برلين (زمان التركية) – طرح تقرير بحثي حديث أدلةً تدعم رواية “الانقلاب المسرحي” التي يصف بها قطاع كبير من الباحثين والمحللين التحرك العسكري الذي حدث في منتصف يوليو/ تموز 2016، وأثرت تبعاته على الحياة السياسية في البلاد منذ ذلك الحين بشكل واسع؛ كما تناول بعض الأحداث التي لا تعد أمورًا منطقية في إطار أي انقلاب عسكري.
التقرير الصادر اليوم الثلاثاء عن مركز (نسمات للدراسات الاجتماعية والحضارية)، بعنوان: “15 يوليو 2016 انقلاب حقيقي أم محاولة مفبركة.. ثلاث روايات محتملة” يستعرض ما تبع “محاولة الانقلاب” من سلسلة الإجراءات التعسفية بحق آلاف المواطنين، والتي بدأت بقمع الإعلام ومصادرة حرية الرأي، والتغوُّل على السلطة القضائية، ثم ملاحقة واعتقال وفصل المدنيين والعسكريين، وصولا إلى نقل نظام الحكم في البلاد من برلماني إلى رئاسي يجمع السلطات بيد رأس النظام، ما يعني أنه قوى في النهاية شوكة الرئيس رجب أردوغان.
التقرير طرح ثلاث روايات محتملة عن أحداث ليلة 15 يوليو/ تموز 2016، ودعم إحداها؛ وقال:
الرواية الأولى لأردوغان وحكومته، وتتلخص في أن الضباط المنتمين لحركة كولن -حركة الخدمة- في الجيش التركي قد انزعجوا من خبر تصفية وشيكة سيُقرُّها المجلس الأعلى للجيش التركي في أغسطس 2016م؛ واستباقًا لخطوة تصفية هؤلاء الضباط خططوا للقيام بالانقلاب.
الرواية الثانية للتحالف العريض والتي عبَّر عنها صحفيون ومراقبون دوليون، وتتلخص في أن تحالفًا واسعًا من ضباط الجيش أزعجهم استبداد أردوغان المتزايد وتقويضه للمؤسسات الديمقراطية والعلمانية للدولة التركية، مما دفعهم للتخطيط لانقلاب يُطيح بأردوغان واستعادة الديمقراطية والعلمانية التركية.
أما الرواية الثالثة فهي رواية التواطؤ التي تعني أن الانقلاب كان مؤامرة دبرها أردوغان وجهاز استخباراته وبعض القيادات العسكرية في القوات المسلحة التركية، الذين عملوا على تهيئة الأجواء لتوقع انقلاب عسكري، حيث عمل جهاز الاستخبارات بدءًا من خريف عام 2015م على نشر شائعات وترديد مزاعم عديدة في وسائل الإعلام المحلية والأجنبية بأن انقلابًا عسكريًّا أصبح وشيكًا، وبلغ مدى الشائعات حدًّا اضطرت معه هيئة الأركان العامة التركية إلى إصدار بيان غير مسبوق في 31 مارس 2016 تنفي هذه المزاعم.
وبالتزامن مع شائعات حدوث انقلاب وشيك، سرت في الجيش التركي أنباء عن مواجهات محتملة وعمليات إرهابية متوقعة، مما دفع العديد من الضباط إلى الاعتقاد بأنهم في ليلة 15 يوليو كانوا يواجهون تهديدًا إرهابيًّا حقيقيًّا، وهذا بالفعل ما صرح به العديد من الضباط أثناء الإدلاء بشهاداتهم.
“لم يكن انقلابًا حقيقيًّا!”
تحت هذا العنوان استعرض التقرير بعض الأحداث التي لا تعد أمورًا منطقية في إطار أي انقلاب عسكري والتي منها:
غياب القائد العسكري
فقد لاحظ المراقبون غياب القائد في محاولة انقلاب 15 يوليو، وهو ما لا يتلائم مع نمط الانقلابات العسكرية، والتي لا يمكن أن تكون بلا قائد.
الهجوم على مبنى البرلمان
حيث يُعدُّ قصف مبنى البرلمان عملاً غير منطقي، وله نتائج عكسية في أي انقلاب عسكري، فلو أن قادة الانقلاب يعارضون حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه أردوغان، فإن ممثلي بقية الأحزاب موجودون كذلك داخل مبنى البرلمان، كما أن البرلمان يمثل إرادة الشعب، ومن منظور عسكري فقد أدت عملية قصف البرلمان إلى إيحاء عكسي مفاده أن الجيش يعارض إرادة الشعب، وهو أمر لا يخدم الانقلابيين.
الهجوم على مقرات الشرطة
استهداف مقرات الشرطة ليس له أدنى مبرر في إطار أي انقلاب عسكري، سوى إثارة الشرطة ودفعهم إلى المواجهة، وهو ما يؤكد أن الانقلاب مصطنع.
الهجوم المزعوم على مقر إقامة أردوغان في مارماريس
ذكر التقرير إشكالين حول الهجوم المزعوم على مقر إقامة أردوغان في مارماريس، تؤكد أنه كان انقلابًا مفبركًا.
الإشكال الأول: أن القيام باغتيال أردوغان لن يساعد في تبرير الانقلاب بل سيحوله إلى بطل، وهذا ما كانت تحرص عليه كل الانقلابات السابقة في تركيا، حيث كانت تقوم باعتقال وتأمين الشخصيات السياسية البارزة تمهيدًا لخضوعهم للمحاكمة.
الإشكال الثاني: يتعلق بتوقيت الهجوم المزعوم، فالقوات الخاصة التي قامت بالهجوم على مقر أردوغان قد وصلت في تمام الساعة الثانية والثلث صباحًا، بينما كانت أول مقابلة تلفزيونية لأردوغان في تمام الساعة 00:04، في حين كان اللقاء الثاني مع محطة سي إن إن تورك والذي حظي باهتمام إعلامي واسع، وكان عبر تطبيق فيس تايم في تمام الساعة 00:24، وهذا يعني أن أردوغان قد غادر مقر إقامته قبل وصول الفريق العسكري بساعتين، مما يؤكد على أن أردوغان كان يعلم بأن هجومًا وشيكًا سيحدث على مقر إقامته.
استهداف المدنيين المتعمد
الاستهداف المتعمد للمدنيين خلال انقلاب 15 يوليو لم يسبق له مثيل في تاريخ الانقلابات العسكرية في تركيا، وقد ساعد هذا أردوغان في توظيف قتل المدنيين كعنصر رئيس في إيصال رسالة محاولة الانقلاب.
تواطؤ القادة السياسيين
أكد التقرير أيضًا تواطؤ القادة السياسيين من خلال أدلة واضحة وصريحة، كتضارب توقيتات علم أردوغان بالانقلاب في حديثه لوسائل الإعلام، وإبقائه على رئيس مخابراته هاكان فيدان في منصبه رغم فشله في توقع الانقلاب، واستبعاده لحارسه الشخصي، ورفضه دعوة كولن بعقد تحقيق دولي.
أهداف حققها أردوغان بفضل انقلاب 15 يوليو المزعوم
أشار التقرير كذلك إلى عديد من الأهداف الإستراتيجية التي حققها أردوغان بفضل 15 يوليو، وأبرزها:
عمليات التطهير والاعتقالات الواسعة لعناصر المجتمع المدني والبيروقراطيين، حيث تم فصل 2745 من أعضاء السلطة القضائية، واعتقالهم بعد ذلك، وتم عزل 120.00 موظف حكومي.
كما مكَّنت هذه الأحداث أردوغان من إكساب دعوته للنظام الرئاسي ذي الصلاحيات الواسعة مشروعية أكبر من ذي قبل، ومن ثم استطاع الوصول إلى غايته بعد استفتاء دستوري في أبريل 2017.
كان الجيش قبل هذه الأحداث قلعة محصنة يصعب على السلطة التنفيذية الاقتراب منها، فتمكن أردوغان من عزل المناوئين وإعادة هيكلة الجيش وفق أجندته، فقام بعزل 8.000 ضابط عسكري، وقام بعملية تعديل شاملة لنظام التعليم العسكري والتجنيد والترقية المرتبطة بالجيش التركي.
انقر لتنزيل التقرير (بي دي أق)