القاهرة (زمان التركية) – كيف تحول أردوغان وحزبه من العدالة والتنمية إلى الظلم والفساد؟!
عندما يفسد الحاكم ترقص المحاكم على إيقاع المظالم، ويتحول النواب إلى نوائب، والوزراء إلى أوزار، والولاة إلي غلاة، والقضاة إلى قصاة، والعلماء إلى عملاء، والضباط إلى لباط، ويبقى الإعلام إما كلمة حق في وجه سلطان جائر أو كلمة زور في جيب سلطان قاهر.
ومن منطلق كلمة الحق أستأذن القارئ العزيز أن أبدأ حديثي.. بداية ولد الرئيس أردوغان في عام 1956 في حي قاسم باشا بإسطنبول، وباع البطيخ والسمنة في صغره لينفق على تعليمه، وتخرج من ثانوية إسطنبول للائمة والخطباء عام 1973، ثم التحق بكلية العلوم الاقتصادية والتجارية في جامعة مرمرة.
وكان أول تحول في حياته انتقالُه من ملعب الكرة إلى ملعب السياسة، حيث رفض عام 1976 عرضا للانضمام لنادي(فناربخشة) العريق إرضاء لوالده، وبدأ حياته السياسية مع معلمه السياسي الأول نجم الدين أربكان وعمل في ثلاثة أحزاب دينية، الأول كان حزب السلامة الوطني، والثاني كان حزب الرفاه، والثالث كان حزب الفضيلة. والثلاثة قام بحظرها الجيش وانتهت هذه الفترة في حياته بسجنه أربعة أشهر عام 1997 بتهمة معاداة العلمانية إثر إلقاءه أبيات شعر في خطاب له للشاعر التركي “ضياء غوك ألب” منها.
مآذننا حرابنا .. قبابنا خوذاتنا ..مساجدنا ثكناتنا …. هذا الجيش المقدس يحرس ديننا .. الخ .
ومن هنا كان التحول الثاني في حياته فلقد خرج من سجنه بفكر ورؤية جديدة للعمل السياسي بدأها بتركه العمل مع معلمه نجم الدين أربكان وقيامه بتأسيس حزب جديد سماه حزب العدالة والتنمية، وبدأ يعمل جاهدا علي نهضة تركيا. وبالفعل فلقد أصبحت تركيا في عهده من أقوى الاقتصادات في العالم، وتحولت من مدينة إلى دائنة، ودخلت نادي العشرين الكبار في العالم. وبالإضافة للعمل التنموي كان العمل على تحقيق العدالة اتساقا مع اسم حزبه، فمد يده بالسلام مع المظلومين الأكراد الذين عانوا لثلاث عقود من الظلم والاضطهاد.
وقال نصا في خطبته (لا تبحثوا عن وطن للأكراد فالجمهورية التركية هي وطنهم).
ولم يتوقف دفاعه ونصرته لأبناء وطنه فقط وإنما امتدت إلى الشعب صاحب الحق المضطهد شعب فلسطين، ففي 29 يناير عام 2009 غادر أردوغان مؤتمر دافوس معترضا على عدم إعطائه الفرصة كاملة للرد على الرئيس الإسرائيلي آنذاك شمعون بيرز، حيث كان الأخير يتحدث مبررا حرب إسرائيل على غزة واعتدائها على شعب فلسطين، وقاطعه أردوغان مدافعا عن الشعب الفلسطيني بادئا حديثه بمقاطعة الرئيس الإسرائيلي بجملة (ONE MINUTE) .
وبالإضافة لهذه الإنجازات كلها بات الحلم قريب المنال وكان الاتحاد الأوروبي على الأبواب.
وبينما كان كل هذا أتت الرياح بما لا تشتهي السفن، وكان التحول الثالث، فلقد تحول الأمر من مرحلة بلا مشاكل إلى مرحلة مشاكلها بلا حدود حتى اندلعت المظاهرات ضد الحكومة التركية عام 2013 التي قابلتها الشرطة بالقوة المفرطة، وتعاظمت المشكلات مع روسيا بعد إسقاط طائرتها عام 2015، وتوترت العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، وانهارت عملية السلام مع الأكراد عام 2015، وعاد العنف إلى تركيا وخاض الجيش التركي حربا طاحنة في المدن التي بها غالبية كردية، وكان طبعيا في هذا الحال أن يتراجع الاقتصاد التركي، وما زاد الطين بلة حينئذ وصول المفاوضات للانضمام للاتحاد الأوروبي إلى طريق مسدود.
وكان التحول الرابع والأخير هو ما بدأ عام 2016 إثر بداية الفصل الأول من قصة الانقلاب المفبرك أو المزعوم وما تبعه من تحولات في تاريخ تركيا، أبرزها وأهمها كان تحول شركاء وأصدقاء الأمس إلى أعداء (أفراد حركة العالم الفاضل محمد فتح الله كولن) ما لذنب إلا أن اختاروا أن يقولوا كلمة الحق في وجه الحاكم عندما وجدوه بدأ يجور ويفسد في وطنه.
وهنا يثار السؤال المحير ما الذي حدث بالضبط!!؟ وما سر هذا التحول العكسي في حياة أردوغان الذي بدأ في المرحلتين الأولى والثانية تحول نحو تقويم الذات والمسيرة في صالح صاحبه وصالح الوطن، إلى التحول في المرحلة الثالثة والرابعة بشكل عدائي ضد صاحبه وضد الوطن!!؟
الإجابة باختصار الرئيس أردوغان بدأ حاكما صالحا وتحول إلى فاسد مستبد ..
وينفي أردوغان صحة هذه الإجابة، ففي أثناء حديثه لقناة الجزيرة في برنامج المقابلة وجه له المذيع السؤال قائلا: “ألست ديكتاتوريا أو مستبدا كما يقال عنك؟ فكانت إجابته بعد ارتباكه الذي بدا ظاهرا: “الغرب هو من يسعى ليحول القناعات إلى هذه النقطة وإنما المسلم لا يمكن أن يكون ديكتاتورا!”
ومن هنا من دائرة الإسلام أرى أنه ينطبق عليه الوصف القرآني الذي ذكر في سورة الكهف (الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا)
أما عن رأي العلم في هذا التحول والسبب في ذلك الظلم والاستبداد الذي يمارسه أردوغان ضد شعبه، فيجيب عالم الطب النفسي الدكتور أحمد عكاشة عضو المجلس التنفيذي لليونسكو فيقول:
“يتضح من سلوك أردوغان وأفعاله أنه يعاني من (مرض متلازمة السلطة)،وقد أتى بهذا التوصيف طبيب الأمراض العصبية والنفسية ووزير خارجية بريطانيا السابق دايفيد أوين في كتابه (THE Hubris SYNDROME) الذي نشر عام 2007، والمقصود بهذا المفهوم أن أي أحد يحكم أكثر من 8 سنوات تتغير شخصيته بحيث يشعر بأنه مبعوث العناية الالهية لإنقاذ هذا البلد وأن المساءلة لله وللتاريخ فقط أما الشعب فليست من حقه مساءلته وأن أي أحد ينقده يكون خائنا.
ويحمل هذا المفهوم أوصافا أخرى في الشخص (كتبلد وتناقض العواطف) مثال: أن يقبل طفلة وفي ذات الوقت يكون قاتلا.
وأيضا (ضلالات العظمة) بمعنى تضخم الذات إلى أقصى حد، وهنا تتحول لذة السلطة لدى هذا الحاكم إلى لذة لا تضاهيها لذة وأقوى من لذة الهيروين ولا يمكن أن يترك السلطة إلا أن يموت أو يقتل ..
أود أن أذكر بأن هناك تحولا خامسا ولكنه لم يحدث بعد ولكن كاتب السطور من منطلق إنسانيته وتفضيله دوما للسلام يأمل أن يحدث هذا التحول والذي يتمثل في أن يعود أردوغان لصوابه ويحق الحق ويصلح ما أفسده ويتعلم من التاريخ قبل أن ينفذ فيه حكمه وتدور عليه الدائرة ..
دامت أوقاتكم عامرة بالحب والسلام ..