتائج قمة برلين لم ترضِ بل أزعجت الرئيس أردوغان، الأمر الذي يثير تساؤلات حول الموقف الذي سيتخذه في الفترة المقبلة. فهل سيعود إلى عادته السابقة أو سيرته السابقة ليهدد دول الاتحاد الأوروبي على وجه الخصوص بتصدير الإرهاب وفتح البوابات الحدودية أمام اللاجئين ليتدفقوا إلى القارة العجوز مثلما فعل في الأزمة السورية.
فهل ستستمر دول العالم على موقفها الهزيل أمام تهديدات أردوغان هذه أم أنها ستتخذ هذه المرة مواقف حاسمة نظرًا لضخامة مصالحها في ليبيا المتمثلة في الغاز والنفط!