ماهر المهدي
(زمان التركية)- كنت وأنا صبي لم يبلغ الثامنة عشرة بعد أعتقد أن الإنسان يصبح عجوزا هرما لا يقدر على شىء مما كلف به في الحياة، إذا بلغ الخامسة والثلاثين من العمر. وقد كان تصورا مضحكا بالطبع، ولكنه لا يعكس إلا تفكير ابن الثامنة عشرة من العمر، بما يشوبه من خيالات أو تحكمه التصورات، أكثر مما يحكمه العقل والتجربة والحكمة.
وفي الحياة مدارس كثيرة من اعتقادات الناس – بحسب نشأتهم وخلفياتهم العلمية وتجاربهم الحياتية وقناعاتهم التي طوروها عبر سنوات أعمارهم وعقودها.
فهناك من انتهى عمره في العشرينات، وهم جماعات من النساء والرجال الذين يظنون ظن السوء أن الحياة بلا معنى ولا هدف، ولا يرون لدنياهم معنى ولا قيمة، ويتخذون من أمثالهم من المحبطين السوداويين قدوة ومثالا.
فلا قيمة لعائلة، ولا معنى لبيت الأسرة، ولا وفاء لعلم ولا لمعرفة وانتماء إليهما ولا عرفان، ولا غرض في عمل أو وظيفة عند هؤلاء الانتحاريين إذا جاز الوصف. وكبرى أماني هؤلاء أن يرحلوا عن الدنيا في منتصف العشرينات من عمرهم.
هناك من يجنحون إلى التقاعد وإلى الدعة وهم في الأربعينات من أعمارهم، معتقدين أنهم أدوا رسالاتهم في الحياة كاملة غير منقوصة، وأنهم أصبحوا مستحقين مكافأة الراحة اللانهائية في الحياة.
ربما لأن بعضا من هؤلاء قد أنجبوا من الأولاد الكثير ولما يصلوا العشرين من العمر، وصار أولادهم أكثر منهم طولا وأثقل منهم وزنا وهم بعد في الأربعين من العمر.
البعض يظن أن بلوغ الخمسين هو نهاية المطاف ومبلغ العجز، وأنه بذلك أصبح عجوزا هالكا متهالكا يؤلمه الذهاب وتوجعه العودة ، ويطمح إلى أن يتولاه الغير بالرعاية في مأكله ومشربه حله وترحاله، وخاصة إذا كان ممن أنجبوا أولادا وبنات صاروا رجالا ونساء وهو لما يزال في الخمسين.
والبعض يظن أن الستينات هى أول محطات الجمود والوفاة والنهاية الأكيدة، ويتصرفون على هذا الأساس، فيتركون زمام كل أمر من أمور حياتهم يفلت بلا رابط، وهم يشاهدون صورهم تعكس تدهورا سريعا وتشى بإهمال جسيم وتصرخ في أعينهم بحاجة أنفسهم إلى الاستيقاظ من حالة الاستسلام والسقوط وإلى مواصلة الحياة والاستجابة لها ولمتطلباتها اليومية، من أجل صورة أجمل وحياة أصح.
هناك أيضا من يعتقدون أنهم صغار وشباب مهما كبروا ومهما تقدم بهم العمر، وإن طرقت أبواب صحتهم العلة والمرض على اختلافه وتعدد صوره. فيظل هؤلاء على تمسك بما ليس لهم من عمل ومن مسؤوليات وما يعجزون حقيقة عن القيام به على صحيح وجهه، ولا يقبلون رأيا غير موات لما يحبون، ولا يرجعون حتى يصابوا بما لا طاقة لهم به أو تسقط فوق رؤوسهم القلاع والسنون وحسرات الضرر والأنين.
والحقيقة فيما أرى، أن الإنسان لا يكبر أبدا ما دام حيا بنعمة من الله وفضل منه، فيكون له وعليه أن يلبي نداء الحياة وأن يحيا على أفضل مما يقدر عليه، وأن يقوم بالعمل، وكل عمل مما يطيق ويصبر عليه ولا يعرضه أو يعرض أحدا غيره لخطر أو أزمة أو سوء.