منى سليمان*
(زمان التركية) عقدت في العاصمة الماليزية كوالامبور علي مدى يومي (19-20) ديسمبر 2019 قمة مصغرة ضمت عددًا من الدول الإسلامية من بينهم (تركيا، إيران، قطر، ماليزيا) وحضر ممثلين عن 20 بلد، أطلق عليها “قمة إسلامية” (نتحفظ على هذا الاسم)، نظرا لأن جميع المشاركين هم أعضاء بمنظمة التعاون الاسلامي التي تضم 57 دولة.
تبنت تركيا الدعوة للقمة ورعت ماليزيا تنظيمها، وقد برزت فكرتها خلال زيارة رئيس الوزراء الماليزي “مهاتير محمد” أنقرة خلال يوليو 2019 والتي دشنت مرحلة جديدة للتعاون بين الدولتين. ولعل النتيجة الوحيدة للقمة هي الدعوة للإعتماد على “الدينار الذهبي” للتبادل بين دولها لاسيما تركيا وإيران لأنهما يواجهان أزمات إقتصادية تعصف بهما، وتفرض عليهما عقوبات دولية لأسباب عدة. وقد بارك هذه الدعوة “مهاتير” ورحب بها.
فيما عدا ذلك فإن كافة ردود الفعل علي القمة أكدت فشلها، فلم تتجاوز القمة كونها منبرًا جديدًا يمارس منه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان “عقدة القيادة”، ويروج فيه لأفكاره لنصرة المظلومين في العالم الاسلامي متجاهلا احتلال بلاده لدولتين اسلامتين العراق وسوريا، وسعيه لإحتلال الثالثة ليبيا. ومتجاهلا نصف مليون مواطن تركي اعتقلوا في عهده ظلما وبهتانا. ولذا فإن فشل قمة ماليزيا قد كلل فشل السياسة الخارجية لأردوغان خلال عام 2019 والتي أنعكست داخليًا عبر تراجع معدلات الإقتصاد التركي وتراجع شعبية الرئيس والحزب الحاكم.
- التحالف التركي الماليزي:
بدأت الدعوة لعقد قمة إسلامية لبحث شؤون العالم الإسلامي، عقب زيارة رئيس الوزراء الماليزي “مهاتير محمد” لأنقرة في (24-28) يوليو 2019 والتي استمرت أربعة أيام استقبله خلالها الرئيس التركي “أردوغان” استقبالا حافلا، ومثلت الزيارة نقلة نوعية في العلاقات بين البلدين. حيث اتفقا على رفع التبادل التجاري بين البلدين والذي يصب في صالح ماليزيا دوما، حيث تصدر لأنقرة سنويا بقيمة ملياري دولار في المقابل بلغ إجمالي الصادرات التركية إلى ماليزيا 200 مليون دولار سنويًا فقط. كما قام “مهاتير” خلال الزيارة بزيارة مصنع الطائرات المسيرة التركية، وأكد سعى بلاده لإقتنائها. ورفع التبادل التجاري بين البلدين لأكثر من 5 مليارات دولار، كما تم منح “مهاتير” أعلى وسام تركي “وسام الجمهورية” وكذلك تم منحه الدكتوراه الفخرية. وبعد عودته لكوالامبور دعا شباب بلاده للعمل في تركيا وللإستفادة من “التجربة التركية في التنمية” لأنها تعد نموذجا جيد بالنسبة لماليزيا.
وقد تلاقت أهواء الرجلين الطامحين لقيادة العالم الإسلامي “مهاتير – أردوغان” في الدعوة لعقد قمة إسلامية تعبر عن أهدافهم في قيادة العالم الإسلامي الجديد بما يحقق مصالحهم ومصالح بعض الجماعات الإرهابية والكارتيلات الإقتصادية المرتبطة بهم، فلو كان همهم الأول هو نصرة العالم الإسلامي الذي يتعرض للأزمات والتنكيل به كما يدعي “أردوغان”، كان الأحرى بهم قطع علاقاتهم مع الصين إحتجاجا على الإنتهاكات بحق الإيغور بتركستان الصينية بيد أن الدول الثلاث (ماليزيا، تركيا، إيران) من الدول العشر الأول المستوردة من الصين والمصدرة لها. أو كان الأحرى بأنقرة إعلان قطع علاقتهم بإسرائيل التي تمارس كافة أشكال الانتهاكات بحق الشعب الفلسطني بيد أن تركيا من أكبر الشركاء الاقتصاديين لها.
- فشل قمة ماليزيا:
وقد بدأت كوالامبور الإعداد للقمة وأعلنت أنها أرسلت دعوات لكافة الدول الاسلامية بيد أن 20 دولة أعلنت مشاركتها وحضر القمة حوالي 450 ممثلاً لبحث 7 قضايا رئيسية هي القضايا الرئيسية (التنمية الوطنية والسيادة، النزاهة والحكم الرشيد، الثقافة والهوية، العدالة والحرية، الأمن، السلام والدفاع، التجارة والاستثمار إلى جانب التكنولوجيا وإدارة الإنترنت). ولم يحضر القمة من قادة الدول الاسلامية سوى أمير قطر “تميم بن حمد آل ثاني” والرئيس التركي “رجب طيب أردوغان”، ونظيره الإيراني “حسن روحاني.” والمضيف رئيس الوزراء الماليزي “مهاتير محمد” وألغى رئيس الوزراء الباكستاني “عمران خان” مشاركته بالقمة ومثل باكستان وزير الخارجية “شاه محمود قريشي” كما تراجع الرئيس الإندونيسي (أكبر دولة اسلامية من حيث عدد السكان) “جوكو ويدودو” عن حضور القمة بعد إعلانه رغبته في الحضور. وبالفعل عقدت القمة في موعدها المحدد على مدى أربع أيام بيد أنها لم تسفر عن أي نتيجة ملموسة أو إعلان بيان ختامي، هذا فضلا عن الانطباعات السلبية التي تركتها في العالم الاسلامي ككل، حيث رأت كافة الدول الاسلامية على المستوى الرسمي والشعبي أن القمة سعت لتقسيم العالم الاسلامي عبر إقصاء الدول العربية المركزية وتهميش منظمة التعاون الإسلامي. ولذا فإن دوافع عقد القمة كان إقتصاديا سياسيا وليس إيديولوجيا ثقافيا، ومن بينها..
-الدافع الإقتصادي: وهو الأهم حيث أعلن “مهاتير محمد” أنّ بلاده وإيران وتركيا وقطر يبحثون تنفيذ المُعاملات التجاريّة فيما بينهم بالذّهب ونظام المُقايضة، بعيدًا عن الدولار الأمريكي، لتَجنُّب أيّ عُقوبات أمريكيّة في المُستقبل تفرض علي هذه الدول. وبالطبع ففي الوقت الحالي تفرض عقوبات على طهران وأنقرة ومن المتوقع ان تتضاعف مستقبلاً. ولذا فإن الهدف الأول للقمة هو اقتصادي . فالدول الأربع الرئيسية التي حضرت (تركيا ، إيران ، قطر ، ماليزيا) تعاني من تراجع في معدلات اقتصادها ومن أزمات إقتصادية متعددة.
-الدافع السياسي: ثم يأتي الهدف الثاني وهو الترويج بين جماعات الإسلام السياسي التي فشلت فشلاً ذريعًا في الدول العربية ممثلة في (جماعة الأخوان المسلمين الإرهابية) والتنظيمات الإرهابية التي تمولها كل من أنقرة وطهران كداعش والميليشات الشيعية في العراق ولبنان وسوريا، أن الدولتين تركيا وإيران قادرتان على الحشد والعمل ومازال هناك فرصة لعودة تيارات الإسلام السياسي، كما عاد “مهاتير محمد” للحكم بعد 20 عام من خسارته . ولذا كان هناك علامات استفهام على دعوة حركة “حماس” الفلسطينية فبأي صفة تحضر القمة لقد كانت آخر انتخابات فازت فيها الحركة عام 2006 ولا تملك الان حق تمثيل الشعب الفلسطيني كله. وكذلك حضر ممثلين عن جماعة الحوثيين باليمن وهي جماعة مصنفة إرهابية في عدد من الدول واستولت بشكل غير قانوني على الحكومة الشرعية باليمن عام 2014 فكيف يمكن لها أن تمثل الشعب اليمني! وكيف تم إختيار المشاركين بالقمة.
-الدافع الدولي: خلال كلمته في القمة أكد الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” إن العالم الآن أكبر من الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، وأن هذا النظام قد “عفى عليه الزمن” ومصير الدول الإسلامية يبلغ تعداده سكانها 1.7 مليار نسمة لمزاج 5 الدول دائمة العضوية بمجلس الأمن الدولي. وهو يدعو لتوسيع عضوية مجلس الامن الدولي لتصبح تركيا ممثلة عن العالم الاسلامي. فالرئيس التركي ينتهز أى فرصة للترويج لوهمه المستحيل وهو تنصيب نفسه خليفة على الدول الإسلامية، فيسعى دولا لتراس اي قمة تضم عدد من الدول التي كانت يوما ما ضمن الامبراطورية العثمانية، فقد تراس مؤخرا قمة كوالالمبور وقمة منتدى الدول الناطقة بالتركية، ويستغل رئاسة بلاده لمنطقة التعاون الاسلامي ليروج لنفسه كزعيم للدول الاسلامية، متجاهلا ان قوانين العصور الوسطى التي تواجدت فيها الامبراطورية العثماينة قد انتهت، أن العلاقات الدولية المعاصرة قائمة على مبدأ الاعتماد المتبادل والمعاملة بالمثل واحترام القانون الدولي، وأن قوانين العصور الوسطي القائمة علي التبعية والاحتلال لا تتناسب مع العصر الحديث.
ومما سبق يمكن أن نستنتج فشل قمة ماليزيا “الاسلامية” التي حضرها دولا تدعم وتمول تنظيمات إرهابية كإيران وقطر، وممثلين عن حركات غير شرعية “حماس” وجماعة “الحوثيين”، كما يمكن التأكيد أن الهدف الرئيسي منها كان إقصاء وتهميش الدول العربية الرئيسية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية ومصر من خلال إنشاء تكتل إسلامي جديد مصغر يحل محل منظمة التعاون الإسلامي. وهذا ما أوضحه “مهاتير محمد” في كلمته بالقمة حيث أكد أن الدول الخمس (ماليزيا وقطر وتركيا وباكستان وإندونيسيا) ستشكل نواة لبداية تعاون إسلامي أوسع يشمل مجالات عدة تواجه العالم الإسلامي، مثل التنمية الاقتصادية والدفاع والحفاظ على السيادة وقيم الثقافة والحرية والعدالة، إضافة إلى مواكبة التكنولوجيا الحديثة”.
ولذا فقد سعت قمة كوالالمبور لتهميش منظمة التعاون الإسلامي بطريقة غير مباشرة، من خلال إتخاذ منصة بديلة عنها، أو إبتعادها عن الإجتماع تحت رايتها كما عملت على تهميش الدول الاسلامية الكبرى، فأين تمثيل الدول الاسلامية العربية مهد الإسلام وقبلة المسلمين المملكة العربية السعودية، وأين تمثيل جمهورية مصر العربية دولة “الأزهر الشريف” الذي ينشر الإسلام منذ ألف عام في كافة ربوع المعمورة، كما غاب عن القمة تمثيل الدول الإسلامية الأفريقية رغم أهميتها فلم تحضر (نيجيريا، الجزائر، المغرب).
بيد أن “أردوغان” لم ينجح في تحقيق هدفه من قمة ماليزيا “الإسلامية المصغرة” وفشلت القمة وهناك العديد من المؤشرات على ذلك حيث ..
-أعلن رئيس الوزراء الباكستاني “عمران خان” والرئيس الإندونيسي عدم حضور القمة مما مثل “صفعة” لأردوغان ومؤشرا على فشل القمة قبل أن تبدأ، وروجت مصادر باكستانية أن “خان” انسحب تحت ضغوط من السعودية الحليف المقرب لبلاده رغم نفي الرياض ممارسة أي ضغوط على “خان” لينسحب، وبفرض أن هذه الإشاعات صحيحة كيف يدعي “أردوغان” قدرته على قيادة الدول الإسلامية وهو يعجز عن إقناع قادة دولها بحضور قمة واحدة؟ فلو كان “خان” مقتنع تماما بجدوى قمة كوالالمبور كان حضرها.
ولم يكتف “أردوغان” بذلك بل مارس هوايته في إفتعال الأزمات مع الدول الخارجية، وأدعى أن الرياض هددت “خان” بطرد العمالة الباكستانية من المملكة وسحب الودائع السعودية من باكستان حال حضوره. الأمر الذي دفع وزارة الخارجية الباكستانية لتفيه كليا وتفصيلا وأصدرت بيان شديد اللهجة موجه لانقرة مطالبا “أردوغان” بعدم الحديث باسم باكستان مرة أخرى. مما ينذر بأزمة دبلوماسية في العلاقات بين إسلام آباد وأنقرة.
-وفي مؤشر جديد على فشل القمة، أجرى رئيس الوزراء الماليزي “مهاتير محمد” إتصالا هاتفيًا بالملك السعودي “سلمان بن عبد العزيز” عشية القمة (رغم أن المملكة تلقت دعوة لحضور القمة إلا أنها لم تحضرها، وبررت ذلك بضرورة عقد القمة تحت رعاية منظمة التعاون الإسلامي). ونفي “مهاتير” خلال المكالمة الهاتفية عزم بلاده علي تولى دور منظمة التعاون الإسلامي، ودعا الرياض للإستمرار في لعب دورها بقيادة العالم الإسلامي وأكد إن ماليزيا صغيرة للغاية لتتكلف بهذا الدور. وبرر عقد القمة بأنه من الافضل بحث قضايا المسلمين خلال قمة إسلامية مصغرة وليس قمة كاملة العدد لمنطقة التعاون الاسلامي التي تضم 56 دولة. وهو ما يمثل تراجعا من “مهاتير” الذي أوضح من قبل أن القمة تمثل نواة لبداية تعاون إسلامي أوسع.
– ولعل ردود الفعل علي القمة كانت أبرز دليل علي فشلها، فقد تسائل “ليم كيت سيانج” المعارض السياسي الماليزي حول التحالف المزمع بين بلاده وتركيا لنهضة العالم الإسلامي، “كيف يكون ممكنا بناء حضارة إسلامية عظيمة مبنية على حكومات ثيوقراطية فاسدة، هل هذا استغلال سييء للإسلام لأغراض أخرى، كيف يمكن بناء حضارة إسلامية عظيمة في ظل الكذب والتضليل والخداع والشبهات الكثيرة والكراهية ودعم السرقة والفساد، في إشارة إلى الفساد المنتشر في تركيا والشبهات التي تلاحق مهاتير محمد بالفساد في ماليزيا. وبالفعل فإن اتهامات الفساد وقمع المعارضة والتنكيل بها تلاحق “مهاتير وأردوغان” منذ سنوات. كما طرح وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية “أنور قرقاش” تساؤلا هاما “هل بالإمكان أن ينهض العالم الإسلامي بغياب الحضور العربي؟ وهل ينهض بغياب بلاد الحرمين الشريفين والأزهر الشريف؟” “الإجابة الواضحة هي النفي، فالاستقطاب والتفريق والتحزب لم يكن أبدا الحل ولن يكون.”
3– تفاقم أزمات “أردوغان” الخارجية:
“أردوغان” سعى من خلال قمة “ماليزيا” لإنشاء تكتل إسلامي موال له يضم الدول الإسلامية الآسيوية غير العربية وذلك بعدما كثف علاقاته مع ماليزيا وباكستان وأفغانستان فضلا عن دول آسيا الوسطى. وهناك تعبير معروف داخل حزب العدالة والتنمية وهو “مدنيِّتجيليك” ويعني الحضارات في العصر الذهبي للإسلام بقيادة العثمانيين”. ويسعى “أردوغان” لتطبيق هذا التعبير على الواقع فهو مقتنع أن قيادة تركيا للعالم الإسلامي ستعيده لمجده مرة أخرى. ولذا يسعى “أردوغان” لتحقيق حلمه عبر قيادة أي تجمع يضم الولايات العثمانية السابقة، حيث يسعى لإنشاء تكتل للدول الناطقة بالتركية ويسعي لقيادة دول وسط أوروبا مستغلا في ذلك علاقاته الجيدة بكوسوفو ويسعى للتغلغل بالدول العربية بشتى الطرق اقتصاديا ثقافيا وعسكريا، ثم يسعى حاليا لقيادة الدول الإسلامية الآسيوية. بيد أن فشل قمة “ماليزيا” جاء ليفاقم أزماته الخارجية ويثبت خطأ سياساته.
فكافة دوائر السياسة الخارجية التركية تعاني أنقرة من توتر في العلاقات معها. بدءا من دول الجوار التركي فالعراق وسوريا تعانيان من إحتلال تركي مباشر لمدن الشمال كان آخرها عملية “نبع السلام” بشمال سوريا في 9 أكتوبر 2019 والتي حظيت برفض إقليمي ودولي كبيرين أسفرا عن توقف العمليات العسكرية. كما أن الجوار المتوسطي لتركيا يتجه لتدويل الأزمات بينهما وذلك إثر إعتراض قبرص واليونان ومصر علي التنقيب التركي غير الشرعي عن الغاز الطبيعي في سواحل شرق البحر المتوسط.
هذا فضلا عن الخلافات التركية الأوروبية المستمرة والتي تتعدد أسبابها بين رفض تركيا الإعتراضات الأوروبية على حملات القمع والتنكيل بالمعارضة التركية منذ الإنقلاب العسكري الفاشل في 2016، وتوقف مفاوضات إنضمام تركيا للإتحاد الأوروبي، وفرض عقوبات على أنقرة بسبب التنقيب عن الغاز، بالإضافة إلى الإتهامات الفرنسية والألمانية المستمرة لأنقرة بالتدخل في الشؤون الداخلية للجاليات المسلمة فيها. وعطفا علي ذلك سعى “أردوغان” المستمر لإفتعال الأزمات الشخصية والتلاسن اللفظي مع بعض القادة الأوروبيين وكان آخرهم نظيره الفرنسي “إيمانويل ماكرون”.
ثم تأتي الخلافات التركية الأمريكية فعام 2019 شهد أسوء عام في تاريخ العلاقات بين أنقرة وواشنطن وقد بدأ برفض أمريكي للتحرك التركي في شمال سوريا وانتهى بفرض عقوبات عليها بعد عملية “نبع السلام”، وقائمة الخلافات التركية الامريكية تطول ، فالثانية تعترض على التعاون العسكري بين أنقرة وموسكو، وكذلك تعترض علي التعاون الاقتصادي بين أنقرة وطهران. هذا بخلاف قضية الدعم الامريكي للجماعات الكردية المسلحة في شمال سوريا والذي تعتبره أنقرة تهديد لأمنها القومي.
وفيما يخص العلاقات التركية العربية والتي تمر بمرحلة توتر بالغ الدقة، فأنقرة نجحت بإمتياز في تعكير صفو علاقاتها العربية بعد سنوات من الإنفتاح الإقتصادي والسياسي والثقافي إنعكست إيجابًا علي الدولة التركية. وحاليا تتمتع أنقرة بعلاقات متوترة مع الرياض وأبوظبي وتونس بعد فشل زيارة “أردوغان” الأخيرة لها والجزائر والسودان، وحالة عداء مستمر مع مصر بدأها “أردوغان” عام 2013 حيث أصر علي عدم الاعتراف بشرعية ثورة 30 يونيو وما أسفرت عنه من نتائج سياسية ودستورية. وقد أبى الرئيس التركي أن ينهي عام 2019 دون إحداث أزمة دولية جديدة تضاف الي قائمة إنجازاته، فأعلن عن عزمه التدخل العسكري في ليبيا دعما لحكومة الوفاق الليبية في طرابلس. وهذا رغم الإعتراف دوليا بوجود ميلشيات مسلحة في طرابلس وحظر أي دعم عسكري لهم، وربما يكون التورط التركي في ليبيا آخر مغامرات “أردوغان” الخارجية لأنه يفتقر لأي أساس قانوني أو سياسي، فلا يوجد أي حدود مشتركة بين تركيا وليبيا برًا او بحرًا، والإتفاق الأمني الذي أبرم بين “أردوغان” ورئيس حكومة الوفاق الوطني بطرابلس في نهاية نوفمبر 2019 غير معترف به دوليا، لان سلطات ليبيا الثلاث (التنفيذية، التشريعية، القضائية) منقسمة ولم يتم تمرير هذا الإتفاق من البرلمان الليبي. وليس له أي مبرر سوى رغبة “أردوغان” الشخصية في إفتعال الأزمات الخارجية، ومساومة دول شرق المتوسط على ترسيم الحدود وفق اتفاق سياسي يتضمن تركيا وليس وفق اتفاقات بحرية قانونية. لان الاخيرة حال نفذت بشكل تام لن يصبح لانقرة الحق في التنقيب عن الغاز الطبيعي في شرق المتوسط.
وبناء علي ما سبق، نرى أن فشل قمة ماليزيا “الإسلامية” ثم الرفض الداخلي والإقليمي والدولي للتدخل العسكري التركي في ليبيا يؤكد فشل سياسات “أردوغان” الخارجية، ورغم ذلك فمن المتوقع أن ينفذ تهديده بدعم ميليشيات طرابلس لتكن تلك آخر المغامرات العسكرية الخارجية له، وتكلل مرحلة الإنفتاح التركي الخارجي بالفشل. وسيتبعها حالة من إنحسار التمدد التركي الخارجي ثم تتجه السياسة الخارجية التركية للعزلة مرة أخرى والإتكماش لمعالجة الأزمات الداخلية التي على رأسها الأزمة الاقتصادية المتفاقمة والتي لا يعترف بها “أردوغان”، وسيكون التحرك الخارجي التركي في السنوات المقبلة بما يعود بالفائدة على الداخل ويحقق الأمن القومي التركي.