برلين (زمان التركية)ــ طالب الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، اليوم الأحد، خلال مشاركته في قمة برلين من أجل السلام في ليبيا، بوقف جميع التدخلات العسكرية الخارجية في ليبيا من أجل إنجاح “التسوية السياسية” المنشودة، كما طالب بوقف نشاط المليشيات المسلحة، وتثبيت وقف إطلاق النار المعلن، داعيًا القيادات الليبية الحاضرة إلى “حقن الدماء وتجنيب البلاد شرور الفوضى والتفتت”.
وجاء نص كلمة الأمين العام لجامعة الدول العربية في قمة برلين، كما يلي:
نحن جميعاً نقف أمام منعطف خطير في الوضع الليبي بسبب التطورات المتلاحقة التي أصابت هذا البلد العربي المهم … والتي أحدثت شرخاً كبيراً في نسيجه الاجتماعي ولحمته الوطنية … وأضرت بالجهد الذي بذلته البعثة الأممية لاستئناف المسار السياسي بين الأشقاء الليبيين … وزادت من معاناة الشعب الليبي منذ اندلاع المعارك العسكرية حول العاصمة طرابلس … وفاقمت حالة الانقسام بين مؤسسات الدولة وعقدت من جهود إعادة توحيدها.
إننا نلتقي هنا لإعادة التأكيد على جملة من الثوابت والالتزامات التي تقع على الأطراف الخارجية المعنية بالشأن الليبي … وأيضاً على الأطراف الليبية التي تتحمل المسئولية الأكبر في التوصل إلى تسوية وطنية خالصة لإخراج البلاد من هذا المأزق الخطير؛ وإذ تجدد الجامعة العربية حرصها على دعم عملية برلين ومخرجاتها … والتزامها بمرافقة الأشقاء في ليبيا في أي جهد يفضي إلى حلحلة الأزمة … فإنني أود أن أعرض بإيجاز لعدد من النقاط الأساسية:
أولاً:
لا يمكن لأحد أن يدعو إلى التوصل إلى تسوية سياسية شاملة ووطنية خالصة للوضع الليبي في الوقت الذي تستمر فيه التدخلات العسكرية الخارجية … المفضوحة والمكشوفة … في الأراضي الليبية … والتي جعلت من ليبيا ساحة أخرى للمنافسات والتجاذبات الخارجية في الشئون الداخلية لواحدة من دولنا العربية؛ ومن ثم فإن الأمر يستلزم احتراماً صادقاً من الجميع بما سنقره في البيان الختامي الذي سيصدر عن قمتنا اليوم … والتزاماً كاملاً بكافة قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بحظر السلاح وسيادة وسلامة الدولة الليبية.
ثانياً:
يمثل التوقف عن هذه التدخلات الخارجية والتصرفات غير المشروعة شرطاً أساسياً لإفساح المجال أمام الأطراف الليبية لخفض كل مظاهر التصعيد في الميدان … والالتزام بوقف إطلاق النار المعلن منذ يوم 12 يناير … والانخراط بحسن نية في الجهود التي ستبذل للتوصل إلى ترتيبات دائمة وذات مصداقية لإيقاف العمليات القتالية؛ ويهمني أن أؤكد هنا على أن الجامعة العربية ستبقى داعمة، بالكامل، للجهد الذي يقوم به المبعوث الأممي غسان سلامة لرعاية مثل هذه الترتيبات والتفاهمات بين حكومة الوفاق والجيش الوطني الليبي … والتي يجب أن يتم تنفيذها تحت إشراف الأمم المتحدة ومرجعية بعثتها للدعم في ليبيا.
ثالثاً:
لا يمكن لأي وقف لإطلاق النار أن ينجح ويبقى نافذاً … بغض النظر عن ترتيباته ومهما كانت آليات مراقبته … دون أن يتم التوصل إلى معالجة مبكرة وموازية وجذرية لمشكلة الميليشيات المسلحة والتنظيمات المتطرفة التي تعمل كلها خارج سلطة الدولة … إذ أن وجودها سيظل يمثل تهديداً لديمومة مسار وقف إطلاق النار … وللعملية السياسية التي يجب أن تكون مكملة وحاضنة له؛ كما نجدد رفضنا لكل مظاهر استقدام العناصر الإرهابية من الخارج … والاستعانة بالمرتزقة الأجانب … والتي لم تؤد سوى إلى إذكاء الصراع وتعقيد المشهد العسكري والأمني على الأرض.
رابعاً:
تظل الجامعة العربية ملتزمة بمرافقة جميع أهل ليبيا في التوافق على وتنفيذ مختلف الاستحقاقات السياسية والدستورية والقانونية والاقتصادية التي ستكون مطلوبة … عبر توحيد مؤسسات الدولة المنقسمة … ووضع خارطة طريق متكاملة لاستكمال المرحلة الانتقالية … والاتفاق على القاعدة المنضبطة اللازمة لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي يتطلع إليها الشعب الليبي؛ وأود هنا أن أجدد دعمنا لجهد السيد غسان سلامة في تشكيل وعقد منتدى الحوار السياسي الليبي، وإنشاء لجنة الخبراء الاقتصاديين الليبيين، وإطلاق الحوار الاقتصادي الليبي … وهي جهود نثق في أنها ستلقى أيضاً مساندة كاملة من كافة الدول والمنظمات المشاركة في عملية برلين.
خامساً:
إننا جميعاً نعي قدر التحديات التي ستواجه مسار تثبيت وقف إطلاق النار وإطلاق واستكمال أي عملية سياسية في ليبيا … ونعلم أن هذه الجهود ستواجه بمعارضة شديدة سواء من أطراف مخربة داخل ليبيا أو من قوى معرقلة من خارجها … وهو الأمر الذي سيتطلب حسماً وحزماً من المجتمع الدولي، وعلى الأخص من مجلس الأمن، لمواجهته والتصدي له … وبما يحول دون نسف أي تقدم يمكن أن يتحقق على أي من مسارات التسوية … والتي يجب أن تبقى بمثابة حزمة واحدة ومتكاملة دون أية تجزئة.
سادساً:
لقد اتفقنا منذ البداية على أن وجودنا في برلين يأتي في سياق مسيرة مستمرة لمرافقة الأشقاء الليبيين إلى أن يخرجوا من هذه الأزمة … وليس لمجرد الالتئام على مستوى القمة لينفض عملنا بعد انعقادها؛ ومن ثم فإننا نؤكد على أهمية آليات المتابعة التي سنتوافق عليها … عبر استحداث لجنة المتابعة الدولية التي ستجتمع لهذا الغرض على مستوى كبار المسئولين والخبراء … والتي ستجد كامل الدعم من الجامعة العربية … بل واستعداداً منا لاستضافة أي من اجتماعاتها في المراحل الأولى من عملها.
وأخيراً، فإنني أتوجه إلى القيادات الليبية الحاضرة هنا في برلين بمناشدة صادقة بحقن الدماء وتجنيب البلاد شرور الفوضى والتفتت … فلا مصلحة تعلو على مصلحة الوطن … وضياع الوطن لا يعوضه أي مكسب سياسي أو منفعة اقتصادية … إن الرأي العام العربي يرغب في رؤية ليبيا الموحدة ذات السيادة الكاملة على أراضيها … وبمؤسسات وطنية تعمل لصالح شعبها … ولدي يقين بأن الرئيس السراج والمشير حفتر يدركان جسامة اللحظة التاريخية التي يواجهانها … ويعيان تماماً المسئولية الملقاة على عاتقيهما لاعادة ليبيا إلى المسار الذي يأمله الشعب الليبي.
=