بقلم: ياوز أجار
إسطنبول (زمان التركية) – تساءل الكاتب الصحفي التركي بولند كوروجو عمّا إذا باتت العاصمة التركية أنقرة سادس العواصم التي تسيطر عليها إيران بشكل غير معلن، بعد بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، فضلا عن طهران؛ وذلك بعدما اتضح كيف لعب الجنرال الإيراني المقتول قاسم سليماني دورًا كبيرًا في “الانقلاب الفاشل”عام 2016، بحسب تصريحات شخصية تركية معروفة بعلاقاتها الوطيدة مع المخابرات الإيرانية.
جاء ذلك في إطار تعليق الكاتب بولند كوروجو على التصريحات التي أدلى بها رئيس تحرير قناة “القدس” التركية الموالية لإيران نور الدين شيرين في 7 يناير/ كانون الثاني الجاري في برنامج على “قناة 5” المقربة من حزب السعادة “الإسلامي” والتي قال فيها: “قاسم سليماني يأتي على رأس من قدموا الدعم لتركيا لإفشال المحاولة الانقلابية كي لا تتحقق مشاريع أمريكا وإسرائيل في تركيا… إنه قال إن أمريكا وإسرائيل لن تحققا أهدافهما في تركيا طالما أني على قيد الحياة. لقد أسس سليماني معادلة في تركيا بحيث يفوق الخيال. هذه الحقيقة يعرفها الرئيس أردوغان جيدًا”.
ومن المعلوم أن قاسم سليماني المقتول في غارة أمريكية بالعاصمة بغداد كان مهندس التوسع الإيراني في الشرق الأوسط، وكان يقود المليشيات المسلحة في العراق وسوريا بشكل مباشر، فضلا عن متابعته للمليشيات في لبنان واليمن.
وفي مقاله بموقع (TR724) وقف الكاتب بولند كوروجو المعروف بباعه الطويل في تحليل الأحداث الداخلية في تركيا خاصة عند الجملة الأخيرة: “هذه الحقيقة يعرفها الرئيس أردوغان جيدًا”، ثم تساءل قائلاً: “ما الذي يعرفه أردوغان وما هي المعادلة التي أسسها قائد الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني”، معتبرًا هذه التصريحات تهديدًا موجهًا لأردوغان، لإجباره على اختيار صفه فيما يخص مقتل سليماني من قبل الولايات المتحدة.
ثم حاول الإجابة على هذا السؤال المثير قائلاً: “هناك صور مشابهة للمدنيين الذين واجهوا الجنود ليلة الانقلاب في 2016 بصورة منظمة، وأقدموا على قتل وذبح الطلبة العسكريين على جسر إسطنبول المعلق بوحشية نادرة. فبينما المواطن العادي انطلق إلى الشوارع بدافع التصدي للانقلاب فقط، كان هؤلاء خرجوا بأسلحتهم وتعمدوا قتل الجنود المخدوعين من قبل قادتهم. بل إنهم لم يخفوا مقصدهم هذا أبدًا”.
ثم ساق الكاتب عديدًا من مقاطع الفيديو التي نشرها المشاركون في عملية التصدي للانقلابيين ويقول أحدهم فيها معترفًا: “أنا من قطعت رأس الجندي بالفعل. ويمكنني أن أقطع رأس أحد منكم!”، معيدًا للأذهان الشخص الملتحي الذي صور نفسه أمام مقر رئاسة الأركان العامة وهو يهرع ببندقيته نحو الجنود قائلاً: “لقد دعتنا دولتنا لمقاومة الانقلابيين وها نحن نستجيب للدعوة للدفاع عنها”.
وتطرق الكاتب إلى الأسلحة التي تبين أن مديرية أمن أنقرة وزعتها في ليلة الانقلاب، وظهر ذلك عندما تورط أحد المواطنين في جريمة جناية بأحد تلك الأسلحة، مرجحًا أن تلك الأسلحة تم توزيعها على هذا النوع من الميليشيات الموالية لحكومة حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان.
حاول الكاتب الكشف عن هوية عناصر المليشيات المسلحة ليلة الانقلاب قائلاً: “بحسب رأي البعض، فإن هؤلاء كانوا عناصر جهادية من كتيبة عبد الحميد خان وتم جلبهم من سوريا. لا نعرف كم عدد المسلحين من السوريين الذين تحدث عنهم رئيس هيئة الإغاثة الإنسانية وحقوق الإنسان والحريات (IHH)، وقال إنهم قاوموا معهم ضد الدبابات ليلة الانقلاب. ذلك لأن السلطات لا تزال ترفض إجراء الفحص البالستي على الأسلحة المستخدمة في قتل الجنود والمدنيين، تمامًا مثلما ترفض إجراء فحص على 11 طائرة من الطائرات التي انطلقت من قاعدة أكينجي”.
وتابع كوروجو أن المواطن التركي العادي الذي نشأ على حب العسكر كان يتعاطف مع الطلبة العسكريين الذين خرجوا من ثكناتهم انقيادًا لأوامر قادتهم، أما هؤلاء العناصر الميلشياوية المسلحين فكانوا ينسحبون إلى زوايا ويطلقون النيران على المواطنين المدنيين والعسكريين على حد سواء كما جرى في الجسر.
واعتبر كوروجو توزّع وانتشار المواطنين المدنيين في مواقع وأماكن معينة “بشكل منظم” من الحالات غير الطبيعية التي شهدتها ليلة الانقلاب بحيث اعترف بها حتى أنصار حزب العدالة والتنمية في أقوالهم. حيث قالت النائبة البرلمانية من الحزب الحاكم روضة كافاكجي كان في أقوالها للجنة التحقيق البرلمانية في ملابسات الانقلاب: “إذا نظرنا إلى أحداث ليلة الانقلاب نرى أمرًا غريبًا، حيث أن الجميع كانوا في الأماكان التي يجب عليهم أن يتواجدوا فيها. فمثلاً لم يحتشد المواطنون في مكان معين، ولم يتوجه الجميع إلى الجسر، بل توزعوا إلى أماكن متفرقة. هذا أمر مثير للغاية. بحسب رأيي أن ذلك لطف من الله، لكن كيف حدث ذلك لا نعلم”.
وما صرح به والي إسطنبول واصب شاهين يؤيد ما قالت النائبة البرلمانية: “لقد أدلى المواطنون رد فعل غريب للغاية، حيث تحرك الجميع إلى نقاط مختلفة بشكل انسياقي وتدخلوا فيها على نحو وكأنهم تدربوا على ذلك من قبل”.
وقد عقّب الكاتب على ذلك بقوله: “هذا الوضع يشير إلى أنه كان هناك محترفون قاموا بتوجيه حشود المواطنين إلى الجهات المعينة سلفًا”.
وذكّر الكاتب بأن بعضًا من المواطنين العاديين أدلوا بتصريحات أمام المحكمة اعترفوا فيها بعلمهم المسبق بمحاولة الانقلاب والاستعداد لها من قبلُ، فقد قال برات كولون يارب بصفته مشتكيًا من “الجنود الانقلابيين” أمام المحكمة: “كنت أعلم أن تركيا ستشهد محاولة انقلاب في 15 تموز / يوليو 2016 عن طريق قريب لي في جهاز المخابرات. لذلك انتقلت في 14 تموز / يوليو 2016، قبل يوم من الانقلاب، من مدينة نيوشهير إلى إسطنبول، وبدأت أنتظر في منطقة أوسكودار. ولما وصلتني أنباء المحاولة الانقلابية هرعت إلى جسر البوسفور”.
وأعاد كوروجو إلى الأذهان أن الرئيس أردوغان لما توصل إلى اتفاقية مع نظيره الروسي فلادمير بوتين في مدينة سوتشي، هدده الإعلام الإيراني مثل نور الدين شيرين قائلاً: “يبدو أن أردوغان نسي كيف أنقذ نفسه بفضل الاستخبارات الإيرانية من محاولة الانقلاب التي أقدمت عليها الدول العربية والغربية في 2016″.
لقد كانت إيران في صدر الدول المعترضة على محاولة الانقلاب في تركيا، حيث أعلن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أنه تلقى 4 أو 5 اتصالات هاتفية حتى صبيحة الانقلاب من نظيره الإيراني جواد ظريف وزوده بمعلومات بما جرى من أحداث طيلة تلك الليلة. كما أعلنت السلطات التركية أن كلاً من أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني وقائد الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني من الشخصيات الإيرانية التي أعلنت دعمها للرئيس أردوغان.
ووصف كوروجو الجنرال سليماني بـ”الشخصية المركزية” التي تنسّق العلاقات بين إيران وروسيا، وعدّ ذلك أمرًا مثيرًا لشبهات أخرى، ثم نقل عن أستاذ استراتيجية الأمن القومي في جامعة الدفاع الوطني في واشنطن عمر تاشبينار قوله: “بحسب ما طرق سمعي فإن بوتين يحوز عددًا من الملفات السوداء التي تمكّنه من حشر أردوغان في زاوية ضيقة، بدءًا من ملفات الفساد والرشوة وانتهاء بملفات تكشف عن الوجه الحقيقي لانقلاب 2016”.
نقل كوروجو أيضًا عن لسان الكاتب صلاح الدين أش جاكيرجيل، الذي عاش في إيران سنوات طويلة، فيما يتعلق بقاسم سليماني: “لقد مكّن سليماني المسؤولين الإيرانيين من أن يقولوا بأننا نسيطر اليوم على خمس عواصم وهي طهران وبغداد ودمشق وبيروت وصنعاء في منطقة الشرق الأوسط، وربما أنه تسبب في تسمّمهم بالسلطة والقوة”.
واختتم الكاتب الصحفي بولند كوروجو مقاله في موقع (TR724) بالقول: “مبادرة أردوغان إلى إغلاق ملفات الفساد التي كان رضا زراب، إيراني الأصل، رقم 1 فيها، وكذلك قضية تنظيم السلام والتوحيد والقدس التابع للحرس الثوري الإيراني التي كانت تتعلق بجواسيس إيران، تثير شبهات حول ما إذا أصبحت أنقرة عاصمة إيران السادسة غير المعلنة في المنطقة”، على حد تعبيره.
وكان حليف أردوغان، زعيم حزب الوطن دوغو برينجك، المحكوم عليه سابقًا في قضية أرجنكون، أدلى بتصريحات في اجتماع عقده عام 2017 مع كبار المسئولين الإيرانيين بطهران حول التصفيات الشاملة التي جرت في الجيش وأجهزة الدولة الأخرى بعد الانقلاب المزعوم، أعلن أنهم مَنْ أعدوا قوائم الأسماء التي تمت تصفيتها وأنهم استطاعوا تصفية “30 ألف ضابط عسكري كانوا موالين للناتو بعد الانقلاب الفاشل”.
كما أنه وصف قاسم سليماني بـ“شهيد الإنسانية” قائلاً: “إن مقتل صديقنا العزيز سليماني من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، هو ضرب الحديد بالحديد. شهيدنا قاسم سليماني هو في الوقت نفسه شهيد الإنسانية، وشهيد آسيا الغربية وشهيد إيران”.