بقلم: عبد الله منصور
(زمان التركية) – يواصل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إثارة الجدل، بإصراره على تنفيذ الاتفاقية الموقعة مع رئيس المجلس الرئاسي الليبي فايز السراج، والتي تسمح له بإرسال قوات ومعدات عسكرية إلى ليبيا، بالرغم من الحظر المفروض على ليبيا من قبل الأمم المتحدة ومجلس الأمن.
مساعي أردوغان للتدخل في ليبيا لم تظهر بين ليلة وضحاها، وإنما سبقها زيارات من قبل قيادات عسكرية تركية رفيعة المستوى إلى طرابلس؛ حيث كشف الكاتب الصحافي التركي، أرجون باباهان، على موقع “أحوال تركيا” الإخباري، بتاريخ 7 أبريل/ نيسان 2019، أن تركيا كانت تمول وتدعم الجماعات المتطرفة في ليبيا، مشيرًا إلى أن رئيس الحكومة المسيطرة على طرابلس يجري زيارات مستمرة إلى تركيا، فضلًا عن إجراء وزير الدفاع التركي خلوصي أكار ووفد استخباراتي مرافق له زيارة إلى طرابلس في وقت سابق.
وفي 21 مايو/ أيار 2019، نشر موقع “إندبيندنت” في نسخته التركية، مقالًا للكاتب الصحافي التركي، جلال الدين جان، بعنوان: “هل العثماني الجديد يتجه نحو نهاية حلم الإمبريالية السفلية؟”، أوضح فيه أن الحكومة التركية تولت مهام حماية الرئيس الليبي معمر القذافي مع اندلاع الأحداث إلا أنها تخلت عن هذا الدور بعد تحذيرات من الإدارة الأمريكية.
وأشار الكاتب إلى أن الهدف الوحيد لنظام أردوغان لم يكن ليبيا فقط، وإنما كان المخطط قلب الشرق الأوسط بأكمله، وبالتحديد في ليبيا ومصر وتونس وسوريا والعراق، من خلال القوات المسلحة التركية وجهازها الاستخباراتي وتحريكها لجماعة الإخوان المسلمين، لافتًا إلى أن مصر قطعت الطريق أمام مخططها.
لم تكن العلاقات التركية الليبية بهذا الشكل من التوتر من قبل؛ وإنما كانت علاقات دافئة بين نظام حزب العدالة والتنمية متمثلًا في رئيسه رجب طيب أردوغان، والرئيس الليبي معمر القذافي، إلى أن اندلعت الثورة الشعبية في فبراير/ شباط 2011، بعدها بدأت أطماع ذئاب تركيا الغبراء تتكشف أمام الجميع رويدًا رويدًا.
دفء العلاقات بين تركيا وليبيا، جعلت أردوغان يصف الرئيس الليبي السابق معمر القذافي بـ”أخي القذافي”، وغيرها من العبارات الدافئة الرنانة؛ بيد أن التودد التركي تجاه ليبيا بدأت تتكشف خباياه بعد اشتعال موجات الربيع العربي.
الدور المثير للريبة لتركيا الأردوغانية في موجات الربيع العربي، بدأ يكشف عن وجه الحقيقي مع اختفاء محافظ البنك المركزي الليبي، عمر فرحات بن قدارة، المعروف في الأوساط السياسية بأنه “الصندوق الأسود لثروة عائلة القذافي”. بن قدارة اختفى عن الأنظار تمامًا لنحو أسبوعين، بالرغم من اشتعال الأحداث التي تأججت في البلاد؛ ولكن غيابه أزيح عنه الستار عندما أعلنت صحيفة فاينينشال تايمز البريطانية، تلقيها بريدًا إلكترونيًا من بن قدارة يؤكد فيه أنه يواصل أعماله بشكل طبيعي من خارج البلاد بسبب سوء الاتصالات هناك، مشيرًا إلى أنه توجه إلى إسطنبول، في 22 فبراير/ شباط 2011، لمباشرة أعماله من هناك بعلم من حكومة القذافي.
أماموقع “ديك جازيته” التركي، فقد نشر مقالًا صحافيًا، للكاتب الصحافي أمور تشاليك دونماز، كشف فيه أن جهاز الاستخبارات التركية نفذ عملية نوعية خارج الحدود قام من خلالها بنقل خزائن ثروات الرئيس الليبي المطاح به معمر القذافي إلى تركيا، كما فعلت من قبل مع ثروات الرئيس العراقي صدام حسين، على حد قوله، دون أن يذكر توقيت إتمام هذه العمليات.
أطماع أردوغان وحاشيته لم تقتصر على ثروات عائلة القذافي فقط، وإنما حولت البلد الغني بالنفط، لحديقة خلفية لدعم التنظيمات الإرهابية في سوريا؛ فقد كشف موقع إخباري تركي، يدعى “انتظار”، في تقرير نشره في 20 يونيو/ حزيران 2015، “بعنوان ليبيا مركز حزب العدالة والتنمية لنقل السلاح والمجاهدين إلى سوريا”، كشف فيه أن شاحنات السلاح والمهمات العسكرية التابعة للاستخبارات التركية، التي تم استيقافها وعرفت إعلاميًا بواقعة شاحنات الاستخبارات التركية، لم يكن مصدرها الأول تركيا، وإنما كان مصدرها ليبيا وفي طريقها إلى سوريا. التقرير لم يكتفي بهذه المفاجأة فقط، وإنما أوضح أيَضًا أن أحد أبناء معمر القذافي سلم مسؤولين في حكومة حزب العدالة والتنمية أجولة من الدينارات الليبية، وعلى الجانب الآخر تم تأسيس المجلس الوطني الليبي من إسطنبول، بعد أن حصل المجلس على دعم بملايين الدولارات من تركيا.
التقرير كشف أيضًا أن تركيا شيدت مخازن للسلاح القادم من ليبيا، وقامت بتوزيعه على الجماعات الإرهابية المسلحة في سوريا، مشيرًا إلى أن سفينة شحن ضخمة محملة بالسلاح قادمة من ليبيا، رست في ميناء الإسكندرون التركي، ووزعت شحنتها على حركة حزم الذي أسسها الداعشي عبد الله عوده في يناير/ كانون الثاني 2014. وزعم أيضًا أن عدد من عناصر الحركة تلقوا تدريب داخل قطر.
كما سلط التقرير الضوء على الإرهابي الليبي عبد الحكيم بلحاج – الذي اشتهر بصورته مع أردوغان ضمن مصابي سفينة المساعدات التركية “مافي مرمرة” التي كانت موجه لكسر الحصار على قطاع غزة – حيث انتقل إلى مدينة أنطاكيا في جنوب تركيا، على الحدود مع سوريا، لإدارة تحركات التنظيمات الإرهابية في سوريا، بتعليمات من جهاز الاستخبارات التركي.
التقرير استند في ادعاءاته إلى معلومات استخباراتية روسية رصدت وصول سفينة ليبية إلى ميناء الإسكندرون على متنها 400 طن من السلاح في عام 2012، لافتًا إلى أن عملية نقل السلاح تمت بوساطة من منظمة “İHH” الإغاثية التركية المقربة من أردوغان.
كما أعلنت السلطات اليونانية في سبتمبر/ أيلول 2015، توقيف سفينة محملة بالسلاح في المياه الإقليمية لجزيرة كيريت اليونانية، كانت متجهة من تركيا إلى ليبيا.
دعم التنظيمات الإرهابية من قبل نظام أردوغان لم يقتصر على الدعم المادي واللوجستي فقط، وإنما وصل إلى علاج مقاتلي داعش في ليبيا داخل تركيا؛ وهو ما نشرته وكالة سبوتنيك الروسية في تقرير بعنوان: “مصابو داعش ليبيا يتلقون العلاج في إسطنبول”، في سبتمبر/ أيلول 2016، حيث أوضحت أن قياديين بتنظيم داعش نقلوا إلى مستشفيات خاصة في إسطنبول لتلقي العلاج، بعد الإصابة في اشتباكات أمام الجيش الوطني الليبي. الخبر تسبب في غضب المعارضة التركية، التي قدمت طلب إحاطة أمام البرلمان لوزير الداخلية في ذلك الوقت أفكان علاء، الذي رفض الرد على طلب الإحاطة.
بالتأكيد الطمع لن يتوقف عند دعم التنظيمات الإرهابية المدعومة من نظام أردوغان فقط، وإنما كشفت صحيفة “جمهوريت” التركية المعارضة، في يوليو/ تموز 2017، أن النيابة العامة في صقلية التابعة لإيطاليا، أضافت الدولة التركية في ملف التحقيقات التي تجرى حول عمليات بيع بترول داعش المهرب من سوريا وليبيا، مشيرة إلى أن شحنات البترول كانت تنقل من ليبيا على متن سفن شحن تركية.
الصحيفة أوضحت أنها نقلت الخبر عن صحيفة “La Repubblica” والتي كانت تتحدث عن تعاون بين المافيا الإيطالية وأجهزة أمنية سرية في تركيا لنقل البترول من الآبار التي يسيطر عليها تنظيم داعش في ليبيا، عبر سفن قادمة من تركيا، لبيعها فيما بعد في السوق العالمي.
موقع “Time Türk” الإخباري التركي، أيضًا تحدث عن أصابع لجهاز الاستخبارات التركية في ليبيا، مشيرًا في تقرير نشره بتاريخ 24 فبراير/ شباط 2011، أن الاستخبارات التركية نفذت عملية سرية داخل الأراضي الليبية ولكنها فشلت فيها.
الكاتب الصحافي التركي، حسن ثروت كوبتام، أوضح في مقاله على موقع T24 التركي، بتاريخ 21 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، أن الحكومة التركية دعمت الجماعات التي ظهرت في مدينة بني غازي، عند اندلاع الأحداث، وقدمت لهم دعمًا ماديًا، في فترة رئاسة أحمد داوود أوغلو للحكومة، من خلال أجهزة وقنوات سرية، مشيرًا إلى أن وسائل الإعلام الغربية تحدثت عن دعم تركي أيضًا للحكومة الإخوانية في طرابلس، بالتعاون مع حليفتها قطر.