منى سليمان*
(زمان التركية)- مرت العلاقات التركية – الأمريكية خلال عام 2019 بواحدة من أسوء مراحلها على الإطلاق حيث ساد الإضطراب تحالفهما الوثيق، وكثرت القضايا الخلافية التي تصدرها التدخل العسكري التركي في شمال شرق سوريا والدعم الأمريكي المستمر لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والقوات حماية الشعب الكردية المنضوية بها، وإصرار أنقرة على شراء صفقة صواريخ (اس 400) الروسية وما يتبعه من تعزيز التعاون العسكري الوثيق بين روسيا وواحدة من أهم دول الناتو (تركيا)، وغيرها من الملفات الخلافية (قضية الأرمن، تراجع الحريات والديمقراطية بتركيا، الإختراق التركي للعقوبات على إيران)، وفي محاولة أخيرة خلال العام الحالي لاحتواء هذه الخلافات المستمرة قام الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” بزيارة للعاصمة الامريكية واشنطن يوم 13 نوفمبر 2019، وعقد خلالها مباحثات مع نظيره الأمريكي “دونالد ترامب”، ورغم الترحيب الشخصي من قبل “ترامب” بضيفه التركي إلا أن الزيارة فشلت تماما في التوصل لحل لأيًا من القضايا الخلافية بين أنقرة وواشنطن، هذا الفشل سيصبح له أبعاد ثنائية تنعكس على العلاقات التركية الامريكية، وغيرها إقليمية ستنعكس علي جمة من الملفات بالشرق الأوسط وشرق أوروبا، لاسيما ملفي اللاجئين واستمرار التنسيق والتعاون بين أعضاء حلف “الناتو”.
أولا : مؤشرات فشل قمة “ترامب – أردوغان“:
يمكن التوقف عند عدة مؤشرات تؤكد فشل القمة الأمريكية التركية التي كان يعول عليها كثيرا في تقريب وجهات النظر المتباعدة بين أنقرة وواشنطن مؤخرًا .. فموعد القمة قد تم تغييره أكثر من مرة فقد كان مقررا لها في أبريل/ نيسان العام الحالي ثم أرجأت لسبتمبر/ أيلول من نفس العام وأخيرا نفذت في نوفمبر/ تشرين الثاني، ورغم ذلك فقد تعالت الأصوات من قبل أعضاء بالكونجرس الأمريكي المطالبين بضرورة إلغاء القمة وعدم إستقبال “أردوغان” في البيت الأبيض بعد إستخدامه أسلحة محرمة دوليًا ضد الأكراد في سوريا، بيد أن “ترامب” هاتف “أردوغان” يوم 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019 وجدد دعوته لإستقبال الأخير، كما أن الزيارة تعد من أقصر الزيارات التي قام بها “أردوغان” لواشنطن حيث استغرقت 30 ساعة فقط وكانت زياراته السابقة تمتد لعدة أيام ويعقد فيها العديد من اللقاءات بيد أن جدوله إقتصر علي لقاء “ترامب” وخمس أعضاء بالكونجرس الأمريكي فقط.
محادثات متوترة بلا نتائج معلنة: لم تسفر القمة عن أي نتائج تذكر أو الإعلان عن حل أيا من القضايا الخلافية أو توقيع أي اتفاقية جديدة، لاسيما اتفاقية التجارة الحرة التي يرغب أردوغان اتمامها مع واشنطن بقيمة 100 مليار دولار، ورغم إشادات “ترامب“ المتكررة بالتحالف الوثيق مع تركيا في إطار حلف “الناتو” وإشادته “بأردوغان” كرئيس وقوله أنه من أشد المعجبين به، بيد أن فعاليات الزيارة لم تكن بالود والترحاب الذي ظهر خلال المؤتمر الصحفي للرئيسين “ترامب – أردوغان” حيث أن محادثاتهما المغلقة التي استغرقت ساعة وربع شهدت التوتر والمشادات بين الطرفين ووجه “ترامب” حديث حاد لضيفه التركي، وحضر المحادثات المغلقة 5 من نواب الكونجرس الأمريكي، من بينهم السيناتور الجمهوري “لندسي جراهام” المعروف بإنتقاداته الحادة لتركيا في الفترة الأخيرة. وقد تعمد الرئيسين أن يظهر المؤتمر الصحفي لهما بهذا المظهر المفتعل من الترحاب والود بينهما رغم مخالفته للحقيقة، حتى يحقق كلا منهما مكاسب داخلية “فترامب” يرغب في أن يظهر كرئيس ناجح وممسك بملفات السياسة الخارجية لاسيما الملف السوري الذي أصبحت فيه موسكو الفاعل الدولي الأول، بينما يرغب “أردوغان” أن يظهر كالمنتصر في عمليته العسكرية بسوريا (نبع السلام) وذلك رغم أن جملة الخلافات بين أنقرة وواشنطن تتعدى حدود الملف السوري وتتسع الفجوة بينهما كثيرا . وقد ذكرت مصادر أمريكية أان المحادثات المغلقة قد شهدت مشادة كلامية بين “أردوغان” و”جراهام” بعدما حاول الأول إقناع الإدارة الأمريكية بأنه لا يعادي الأكراد من خلال عرض (مقطع فيديو) يظهر عمليات تعذيب مزعومة نفذها عناصر في وحدات “حماية الشعب الكردية”، بيد أن “غراهام” أكد له أن هناك فيديوهات مماثلة عن جرائم الجيش التركي ضد الاكراد والسوريين ووصف عملية “نبع السلام” العسكرية التركية بأنها غزو للأراضي السورية، الأمر الذي أغضب “أردوغان”، ولم يعلق الرئيس الأمريكي على هذه المشادة بينهما.
وربما رغب “ترامب” الذي أصر علي حضور خمس أعضاء بالكونجرس جلستة المغلقة مع نظيره التركي في إظهار أنه ليس المتحكم الأول في العلاقات التركية الأمريكية وأن موقف الكونجرس ربما يكون له تأثير كبير لاسيما بعدما قرر الكونجرس الإعتراف بإبادة الأرمن على يد الجيش العثماني الأمر الذي إعترضت عليه تركيا، كما يصر الكونجرس على فرض عقوبات جديدة على تركيا حال قامت بتشغيل صواريخ (اس 400) وهدد وزيري الخارجية والدفاع الأمريكيين (مايك بومبيو، مارك إسبر) بذلك صراحة بل أن وزير الخزانة الأمريكي قد عرض لائحة بالعقوبات التي ستفرض علي أنقرة جراء التعنت والإصرار التركي على مخالفة كافة القوانين والأعراف الدولية.
وعلى مستوى أعضاء الكونجرس فقد دعا عددا منهم لعدم إستقبال “أردوغان” وفرض عقوبات على أنقرة ومن بينهم .. السيناتور الجمهوري “ميت رومني” الذي يكافح لتطبيق عقوبات على تركيا بسبب الخطوات التي تتخذها ضد المصالح الأمريكية ومصالح الأكراد في سوريا، ووصف “وجود أردوغان في البيت الأبيض في غير محله بالمرة”. والسيناتور “جون كورنين” الذي قال “أن أردوغان سيء بالنسبة لتركيا والناتو؛ لذلك أنا قلق، وأعتقد أن العقوبات على تركيا باتت وشيكة”. ومن الملاحظ أن البيت الأبيض تعمد تنظيم اللقاء بحضور نواب المجلس ليظهر ترامب لأردوغان أنه لا يدير كل شيء بنفسه، ويدفع انقرة لتقديم تنازلات أكبر في الملفات الخلافية بينهما.
هذا على المستوى الرسمي، إما على المستوى الشعبي فقد حظيت زيارة “أردوغان” لواشنطن بأكبر رفض شعبي وصحفي، حيث نظمت تظاهرات رافضة للزيارة من قبل الأرمن والأكراد للتنديد بالجرائم التركية في حقهم.
ثانيا: تنوع القضايا الخلافية:
أذن هناك إتفاق أن القمة فشلت وليس أدل على ذلك من تراجع صرف صرف العملة التركية الليرة أمام الدولار الامريكي بعد انتهاء اجتماع “ترامب – أردوغان”، نظرا لعجزهم عن حل أي قضايا الخلافية بين أنقرة وواشنطن تحتاج للمزيد من التفاوض والتنسيق والتشاور بين الحليفين بالناتو، مما يطرح التساؤل التالي هل بلغت الخلافات بينهما للحد الذي لن يتم معالجته؟ وما هي تلك الخلافات؟
–الملف السوري: شن الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” العملية العسكرية الثالثة في شمال شرق سوريا في 9 أكتوبر 2019 باسم “نبع السلام” رغم التحذيرات الأمريكية المتعددة منذ بداية العام له بعدم شن أي تحرك منفرد بهذه المنطقة التي تعد منطقة نفوذ أمريكي بسوريا تتركز فيها القوات الامريكية والقواعد العسكرية والفصائل المسلحة الكردية (قسد، حماية الشعب الكردية ، حزب العمال الكردستاني)، كما تتركز فيها آبار النفط السورية، ورغم ذلك فقد شن “أردوغان” عمليته العسكرية بعد اتصال هاتفي مع نظيره الروسي “فلاديمير بوتين” واحتل مدينتي (تل أبيض، راس العين) ثم توقفت العملية بناء علي اتفاقين .. الأول هو الإتفاق الأمريكي التركي يوم 17 أكتوبر 2019، ثم الإتفاق الروسي التركي يوم 22 أكتوبر 2019. وبناء علي الأخير يتم تقسيم السيطرة علي مدن الشمال السوري بين أنقرة ودمشق وموسكو. ولضمان تنفيذ الاتفاقين يتم تسيير دوريات مشتركة تركية – روسية، وتركية – أمريكية. فضلا عن نشر قوات الجيش السوري علي الحدود التركية السورية للمرة الأولي منذ 2012. بيد أن تلك الترتيبات الأمنية وتداعياتها السياسية لم تنه بعد، وسيكون هناك إتفاقات جديدة تلوح في الأفق لاسيما في ظل خرق أنقرة المتواصل لوقف إطلاق النار واستمرار القصف الجوي والبري للمدن الكردية بشمال سوريا، الأمر الذي آثار مخاوف دولية من عودة نشاط التنظيمات الإرهابية (كداعش) في ظل بيئة مواتية يتوفر فيها عدم استقرار سياسي وأمني. والمراقب للملف السوري يجد أن الإتفاقيات التركية الروسية أهم من نظيرتها التركية الأمريكية، حيث بدأت عملية “نبع السلام” بإتصال هاتفي من بوتين لأردوغان وأنتهت بإتفاق بينهما. بيد أن الموقف الأمريكي من سوريا متذبذب فقد أعلن “ترامب” سحب قواته مرتين خلال عام واحد ثم تراجع عن هذا الإعلان بناء علي نصائح مستشاريه الذين أكدوا له ضرورة بقاء تلك القوات هناك والعمل علي تقليص عددها فقط، للحفاظ على النفوذ الامريكي هناك مقابل النفوذ الروسي المتصاعد وقد برز ذلك مؤخرا من خلال سباق بناء القواعد العسكرية الذي شرعت فيه موسكو وواشنطن وأنقرة بشمال سوريا. فقد اعلنت موسكو بناء قاعدة بالقامشلي شمال سوريا لمراقبة القواعد العسكرية الامريكية بالشمال وكذلك بنبت تركيا قاعدة عسكرية في (رأس العين). ولم تقتصر الخلافات التركية- الأمريكية علي الترتيبات الأمينة بالشمال فقط. بل هناك ملف الدعم الأمريكي للأكراد الذي يطالب “أردوغان” بوقفه تماما، وهو ما رفضته واشنطن نظرا لدور “قسد” في هزيمة “داعش”، فضلا عن مطالبة “أردوغان” بتسليمه قائد قوات “قسد” اللواء الكردي “مظلوم كوباني” كونه إرهابي مطلوب أمنيا من قبل أنقرة، وهو ما رفضته واشنطن كذلك. كما تتهم الأخيرة أنقرة بإرتكاب “جرائم حرب” في سوريا وإستخدام أسلحة محرمة “كالفوسفور الابيض” وهي جرائم موثقة وفق بيانات وبعثات الأمم المتحدة. ولذا أعد الكونجرس لائحة عقوبات بحق أنقرة. ولذا فإن القمة لم تقدم أي جديد بشأن الخلافات المتعددة في الملف السوري.
–الصواريخ الروسية: أصرت أنقرة على شراء صفقة صواريخ روسية (اس 400) وبالفعل استلمت شحنيتن منها منتصف عام 2019 بيد أنها أرجأت تشغيلها لمدة عام، وقد اعترضت واشنطن على تلك الصفقة لأن أعراف “حلف الناتو“ تمنع أي دولة عضو فيه شراء أسلحة متطورة من روسيا لانها العدو المحتمل للحلف، وعلقت واشنطن مشاركة أنقرة في تصنيع مقاتلات (اف 35) ولوحت بفرض عقوبات عليها حال تشغيل الصورايخ، وأكد “إردوغان” أن بلاده لا يمكنها التخلي عن منظومة (إس 400) الروسية للدفاع الجوي ويأمل التوافق حول واشنطن حول هذا الملف، وأكد أن هناك “جهات معارضة للرئيس الأميركي دونالد ترمب تسعى لإفساد العلاقات بين أنقرة وواشنطن”، وفي 16 نوفمبر 2019 أعلن رئيس إدارة الصناعات الدفاعية التركية “إسماعيل دمير” أن تركيا اشترت منظومة (إس 400) من روسيا بغرض استخدامها وليس تخزينها، وهو الاقتراح الذي قدمه ترامب لحل الازمة. بيد أنه يصعب التطبيق فكيف تشتري أنقرة صفقة صواريخ بـ 100 مليون دولار وتخزنها ولا تستخدمها. ولذا أوضح “إبراهيم قالن” المتحدث باسم الرئاسة التركية إن بلاده يمكنها استخدام منظومة صواريخ S-400 الروسية بشكل منفصل دون دمجها بمنظومة الدفاع التابعة لحلف شمال الأطلسي “الناتو”. وذلك بعدما أعلن عن بدء المباحثات التركية الامريكية من يوم 15 نوفمبر الجاري للتوصل لحل لتلك الأزمة بقيادة “كالن” ومستشار الامن القومي الامريكية “أوبراين”.
–حلف الناتو“: لاشك أن الحلف يمر بأزمة بنيوية حادة بين أعضائه بعد تصريحات الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” التي انتقد فيها السلوك الامريكي المتجاهل لشركائه بالحلف، وكذلك انتقد الاحتلال التركي لسوريا، وتسأل عن موقف الحلف حال قرر الرئيس السوري “بشار الأسد” رد الهجوم التركي بشن هجوم مماثل لإستعادة أراضيه المحتلة؟! فوفق المادة الخامسة من معاهدة الحلف “تجبر كل الدول الاعضاء بالحلف على التضامن مع أي عضو يتعرض لاعتداء عسكري خارجي”. وهذا الموقف الفرنسي أغضب “ترامب” و”أردوغان” حيث وصف الرئيس التركي موقفه بـ”غير المقبول” وكذلك “ترامب”. بيد أن الموقف الفرنسي عقلاني ويستند لدلائل ثابتة ويطرح تساؤل هام .. عن مستقبل عضوية تركيا في الحلف وهي تتجاهل كافة بنوده حيث تشن هجوم على دولة ذات سيادة، وتشترى اسلحة من روسيا؟ وتثير التوترات المستمرة مع شركائها الاوروبيين داخل الحلف، فهل تستمر تركيا كعضو في حلف الناتو؟
–تسليم “كولن“: شكر “ترامب” في المؤتمر الصحفي “أردوغان” على إطلاق الأخير سراح المواطن التركي الأمريكي عالم الفضاء في وكالة ناسا “سركان غولج” من السجن في أنقرة. بعدما قضى 3 سنوات بالسجن بتهمة ارتباطه بالمفكر الاسلامي المقيم بولاية بنسلفانيا الامريكية منذ 20 عام “فتح الله كولن” ، الذي تتهمه أنقرة بتديبر الانقلاب الفاشل في 15 يوليو 2016، بيد أنه ينفي ذلك الاتهام الكاذب ويدعو لاجراء تحقيق دولي في ملابسات الانقلاب. وهذا ما يرفضه “أردوغان” ويجدد مطالبته لواشنطن بضرورة تسليمه “كولن” وهو ما ترفضه الادارة الامريكية لان أنقرة لم تقدم أي أدلة قانونية ملموسة تدينه.
– خرق العقوبات الإيرانية: أعلن “أردوغان” مرارا أنه لن يلتزم بالعقوبات الأمريكية علي إيران حرصا على الإقتصاد التركي والإيراني، حيث شهدت السنوات القليلة الماضية مضاعفة حجم التبادل التجاري بينهما. بيد أن ذلك تم بطرق غير قانونية من خلال خرق العقوبات الدولية على طهران مما يعرض أنقرة للمساءلة الدولية. وهو ما يتم بالفعل حيث أدين في واشنطن رجل الأعمال الإيراني التركي المتهم بقضايا فساد بأنقرة “رضا ضراب” لإتهامه في قضايا تتعلق بخرق العقوبات الأمريكية الإقتصادية المفروضة على إيران وهي القضية المعروفة باسم “بنك خلق”، وخلال التحقيقات تبين أن “ضراب” متورط مع الحكومة التركية نفسها وأفراد من عائلة الرئيس “أردوغان”، ومازالت القضية قيد المحاكمة. هذا فضلا عن رفض واشنطن للعلاقات المتميزة بين تركيا وإيران والتنسيق والتشاور المستمر بينهما في عدة قضايا لا تصب في المصالح الامريكية ومنها الملف (السوري، العراقي، محاربة الأكراد، دعم جماعات الإسلام السياسي بالشرق الاوسط)، فضلا عن الموقف التركي الغامض من بسط النفوذ الايراني بالدول العربية وهو ما أعلن “ترامب” أنه سيعمل على تقليصه.
–التقرير الأمريكي حول الإرهاب لعام 2018: أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية تقريرها الخاص بالإرهاب لعام 2018، وذكرت فيه أن تركيا لا تزال تعتبر دولة “ترانزيت” للمقاتلين الإرهابيين الأجانب الراغبين في الانضمام لداعش، وهو ما اعترضت عليه انقرة وطالبت بتصنيف حركة “الخدمة” (حركة مجتمع مدني منتشرة في 160 دولة بالعالم) وملهمها “فتح الله كولن” بالإرهاب. وأوضح التقرير أن الحكومة التركية تجري اعتقالات في حق المواطنين الأتراك والمواطنين الأمريكان والأتراك العاملين في البعثات الدبلوماسية الأمريكية داخل تركيا بتهمة الانتماء لحركة الخدمة، بالرغم من عدم وجود أدلة كافية ضدهم. وأشار إلى أن تركيا تستخدم مصطلح الإرهاب من أجل تقويض حرية التعبير وحرية الرأي وحق التجمع إلى تهمة لملاحقة محبي الحركة. ولفت التقرير إلى أن مصادر تركية أكدت وجود 70 ألف شخص بقائمة المحظورين من دخول تركيا، وأن تركيا رحلت 6 آلاف آخرين من أراضيها بتهمة الانتماء لتنظيمات إرهابية.
–قضية إبادة الأرمن: أقر مجلس النواب الأمريكي في 29 أكتوبر 2019 الاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن علي يد جيش الدولة العثمانية أبان الحرب العالمية الأولى، ونالت الوثيقة أغلبية 405 أصوات، فيما صوّت 11 نائبا ضدها. وترجع القضية الي عام 1915 التي قتل فيها أكثر من 1.5 مليون أرمني علي يد الجيش العثماني. وقد اعترفت بواقعة الإبادة الجماعية للأرمن في الدولة العثمانية 23 دولة، إضافة إلى البرلمان الأوروبي ومجلس الكنائس العالمي، فيما ترفض تركيا بشكل تقليدي هذه الاتهامات وتصر أنقرة كذلك على رفض مصطلح “الإبادة الجماعية” في وصف أحداث عام 1915، قائلة إن الأرمن والأتراك على حد سواء كانوا من ضحايا تلك الأحداث، داعية بالمقابل إلى تشكيل لجنة دولية من المؤرخين لدراسة الوثائق الأرشيفية المتاحة للخروج بنهج موضوعي لوقائع الحرب العالمية الأولى وما جرى خلالها.
بيد أن هناك دلائل تركية ثابتة على وقوع الابادة ضد الارمن، ففي نوفمبر 1918 ناقش البرلمان التركي آنذاك قرارا لتوجيه لائحة اتهامات ضد 3 البشوات من قادة الجيش التركي وعدد من معاونيهم. ومع حلّ السلطان للبرلمان مطلع ديسمبر من نفس السنة أوكلت مهمة ملاحقة هؤلاء المسؤولين السابقين لمحكمة عسكرية. ثم غادروا الأراضي التركية لألمانيا عام 1919، وحوكم الباشاوات الثلاثة غيابياً ووجهت إليهم تهم بإقحام البلاد في الحرب العالمية الأولى وارتكاب مذابح وفظائع بحق بعض الشعوب كاليونانيين والأرمن لتصدر في حقهم أحكام غيابية بالإعدام يوم 5 يوليو 1919. كما اتُهم قائد الجيش التركي آنذاك “جمال باشا” (لقب بجزار الشام من فداحة الجرائم التي ارتكبها) بالمشاركة في إبادة الأرمن حيث كانت “مسيرات الموت” التي ضمت الأطفال والنساء والشيوخ تنتهي بإبادات وانتهاكات بمناطق قابعة تحت سيطرته “كدير الزور بالشام”. وهذا دليل واضح من حكومة تركية عيل ارتكاب هذه المذابح.
وقد أنكر “أردوغان” ذلك خلال مؤتمره الصحفي مع “ترامب” إن “القرارات التي اتخذها مجلس النواب الأمريكي تلقي بظلالها على العلاقات التركية الأمريكية وتثير رفض شعبي لان هذه الأحداث وقعت قبل 104 أعوام ولا يجب أن يتخذ السياسيون القرار بشأنها بل المؤرخون”.
رغم الموقف الامريكي الداعم للقضية الا ان السيناتور الجمهوري “ليندسي جراهام” بعد اجتماعه مع “أردوغان” استغل الاغلبية الجمهورية بمجلس الشيوخ وعرقل موافقة الكونجرس الأمريكي علي مشروع قانون الاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن وربما يعد ذلك المكسب الوحيد لأردوغان من تلك الزيارة.
ثالثا” مستقبل العلاقات التركية الامريكية:
ورغم حدة تلك الخلافات بين واشنطن وأنقرة خلال العام الأخير وتنوعها بين الإستراتيجي الذي يتعلق بعلاقتهم بحليفين في الناتو وتأثير العلاقات التركية الروسية علي ذلك، أو الإقليمية منها الذي يتعلق بالغزو التركي لسوريا، إلا أن “ترامب” يرحب ويشيد “بأردوغان” الأمر الذي يطرح تساؤلا عن سبب تلك العلاقات الودية بينهما؟ ويمكن الإجابة على ذلك التساؤل من خلال شقين الأول شخصي ويتعلق بما كشفت عنه صحيفة” نيويورك تايمز” الأمريكية عن وجود علاقة خاصة بين الرئيسين “ترامب – أردوغان”، تعتمد علي علاقات الصداقة والعمل القوية بين صهري الرئيسين التركي فصهر أردوغان وزوج ابنته وزير المالية التركي “بيرات ألبيرق“ والثاني صهر ترامب ومستشاره جاريد كوشنر، وصديقهم الثالث “محمد علي يالجينداغ” صهر رجل الأعمال التركي الكبير “أيدين دوغان” شريك “منظمة ترامب للعقارات”. فقبل عشر سنوات دعا “يالجينداغ” “ترامب” وابنته لزيارة إسطنبول واقترح عليهما هناك بناء برجين تجاريين فيوافقان، بالفعل تم بناء برجي ترامب في إسطنبول ليصبحا أول برجين في أوروبا يحملان اسمه وتم الافتتاح بحضور ترامب عام 2012، ومنذاك الحين يدفع “يالجينداغ” عشرة ملايين دولار سنوياً لعائلة “ترمب”. مما أدى لتقارب وصداقة بينه وبين عائلة ترمب.
ثم ومن خلال علاقة الصداقة بين ” يالجينداغ” و”البيراق” وعلاقة الصداقة بين الاول وكوشنر يصبح “البيراق – كوشنر” صديقين مقربين تجمعهما المالح التجارية لدرجة أن كوشنر قد رتب لقاء بين “البيراق” وترامب في البيت الابيض خلال زيارة صهر الرئيس التركي لواشنطن منتصف العام الحالي وهو ما يخالف بروتوكولات البيت الابيض لانه نادرا ما يستقبل الرئيس وزير. وبهذا يكون الصهران قد حوّلا العلاقة بين دولتين كبريين إلى علاقة عائلية تجارية كما يقومان بإدارة العلاقات الأمريكية والتركية وفق مصالحهم وليس وفق المصلحة القومية التركية أو الأمريكية، ولذا نجد أن “ترامب – أردوغان” قد خالفا كافة الأعراف السابقة المتبعة في العلاقات التركية الأمريكية التي تعتمد علي مراعاة المصلحة القومية لكل دولة وليس المصالح الشخصية. ولذا فإن العلاقات التركية الامريكية يتحكم فيها حاليا الصداقة الشخصية القوية بين ترامب وأردوغان وطالما بقي الاول في منصبه ستبقي انقرة وواشنطن صديقان، بيد أن الأزمة الحقيقية التي ستواجه أنقرة بعد نهاية حكم ترامب، وهنا على القيادة السياسة التركية الاعداد لكيفية مواجهة تردي العلاقات مع واشنطن ومواجهة العقوبات التي ستفرض عليها
أما الامر الثاني الذي يحول دون إنهيار العلاقات التركية الامريكية هو أمر استراتيجي متفق عليه من قبل صانعي القرار بأنقرة وواشنطن ويتلخص في إنه .. من الصعب التضحية بعلاقات استراتيجيّة تمتد لأكثر من 70 عامًا بسبب خلافات آنية. ويتزعّم هذا الرأى بأنقرة صهر أردوغان ووزير ماليته “البيرق”، وكذلك في واشنطن يدافع عن هذا الرأى “كوشنر” فواشنطن تعتمد على “أردوغان” في القيام بمهام محددة مثل التواصل مع جماعات الاسلام السياسي، دعم أمن الخليج العربي وشرق أوروبا، وهي أقاليم مازالت تهتم بها واشنطن ولكنها تبتعد عنها تدريجيا مقابل صعود الدور الروسي فيها. كما يرى عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الداعمين “لترامب” الذين يرون أن معاقبة تركيا واتساع الفجوة بينها وبين واشنطن أكثر سيؤدي لتعزيز التعاون العسكري بين موسكو وأنقرة، وتداعيات ذلك لا يمكن لحلف الناتو بوضعه الحالي تحملها فالجيش التركي هو أكبر جيش بري بعد الأمريكي وتصاعد النفوذ الروسي بالشرق الأوسط وشرق أوروبا ربما ينذر بحدوث مواجهة مسلحة بين حلف الناتو وموسكو في أيا من هذين الاقليميين وهنا سيحتاج الحلف للقوة التركية. بيد أن التساؤل هل تركيا ستلتزم بمبادىء الحلف وتعادي موسكو؟ أم ستمتنع عن ذلك وتخالف قواعد الحلف؟!.
وهذا التساؤل يجب أن يجد “أردوغان” إجابة له، فلن يستطيع توثيق علاقات استراتيجية وتعاون عسكري مع خصمين دوليين في آن واحد، وإجابته تلك إن وجدها هي التي ستحدد مستقبل العلاقات التركية الأمريكية، فإن رأى أن علاقاته مع موسكو أهم وأبقى فإن الخلافات ستستمر مع واشنطن، وإن وجد أن تركيا تنتمي للمعسكر الأوروبي الغربي فإن الخلافات التركية الأمريكية ستجد طريقها للحل.
–