بقلم: عبد الله منصور
برلين (زمان التركية)ــ يسعى الرئيس التركي زعيم حزب العدالة والتنمية الحاكم، رجب أردوغان، الذي أعلن مرارًا وتكرارًا أنه أحد رؤساء مشروع الشرق الأوسط الكبير، لفرض سيطرته على المنطقة، سواء من خلال إقامة قواعد عسكرية في قطر والصومال أو تدخلات مباشرة في سوريا وليبيا والسودان.
ويبدو أن الرئيس التركي سيستعين مجددا بعناصر غير نظامية تحوم حولها الشبهات، في ظل الأزمة المشتعلة في منطقة شرق المتوسط، على خلفية أزمة التنقيب على الغاز، وما تبعها من جدل حول الاتفاقين المثيرين للجدل الموقعين بين أنقرة ورئيس مجلس الرئاسي الليبي فايز السراج؛ الأولى اتفاقية أمنية، والثانية اتفاقية لترسيم الحدود البحرية والمنطقة الاقتصادية الخالصة، متجاهلين حقوق دول الجوار مثل اليونان وقبرص.
قناة الميادين اللبنانية، نشرت تقريرًا قبل يومين، حذرت فيه من أن تركيا ستقوم بنقل عدد من المقاتلين الموالين لها في شمال سوريا، إلى ليبيا، مشيرة إلى أن الدفعة الأولى ستبدأ بـ60 مقاتلًا فقط.
الخبير الأمني التركي عبد الله آغار، علق على تلك الادعاءات في تصريحات له مع وكالة “سبوتنيك الروسية”، قائلًا: “الخبر الذي نشرته قناة الميادين لا يزال مجرد ادعاءات، ولكن هناك عدد من الأمارات المؤيدة لتلك الادعاءات. هناك رسائل تتداول على مواقع التواصل الاجتماعي للمراسلات مثل: “تيليجرام” و”واتساب”، بين عدد من الجماعات المقاتلة في سوريا، تقول: “هل تريد الذهاب إلى ليبيا؟” “هل تريد أن تذهب إلى ليبيا وتحصل على 2000 دولار شهريًا؟”.
حتى أن هناك أقاويل تتحدث عن وجود استعدادات متعلقة بذهاب عدد من المقاتلين من كل فصيل حسب تكوين وحجم الفصيل. ولكن لا توجد صورة مؤكدة حول الأمر حتى الآن”.
وأكد أن عملية نقل المقاتلين من صفوف الجماعات الموالية لتركيا في شمال سوريا، لن تضعف الحرب التي تشنها تركيا والقوات الموالية لها على تنظيم حزب العمال الكردستاني.
في ظل تلك التطورات توجهت الأنظار إلى تنظيم “سدات – SADAT” المسلح أو ما يعرف باسم شركة “سدات” الأمنية التركية المعروفة بقربها من أردوغان وحزب العدالة والتنمية.
شركة “سدات” هي النموذج التركي من شركة “BLACK WATER” الأمريكية، وشركة “WAGNER” الروسية، وتوضح مهامها على أنَّها توفر الخدمات الاستشارية وخدمات التدريب العسكري في مجال الدفاع الدولي والأمن الداخلي، وتحظى باهتمام كبير من أردوغان نفسه.
لتسليط الضوء على نشاط الشركة المثير للجدل، نعيد النظر إلى تصريحات سابقة لوزيرة الداخلية السابقة، رئيسة حزب الخير القومي، ميرال أكشنار، المنشقة عن حزب الحركة القومية المتحالف مع أردوغان، التي قالت في حوار لها مع صحيفة “سوزجو” التركية في يناير/ كانون الثاني 2018، إن شركة سدات تمتلك معسكرات تدريب مسلح في مدينتي توكات وقونيا في قلب تركيا. من جانبها اكتفت الشركة بتكذيب التصريحات فقط، دون اتخاذ أي إجراء قانوني ضد أكشنار.
الجدل المثار حول نشاط الشركة لم ينتهِ بتصريحات أكشنار وما تلاها من تكذيب للشركة؛ إذ نظمت جامعة أوسكودار الكائنة في مدينة إسطنبول، وجمعية المدافعين عن العدالة (ASDER)، ومركز الدراسات الاستراتيجية للمدافعين عن العدالة (ASSAM)، ومركز سدات الاستشارية الدولية للدفاع (SADAT)، ندوة بعنوان “الشركات العسكرية الخاصة”، كان من بين المشاركين مؤسس شركة “سدات” الجنرال المتقاعد عدنان تانري فاردي، وقال في كلمته: “إن الأوطان التي لا تمتلك صناعة دفاعية وطنية لا يمكنها الحديث عن الاستقلالية والسيادة. لا يمكننا أن نقف في وجه أمريكا بسلاحها. لذلك من المهم للغاية الاهتمام بصناعاتنا الدفاعية. القوات المسلحة ليست عنصرًا للحرب فقط، وإنما ضمان للسلام”.
تصريحات تانري فاردي بدأت بعبارات مطمئنة، ولكنه انتقل بعد ذلك إلى مهام شركته ونشاطها، قائلًا: “إن مهمتنا هي تحديد التهديدات التي قد تهدد العالم الإسلامي. لذلك نحن نقوم بأعمال الاستشارات في مجال التدريب الخاص للوحدات العسكرية المسلحة. كما نقوم بأعمال الوساطة من أجل توفير السلاح والمهمات العسكرية للأصدقاء من الدول الصديقة”، دون أن يكشف عن أسماء هذه الدول، مطالبًا حكومة حزب العدالة والتنمية بالتوسع في تأسيس مثل هذه الشركات الخاصة.
في 28 من الشهر نفسه، أجرى الجنرال المتقاعد عدنان تانري فاردي، حوارًا صحفيًا مع موقع “خبر تُرك” الإخباري، تحدث فيه عن عدد من الملفات الأمنية المتعلقة بتركيا، من بينها “الجيش السوري الحر”، الذي غير اسمه فيما بعد إلى الجيش الوطني السوري، خلال عملية نبع السلام التركية على شمال سوريا، والدعم الذي قدمته الشركة لتأسيسه.
تانري فاردي، الجنرال المتقاعد، المعروف بسمعته السيئة وعلاقاته المثيرة للجدل داخل تركيا، والمعروف أيضًا بأنه صديق التيارات والجماعات الإسلامية المتطرفة في الوطن العربي والعالم، أوضح خلال الحوار أنه أجرى زيارة لأحد مخيمات اللاجئين في مدينة هطاي جنوب تركيا، المتاخمة للحدود مع سوريا، وبحث مع المتواجدين تأسيس جبهة مسلحة لمقاومة نظام الرئيس السوري بشار الأسد، والتي ستتشكل فيما بعد تحت اسم “الجيش السوري الحر”، على حد قوله.
رياض الأسعد، الذي تولى قيادة الجيش السوري الحر، كان بين الموجودين في المخيم، وأكد لتانري فاردي أن هناك عسكريين منشقين عن الجيش السوري، ويرغبون في الانضمام لهذه التشكيل الجديد، في حالة تأمين وصولهم إلى تركيا بسلام دون أن يتعرضوا للتصفية من قبل النظام السوري.
خلال الحوار تجنب تانري فاردي تقديم المزيد من المعلومات حول اللقاء وما نتج عنه، ولكنه اكتفى بالقول إن العسكريين المنشقين وصلوا إسطنبول، قائلًا: “توصلنا معهم لاتفاق مشترك، وأبلغنا الجهات الرسمية التركية بالتحرك في هذا الصدد”، وأشار إلى أن الأسعد انتقل بعد ذلك إلى سوريا.
الجنرال تانري فاردي أكد في حواره أن العناصر العسكرية المنشقة التي شكلت الجيش السوري الحر، هي الجناح العسكري لجماعة الإخوان المسلمين، مشيرًا إلى أن شركة “سدات” التقت بعدد من ممثلي الجماعات المسلحة في سوريا في مخيمات اللاجئين وفي إسطنبول، على حد قوله.
حوار تانري فاردي لم يقتصر على الملف السوري فقط، وإنما أوضح أيضًا أن الشركة كان لها نشاط في ليبيا في السنوات الأولى من موجة الربيع العربي، مشيرًا إلى أن وفدا مكونا من ممثلين عن الشركة أجرى زيارتين إلى ليبيا، في النصف الأول من عام 2013؛ الأولى كانت إلى مدينة طرابلس لعقد لقاءات واجتماعات مع قيادات الجيش المنشقين عن الجيش الليبي، من بينهم العميد فيتوري خليفة سالم الجبريل.
وأشار إلى أن الشركة كانت تنوي إرسال وفد جديد إلى ليبيا، لتكون الزيارة هي الثالثة، إلا أنهم اضطروا لتعليق الزيارة بسبب تطور الأحداث نتيجة تحركات المشير خليفة حفتر، لتحرير مدينة طرابلس.
علاقة تانري فاردي بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أخذت منحى آخر، إذ أصدر الأخير قرارًا بتعيين مؤسس ورئيس مجلس إدارة شركة “سدات” للاستشارات الدفاعية الدولية الجنرال المتقاعد، عدنان تانري فردي، بهيئة السياسات الأمنية والخارجية، وهي إحدى الهيئات التابعة للرئاسة التركية. كما يشغل منصب كبير مستشاري رئيس الجمهورية، بموجب قرار تعيينه في 16 أغسطس/ آب 2016، أي بعد شهر واحد من محاولة الانقلاب المزعوم في تركيا (15 يوليو/ تموز 2016).
الشبهات التي تدور حول “سدات” والتي لا تعرف إجابة حتى الآن، دفعت عددا من المحللين والكُتّاب لوصف الشركة بأنها “ميليشيات أردوغان” و”الحرس الثوري التركي” و”الجيش السري لأردوغان”.
الكاتب والباحث التركي بوراق باكديل، أوضح في دراسته بمعهد “جيتستون” للدراسات السياسية الدولية الأمريكي، أن “جنون الارتياب” يقود أردوغان إلى الهاوية والحرب الأهلية، وأن تعيينه تانري فيردي كبيراً لمستشاريه رغم كم اللغط الذي يحيط به، يعد دليلاً على استعداده لخوض حرب شاملة داخل تركيا ضد أي عدو يواجهه”، مشيرًا إلى أن نشاط الشركة لا يقتصر على دول الجوار فقط.
وأشار باكديل إلى أن أردوغان قد يلجأ إلى شركة “سدات” من أجل “قتال المنشقين في المستقبل داخلياً، وتدريب جهاديين للقتال في حروب إردوغان الطائفية في سورية وغيرها، وذلك في ظل قلقه من النزعة التوسعية للشيعة في المنطقة”، على حد تعبيره.
خلال مشاركته في ندوة بجامعة أسكودار، حاول تانري فاردي تبرير وجود الشركات العسكرية الخاصة في تركيا، والانتقادات الموجهة له، قائلًا: “العراق اليوم يضم نحو 42 شركة أمن وخدمات عسكرية خاصة؛ داعش وحزب الاتحاد الديمقراطي وحزب العمال الكردستاني هي شركات أمنية وعسكرية تابعة للولايات المتحدة الأمريكية. القوى الإمبريالية العالمية لها شركات عسكرية خاصة، وهي مؤسسات عسكرية أنشأوها في تلك البلدان من أجل التحكم فيها، وتعتبر تهديدا كبيرا للغاية”.
تانري فاردي، علق أيضًا على الاتفاق الموقع بين أنقر وطرابلس، وكذلك تصريحات الرئيس التركي أردوغان التي قال فيها: “سنرسل قوات عسكرية إلى ليبيا إذا طلبت ذلك”.
وأوضح تانري فاردي في تصريحاته مع جريدة “أكشام” التركية، بتاريخ: 17 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، أن تركيا تحتاج إلى شركات عسكرية خاصة تقوم باستخدام العسكريين المرتزقة، مثل شركتي “Black Water” الأمريكية و”Wagner” الروسية، قائلًا: “إذا أرسلت تركيا جنودا مرتزقة إلى ليبيا سيكون أكثر فائدة”.
وأشار عدنان تانري فاردي إلى أن شركته تقدم خدمات التدريب لعدد من فرق القوات الخاصة لبعض الدول، ولكنها لم تتدخل في ليبيا حتى الآن، نافيًا أن يكون لشركته، أو مركزه، كما يصفه، أي نشاط مع الجنود المرتزقة.
–
شركة سدات، عدنان تانري فاردي، شركة صادات الأمنية، ليبيا، إرسال قوات عسكرية إلى ليبيا، حكومة الوفاق الوطني، عبد الله آغا