تقرير: محمد عبيد الله وعبد الله منصور
إسطنبول (زمان التركية) – زعم رئيس حزب الوطن اليساري المتطرف في تركيا دوغو برينجك المنتمي إلى “الدولة العميقة”، أن حزبه يدير تركيا منذ عام 2014 وليس نظام الرئيس التركي رجب أردوغان وحزب العدالة والتنمية الحاكم، الذي وصفه بأنه يخدم تحقيق مشروعهم.
دوغو برينجك الذي كان أحد أبرز المتهمين في قضية تنظيم “أرجنكون” -الدولة العميقة- قال في تصريحات أدلى بها أمس الإثنين لصحيفة (دي إندبندنت) البريطانية في نسختها التركية: “لقد قلت في 3 مارس 2014 إننا خرجنا من السجن كالسيوف المستلة من أغمادها وسنجتثّ كل الجماعات الإسلامية من جذورها.. وها نحن قد فعلنا ذلك بالفعل”، في إشارة منه إلى عمليات الاعتقال والفصل التي يتعرض لها موظفو الدولة منذ بدء فضائح الفساد والرشوة التي طفت إلى السطح في عام 2013 وتورط فيها عائلة ورجال الرئيس رجب طيب أردوغان.
وكان دوغو برينتشاك الذي حكم عليه في إطار قضية أرجينيكون -الدولة العميقة في تركيا-، ثم حصل على عفو من الرئيس رجب أردوغان بعد ظهور فضائح الفساد الشهيرة،تحدث عن أنهم تمكنوا من القضاء على حركة الخدمة وإعادة تركيا إلى جذورها الكمالية الأتاتوركية، بعد إفشال الانقلاب بحيث لم تعد تشكل مصدر تهديد لتركيا، على حد قوله.
كما اعترف برينتشاك، الذي تصفه سجلاتُ المحكمة التركية المكلفة بالنظر في قضية أرجينيكون بأنه ”fabricator”، أيْ “صانع أحداث مزورة لإثارة الفوضى والبلبلة في البلد الذي يعيش فيه لصالح دولة أخرى”، كما ذكر برينتشاك أن عمليات التصفية في صفوف الجيش التركي جرت وفق قوائم أعدها حزبه.
أردوغان ينفذ مشروعنا
برينجك زعم أن حزب الوطن الذي يقوده لا يدعم حزب العدالة والتنمية الحاكم، وإنما الرئيس أردوغان وحزبه الحاكم من يدعمهم.
وهي تصريحات مشابهة لما قاله في عام 2015 تعليقًا على التصفيات الجماعية التي استهدفت أجهزة الأمن والقضاء المشرفة على تحقيقات الفساد والرشوة “لسنا من ذهبنا إلى أردوغان وعقدنا معه تحالفًا، وإنما هو جاء إلينا وتبنى مشروعنا الخاص باجتثاث جذور جماعة فتح الله كولن وجميع الجماعات الأخرى”.
وأضاف برينجك في صريحة لصحيفة (إندبندنت): “نحن لا ندعم النظام الحالي. ولكن أصحاب السلطة هم من يدعموننا. انظروا إلى ما حدث من تغيرات منذ عام 2014. حركة الخدمة ألقت بنا في السجون، ونحن انتقمنا منها وألقينا بالمنتمين إليها في السجون بدلاً منا. وكانت الحكومة تجري مفاوضات سلام مع حزب العمال الكردستاني من أجل تسوية المشكلة الكردية، أما الآن فالعناصر الإرهابية تحت نيران القوات الأمنية والعسكرية ويتم دفنها في الخنادق. كما أنه سيصدر قريبًا قرار بحل حزب الشعوب الديمقراطي الكردي المتعاون مع العمال الكردستاني.”
تصفية 30 ألف عسكري بالجيش
وتابع برينجك: “كانت الحكومة على صلة قوية بالإدارة الأمريكية وتدير مشروع الشرق الأوسط الكبير. ولكنها الآن تحولت إلى حكومة تقاوم في وجه مشروع الشرق الأوسط الكبير، وأن دور تركيا في حلف شمال الأطلسي الناتو انتهى. ومن جانب آخر كانت علاقاتنا مع روسيا وإيران سيئة، والآن بيننا صداقة، ويلتقي مسؤولو البلدان الثلاثة في قمة الأستانة. كانت الحكومة استسلمت للإملاءات عليها في شرق المتوسط، ولكنها الآن تقف في وجه أمريكا وإسرائيل”، على حد تعبيره.
وأكد برينجك في تصريحاته الجديدة أن تركيا قبل 2014 كانت خاضعة لحلف الناتو والغرب، أما بعد 2014 فقد أصبحت تابعة للحلف الأوراسي.
يأتي ذلك بعدما قال في اجتماع عقده مع كبار المسئولين الإيرانيين بطهران عام 2017 حول التصفيات الشاملة في الجيش وأجهزة الدولة الأخرى بأنهم مَنْ أعدوا قوائم الأسماء التي تمت تصفيتها وأنهم استطاعوا تصفية “30 ألف جنرال/وعسكري كانوا موالين للناتو” بعد الانقلاب الفاشل.
ووصف برينجك الفترة التي تمر بها تركيا اعتبارًا من عام 2014 بأنها “الربيع التركي”، قائلًا: “الأهم من كل ذلك، هو فشل انقلاب 15 يوليو/ تموز الأمريكي. كانت أمريكا تفعل ما تشاء من انقلابات مثل 1971 و12 سبتمبر/ أيلول 1980. كل هذه الأحداث تظهر أن تركيا دخلت مرحلة مختلفة تمامًا بعد ربيعها في 2014. أما النقطة الحاسمة هي هدمنا لأسوار سجن سيليفري وخروجنا منه”.
حظر الحزب الكردي
وشدد برينجك في حواره على أن حزب الوطن اليساري يشارك حزب العدالة والتنمية في السلطة والحكومة، قائلًا: “نحن شركاء النظام في إدارة البلاد. الإعلام الأمريكي والألماني كله يقول ذلك. نحن لسنا في تحالف مع حزب أردوغان، ولكن الحكومات تقف وراء حزب الوطن، لأنه يقوم بحل مشكلات تركيا باستراتيجياته وبرامجه. إن أردوغان لم يعد يحكم البلاد منذ عام2014. بل الجيش والشرطة والمصنعون وحزب الوطن هو من يحكمون أردوغان”.
وفيما يتعلق بالأحزاب المعارضة، قال برينجك عن حزب الشعوب الديمقراطي الكردي: “بالتأكيد سيتم حظره وحله. هذا ما يجب أن يحدث؛ لأنه فرع حزب العمال الكردستاني داخل البرلمان التركي. فهو تنظيم يجمع الأموال ويستقطب الأشخاص لحزب العمال الكردستاني”.
أما فيما يتعلق بالعلاقات المتوترة بين تركيا ودول حلف شمال الأطلسي (الناتو)، التي كان أبرزها الأزمة المندلعة جراء حصولها على منظومة الدفاع الجوي الصاروخية الروسية S-400، قال برينجك: “انتهى عصر التحالف مع الأطلنطي، والآن تركيا تأخذ مكانها في الحلف الأوراسي. نحن نعيش في حالة حرب مع أمريكا”.
الانضمام للمحور الروسي
يذكر أن برينجك كان قد قال خلال حملته الانتخابية لخوض انتخابات رئاسة الجمهورية في يونيو/ حزيران 2018، إنه متحالف مع الرئيس أردوغان، وأن برنامجه الانتخابي يتضمن خروج تركيا من حلف الناتو، ودخولها في الحلف الأوراسي ومنظمة شنغهاي للتعاون.
وأردف برينجك أنه بالإمكان وقف التهديدات الخارجية لتركيا بالتعاون مع دول أوراسيا: “تركيا تتكامل مع أوراسيا في بلوغ الحضارات المعاصرة.
حزب الوطن هو الحزب الوحيد الذي يتعهد في برنامجه بدخول منظمة شنغهاي للتعاون، فحزب العدالة والتنمية يطرق باب المنظمة لكنه عاجز عن الحصول على رد إيجابي. نحن سنحقق هذا الهدف”.
برلماني يكشف الخطة منذ سنوات
وكان الصحفي والنائب البرلماني عن حزب الشعب الجمهوري “باريش ياركاداش” قال في تصريحات أدلى بها في ديسمبر/كانون الأول 2015: “إن أردوغان أجرى مساومة مع الضباط والعسكريين لكي يضمن بقائه في القصر الرئاسي. وبموجب هذه المساومة تم إغلاق ملفات الفساد والرشوة في 2013، والإفراج عن جميع المعتقلين من الضباط والعسكريين في إطار قضايا أرجنكون. وتضمنت هذه المساومة أيضًا إعلان الحرب على كل من حركة فتح الله كولن والأكراد (حزب الشعوب الديمقراطي الكردي)”.
https://twitter.com/tolgademir96/status/1176319267685457920
أردوغان في الواجهة أرجنكون خلف الستار
في حين أن الأستاذة الدكتورة سراب يازيجي لفتت في ندوة بعنوان: “مشكلة تركيا التي تعاني منها الديمقراطية” عقدت في بداية شهر سبتمبر/ أيلول الجاري إلى أن تحليل الوضع الراهن في تركيا اليوم لتحديد مستقبل الديمقراطية فيها انطلاقًا من الرئيس أردوغان الذي يقود دفة الحكومة في الظاهر خطأ واضح، ثم فصلت قائلة: “على الرغم من أن أردوغان من يظهر في الواجهة، إلا أن مدبري انقلاب 28 شباط 1997 (أعضاء تنظيم أرجنكون)، الذين زعموا أن حكمهم في البلاد سيتمر ألف عام، هم من يحكمون ويديرون تركيا في الوقت الراهن. لذلك من غير الممكن أن نعلم أي القرارات والإجراءات تصدر من إرادة أردوغان الحرة وأيها تملى عليه من قِبل هؤلاء وهو يجريها تنفيذًا للمهمة المسندة إليه.”
https://twitter.com/tolgademir96/status/1176167730950656008
ونوهت أ. د. يازيجي أن مدبير ومنفذي انقلاب 1997 الأبيض هم الذين يحددون مسار الحكومة خلف الستار، وأوضحت: “مدبرو هذا الانقلاب ينفّذون اليوم المخططات التي وضعوها في عام 1997 عن طريق أردوغان وحكومته المدنية في الظاهر. كل من الأكراد وحركة الخدمة وحزب الرفاه الإسلامي بقيادة نجم الدين أربكان (ملي جوروش) كانوا أهداف ذلك الانقلاب. غير أن المنشقين من حزب الرفاه تحت رئاسة أردوغان أسسوا حزب العدالة والتنمية ووصلوا إلى السلطة بشكل أو بآخر. وارتأى هؤلاء الانقلابيون (من أعضاء عصابة أرجنكون) أن توظيف واستغلال أردوغان وفريقه في تحقيق أهدافهم أكثر مصلحية من الحرب معهم”.
هل جاء الدور على أكل الثور الأبيض والأسود؟
ويشير مراقبون إلى أنه بما أن أعضاء عصابة أرجنكون المنفذون لانقلاب عام1997 تمكنوا من تهميش وإقصاء كل من حركة الخدمة والأكراد، فإن الهدف القادم لهم هو أردوغان وحزبه بعدما استغلوه في مهمة القضاء على الفئتين المذكورتين، ليكونوا بذلك قد حققوا أهدافهم الثلاثة في نهاية المطاف.
الجدير بالذكر أن الكاتب والمفكر المتخصص في الفكر الإسلامي والحركات الإصلاحية علي بولاج، المفرج عنه مؤخرًا بعد أن كان معتقلاً في إطار تحقيقات الانقلاب الفاشل، كان قال بُعيد نشوب خلاف بين حركة الخدمة وأردوغان في عام 2013 حيث ظهرت فضائح الفساد: “إن مرحلة إنهاء الوصاية العسكرية والدولة العميقة التي بدأت سنة 2002 انطلقت اليوم في الاتجاه المعاكس. وإن البؤرة البيرقراطية العميقة أو الدولة العميقة التي تدّعي ترتيب الكيان الموازي مؤامرة ضدها عبر قضايا أرجنكون الانقلابية، تحيك اليوم مؤامرة حقيقية لكل الجماعات والحركات الإسلامية وبمهارة فذة. الهدف الأول هو حركة الخدمة، باعتبارها لقمة صعبة، ثم يليها حزب العدالة والتنمية نفسه، ثم يعقبه الجماعات الإسلامية الأخرى واحدة تلوى أخرى، باعتبارها لقمة سهلة. صدقوني، ولا يساورنّكم أدنى شك في ذلك فإنه سيتم أكل الثور الأصفر أولاً، ثم الثور الأبيض، ثم الثور الأسود”.