بقلم : ياوز أجار
إسطنبول (زمان التركية) – صعوبة واضحة يواجهها المراقبون في تفسير “الهدف” الرئيس الذي يسعى رجب طيب أردوغان إلى تحقيقه من وراء التدخل العسكري في ليبيا، خاصة بعدما شاهد الجميع أن عكس ما أعلنه هو الذي تحقق في سوريا.
بالتزامن مع انتهاء حكايات النهضة الاقتصادية بعد عام 2013 حيث ظهرت فضائح الفساد والرشوة إلى السطح، احتاج أردوغان إلى حكايات جديدة لإطالة عمره في السلطة، وقرر في نفسه الانتقال من مرحلة “الزعيم السياسي الناجح” إلى “القائد العسكري المنتصر”.
لقد وصلت حكومة حزب العدالة والتنمية فعليًا إلى نهاية عمرها الافتراضي في 2015 على أيدي الأكراد الذين حرموا أردوغان من الحكومة المنفردة وأجبروه على التحالف مع الأحزاب الأخرى، لكنه أعادها إلى حزبه بحيلة “مكافحة الإرهاب”، معلنًا الحرب على أكراد تركيا من أجل استقطاب حزب الحركة القومية ليشكّل أحد ركائز النظام الحالي في تركيا، إلى جانب الدولة العميقة التقليدية التي يشكل حزب الوطن بقيادة دوغو برينجك “الجزء الطافح” من جبل الجليد هذا.
أردوغان كان بحاجة إلى وسيلة غير اعتيادية من أجل الاستمرار على حكومته بعدما لم تعد تجدي الوسائل العادية التقليدية، فوجدها في تدبير انقلاب محكوم عليه بالفشل مع حلفائه “الإسلاميين المتطرفين” و”عناصر الدولة العميقة” المحترفة في الحرب النفسية والحرب غير النظامية.
حقق أردوغان من خلال مؤامرة الانقلاب في 2016 انتصارًا عسكريًا داخليًّا، واستطاع شحن أنصاره لبرهة من الزمن، لكن لما بدأ يتراجع التأثير الذي خلفه انتصاره المزعوم ضد العسكر احتاج مرة أخرى إلى صناعة انتصارات جديدة ليتواصل نظامه في الداخل، فشن ثلاث عمليات عسكرية في سوريا، حقق بفضل كل منها هدفًا داخليًّا.
بفضل موجة القومية التي أثارتها العمليتان الأوليان من تلك العمليات الثلاث، وهي “درع الفرات”، و”غصن الزيتون”، ونبع السلام”، سنّ أردوغان أولا النظام الرئاسي في تركيا عام 2017، ثم نجح في الانتخابات الرئاسية عام 2018 ليصبح بالفعل “الرئيس” في ظل النظام الرئاسي.
وبعدما خسر بلدية إسطنبول لأسباب داخلية وخارجية، واجه أردوغان بالفعل خطر انهيار نظامه في الداخل، فاحتاج إلى العملية الثالثة وهي عملية “نبع السلام”، آخر عملياته على الأراضي السورية، لكن هذه العملية لم تخلق الطاقة اللازمة لمنع الانشقاقات الداخلية في حزبه، وذلك لأن الانتصارات التي زعم أنه حققها في سوريا، والتي ملأت أشرعته بالرياح “القومية”، تبين أنها وهمية خيالية صرفة بعدما استعادت قوات النظام السوري كل الأراضي من المعارضة السورية بدعم روسيا.
وهذا يعني أن حكايات الانتصارات العسكرية الوهمية هي الأخرى انتهت في سوريا، ليضطر أردوغان هذه المرة إلى خوض مغامرة جديدة على الأراضي الليبية، بحثًا عن انتصارات جديدة لإطالة عمر نظامه المنقول إلى العناية المركزة، غير أنه كان أفضل من يعرف أنه من الصعوبة بمكان أن يقنع الشارع التركي بضرورة التدخل في الصراع الليبي، مما يرجح أنه يبتغي هدفًا داخليًّا تحت عباءة حماية المصالح الاقتصادية القومية.
وقد ساق عديد من المحللين آراءً مختلفة حول الهدف الداخلي لأردوغان الذي بات في وضع محرج للغاية بعد انشقاق أقرب رجاله إليه وبعد انقطاع “الخرطوم الاقتصادي” الذي كان يموّله به عملياته الداخلية والخارجية من خلال مصادر البلديات الكبرى، مثل إسطنبول وأنقرة، لكن لفت انتباهي ما قاله اثنان من الكتاب المرموقين الضليعين فيما يدور في تركيا، وهما رئيس تحرير موقع “خبردار” الإخباري التركي سعيد صفا والكاتب والباحث أحمد نسين، حيث نوّها باستعداد أردوغان لتنفيذ انقلاب حقيقي من أجل بناء “دولة الشريعة” في تركيا، بعدما بات ذلك الخيار الوحيد لضمان بقاء نظامه.
ومن المثير أن أحمد نسين المعروف بتوجهاته اليسارية الليبرالية أكد أنه لا يجد أي مبرر منطقي لإرسال أردوغان قوات عسكرية إلى الأراضي الليبية سوى أنه يريد نقل الضباط العلمانيين الذين استخدمهم في تنفيذ الانقلاب المصمم على الفشل من أعضاء تنظيم أرجنكون إلى الأراضي الليبية وتوجيه اهتمام الشارع التركي إلى هناك، وذلك تميهدًا لإجراء انقلاب حقيقي يغير به شكل النظام من ألفه إلى يائه.
وهذا هو ما أيده أيضا الكاتب سعيد صفا الذي يتمتع بعلاقات وطيدة مع جهات مقربة من حكومة حزب العدالة والتنمية وكل الحركات الإسلامية في تركيا، حيث نشر عدة تغريدات استنادًا إلى “مصدره الخاص” الذي وصفه بأنه موظف يتبوأ “مكانة خطيرة” في الجهاز البيروراطي حاليًّا، مؤكدًا أن كل المعلومات التي زودّه بها مصدره هذا إلى اليوم كانت جميعها متوافقة مع ما حدث في وقت لاحق تمامًا.
قال صفا في تغريداته على موقع تويتر: “إنهم (أردوغان ودائرته الضيقة) أدركوا بصورة لا تدع مجالا للشك أنهم لن يفوزوا بالانتخابات مرة أخرى، بعدما رأوا المنشقين من حزبهم واستياء أنصارهم من الأوضاع الراهنة في البلاد. فماذا سيكون لو استيقظنا في الأيام القادمة على وقع إعلانهم عن ثورة إسلامية لتأسيس دولة إسلامية تطبق الشريعة على غرار الثورة الإسلامية الإيرانية (من أجل الحفاظ على نظامهم والهروب من المحاكمة)”.
ثم تطرق صفا إلى ما سمي “ورشة عمل لتطبيق الشريعة” التي نظمها في يومي 19-20 ديسمبر المنصرم مركز الدراسات الاستراتيجية المدافعة عن العدالة (ASSAM) بقيادة العميد المستقيل من الجيش عدنان تانري فاردي، والذي كان قد بدأت شهرته في الشارع التركي تزداد بعد تعيينه رئيسًا لشركة “سدات” للخدمات الأمنية، ومستشارا أمنيا لأردوغان قبل استقالته من هذا المنصب الأسبوع الماضي، وذلك بمشاركة أسماء وازنة من الجماعات الإسلامية المتطرفة في تركيا، إلى جانب مسؤولين رسميين، وعلى رأسهم رئيس مؤسسة الشؤون الدينية.
وكان المؤتمر الذي عقده المركز العام الماضي وركز على ضرورة تشكيل برلمانات في جميع الدول الإسلامية، وكذلك استحداث وزارة شؤون الاتحاد الإسلامي وإعلان الكونفدرالية الإسلامية وإعداد مسودة نموذج دستوري لمشروع كونفدرالية الدول الإسلامية بتصديق مجلس إدارة هذا المركز وممثلين عن 109 مؤسسة مجتمع مدني، 70 منها من تركيا، والباقي من 29 دولة مختلفة.
وقد تقدم البرلماني من صفوف حزب الشعب الجمهوري علي شكر باستجواب أمام البرلمان حول ما دار في هذا المؤتمر، على أن يجيب عليه نائب الرئيس أردوغان فؤاد أوكتاي، مؤكدًا مخالفة كل النتائج التي توصل إليها المشاركون في المؤتمر لأسس الدولة التركية الواردة في الدستور.
وعوْدًا إلى تغريدات الكاتب سعيد صفا، فإنه قال في تغريدته الأخرى: “إنهم (أردوغان ودائرته الضيقة) يناقشون خلف الأبواب المغلقة تلك الاحتمالات التي قد تحدث في حال إعلانهم عن تأسيس دولة الشريعة في تركيا:
1) الثورة الشعبية؛
2) الانقلاب العسكري؛
3) التدخل الدولي؛
4) وهل لديهم قوة كافية للتغلب على هذه الاحتمالات أم لا.
كل البوادر تشير إلى أن تركيا على صفيح ساخن بكل معنى الكلمة، بسبب شخصية فاسدة ماليّا وأخلاقيًّا حرقت كل أوراقها ولم يبق أمامه أي مخرج سوى توظيف أقدس الأشياء لبناء دولة إسلامية على العقلية الداعشية أو الإيرانية.
DİKKAT!
Seçimle bir daha kazanamayacaklarını, partinin bölündüğünü, tabanın memnuniyetsizliğini tam anlamıyla kavramış durumdalar.
Bir sabah uyandığımızda “İran gibi devrim gerçekleştirdik, yönetim olarak İslam devleti olmayı ve şer’i esasları uygulayacağız” derlerse ne olacak?
— Said Sefa (@sefa_said) January 10, 2020