بقلم: ماهر المهدي
القاهرة (زمان التركية) – ما هو الانتصار؟ ما هو الفوز؟ وما هى الخسارة ؟ نعم، أسئلة قديمة قدم البشرية، ولكن الحياة تثبت لنا كل يوم أننا بحاجة إلى إعادة تعريف معنى الانتصار ومعنى الفوز ومعنى الخسارة ومعنى الهزيمة. نحن نحتاج إلى إعادة تعريف هذه المسميات السابق الإشارة إليها كل يوم، لكي نصحح خطانا على الطريق إلى المستقبل، وكي نتأكد أننا في الاتجاه السليم إلى تحقيق مرمى وجودنا ومرمى الحياة.
من ظرف الحياة ومكرها – وربما سخريتها من إنجازات الإنسان وقدراته التي يتزايد إيمان الإنسان يوما بعد يوم بها – أن الحياة تعيد إنتاج أحداثها بشكل ملفت للنظر -ربما على طريقة المثل المصري الشعبي الساخر التكرار يعلم الشطار- دون أن يتعظ الإنسان في أحيان كثيرة ودون أن يحتاط ويتخذ من التدابير ما يقيه شر موج الأزمات. وتتراجع الحياة في مقعدها الوثير على ضفاف اليوم وتضحك مجددا، ولكن بأسف. فأصل الحياة للبناء ومقصد الكون هو العمار إلى أجل. وموج الأزمات يأتي الإنسان من كل مكان عاليا كالجبال، مخيفا كظلمة الليل وغيابة الجب. ويفزع الإنسان مما أحاط به من عظيم التحدي وهائل الاختبار، ويدعو الله ويسأله السلامة مما جلب الإنسان على نفسه من السوء والشرور. فإذا استجاب الله لدعاء الإنسان وأخذ بيده -والله يعلم ما في ضمير الإنسان- تسللت العظمة والأنا إلى قلب الإنسان وإلى عقله ودفن هلعه وفزعه الذي غشاه وطمر عقله وروحه قبل قليل، وعاد الإنسان إلى كبريائه الواهية وإلى انشغاله بأطماعه الصغيرة، ونسي ما تبين له من خطئه وسوء تقديره، وتراجع عما وعد به نفسه من الإصلاح ومن تحري سبيل الرشاد. وبذلك يبدأ الإنسان رحلة جديدة إلى أهوال جديدة محتملة، وهو ينكر من جديد ويشيح بوجهه من جديد عن كل خبرات الماضي وثوابت التاريخ ويتجاهل علامات الطريق التي ترشده إلى الصواب وتبعده عن مجاهل التيه وسحابات الأيام النحسات.
الإنسان إنسان، وإن اختلف لونه ولسانه وطوله وملامح وجهه. الإنسان إنسان، ولو كان فقيرا أو غنيا أو كان مهما كان من الصفات التي قد نتفق عليها وقد نختلف، ولكن الإنسان في حبه للكبرياء والعظمة الكاذبة، قد يجعل من أخيه الإنسان عدوا، ومن ثم صيدا مستساغا يحل له أن يقهره وأن يقف فوق جثمانه مهللا رافعا راية الثأر والنار والدم والخسران المبين. ويعمى المنتصر المزعوم عن رؤية أن ما حققه من نصر ليس في الحقيقة إلا قفزات هائلة إلى الوراء وإلى قلب الظلام الآثم الذي لا يمكن أن يزين قلبا كريما محبا للخير وحاميا لوطنه ولأمته وللبشرية.
إن النصر المنفرد قد يكون كذبة كبرى لا يصدقها أحد سوى صناعتها وراويها. فهل اخترع العلوم جميعا فرد معين أو شعب واحد أو رائد بلا منازع؟ أم أن الحياة نسيج من نتاج الإنسانية جمعاء؟ إن ساعات اليوم لا تثبيت للإنسان، إلا أن نجاة الإنسان في رأفته بأخيه الإنسان وفي تعاونه معه، وفي اتحاده مع أخيه الإنسان – ولو اختلفت الرؤى والتطلعات – لأن الوجود لا يرحب بالمتناحرين المتفرقين. وإنسان اليوم لا يمكن أن يكون كإنسان الأمس . وقد لا يحق لإنسان اليوم أن يخطئ أخطاء إنسان الأمس، لأن تجارب الأمس كثيرة مؤلمة بينة، ولأن خسائر اليوم قد تكون أكبر من خسائر الأمس بمراحل، فلماذا الفرقة ونحن ولاد النهاردة؟