تقرير: محمد عبيد الله
إسطنبول (زمان التركية) – قضت محكمة تركية بالإفراج عن ثلاثة معتقلين بتهمة “نصب مؤامرة لاعتقال أعضاء تنظيم السلام والتوحيد “الإيراني” الناشط في تركيا منذ عقود، بينهم المدعي العام السابق والكاتب والصحفي المعروف غولتكين أفجي.
وقضية نصب مؤامرة لـ”تنظيم السلام والتوحيد” بدأ التحقيق فيها عام 2014 واعتقل على إثرها 89 شخصًا ما بين موظف أمني ونائب عام وقاضٍ وكاتب من أصل 122 متهمًا.
وأصدرت محكمة الجنايات في إسطنبول أخيرًا حكمًا بالإفراج عن كل من المدعي العام السابق والكاتب في صحيفة “بوجون” المغلقة في عام 2015، جولتاكين أفجي، وأنصار دوغان، بالإضافة إلى رمضان جاندان، مع منعهم من مغادرة البلاد، وإخضاعهم لنظام المراقبة والتوقيع داخل مخفر الشرطة مرة واحدة أسبوعيًا.
وكان الكاتب جولتاكين أفجي يأتي على رأس الكتاب الذين سلّطوا الأضواء على تنظيم السلام والتوحيد الإيراني وكشفوا الغطاء عن فعالياته التخريبية في تركيا عبر مقالاتهم.
وتقول مصادر مطلعة إن الكاتب أفجي تعرض للتعذيب وسوء المعاملة في السجن من أجل انتزاع اعترافات من فمه بحيث تدهورت حالته الصحية، مشيرة إلى احتمالية إقدام السلطات على الإفراج عنه قبل أن يتوفى في السجن.
الخلفية التاريخية للتنظيم الإيراني في تركيا
كانت السلطات الأمنية كشفت عام 2000 الغطاء عن تنظيم إيراني يقوم بأنشطة استخباراتية في البلاد تحت اسم “تنظيم السلام والتوحيد” يتبع قوة القدس التي يقودها الحرس الثوري الإيراني، وأصدرت ثلاث محاكم عليا “ثلاث قرارات حتمية” في أعوام 2002 و2006 و2014 بأن تنظيم السلام تنظيم إرهابي ويزاول أنشطة مخابراتية وتجسسية لصالح إيران.
كما أن رئاسة شعبة مكافحة الإرهاب أدرجت اسم هذا التنظيم في المرتبة الـ11 في قائمة المنظمات الإرهابية الناشطة في البلاد، وكذلك ثبت بموجب قرارات قضائية أن هذا التنظيم هو الذي يقف وراء العديد من عمليات الاغتيال الصاخبة التي استهدفت الشخصيات السياسية والفكرية والإعلامية الشهيرة في تركيا، بينهم الكاتب والباحث المعروف أوغور مومجو، وأن ”الوسطاء” أو ”العملاء” الذين استخدمتهم إيران في تنفيذ عمليات التجسس والاغتيال لا يزالون حاليا يقبعون في السجون التركية لقضاء عقوبتهم.
لكن بعدما بدأت تحقيقات الفساد التي طالت أبرز رجال حكومة حزب العدالة والتنمية في عام 2013، زعم أردوغان أن المشرفين من الأمنيين والقضاة على تحقيقات تنظيم السلام والتوحيد، بالإضافة إلى المشرفين على تحقيقات تنظيم أرجنكون / الدولة العميقة الخاصة بالمخططات العسكرية الانقلابية ضد حكومات أردوغان بدءًا من عام 2003 حتى إلى عام 2007، منتمون إلى ما سماه “الكيان الموازي”، وأنهم دبروا مؤامرة ولفّقوا أدلة من أجل اعتقال أعضاء هذين التنظيمين، وذلك من أجل تطبيق النظرية ذاتها على تحقيقات الفساد والرشوة التي انطلقت في عام 2013 وطالته ونجله بلال، والتمكّن من الادعاء أن المشرفين على هذه التحقيقات هم أيضًا نصبوا مؤامرة ولفّقوا أدلة لاعتقال الوزراء بتهمة الفساد ومن ثم الانقلاب على الحكومة.
يأتي ذلك مع أن الإعلام الحكومي كان يأتي في مقدمة وسائل الإعلام التي نشرت أخبارا عن الجواسيس الإيرانيين في تركيا، وأنه قدّم أكبر الدعم لتحقيقات أرجنكون، معتبرًا إياها جهودًا رامية إلى القضاء على ما تبقى من الوصاية العسكرية في البلاد، وأن أردوغان نفسه قام بإقالة أربعة وزراء متهمين بالفساد والرشوة.
وبعد ظهور فضائح الفساد والرشوة عام 2013، أغلق أردوغان محاكم الجزاء الثقيلة التي كانت تعمل في البلاد منذ عقود، وأسس مكانها محاكم الصلح والجزاء الحالية، وعين فيها القضاة ومدعي العموم من أنصاره والموالين لإيران من التيار الإسلامي وتنظيم “أرجنكون” الإجرامي الانقلابي. ثم أسند مهمة النظر في ملفات الفساد إلى مدعي العموم إسماعيل أوتشار وعرفان فيدان وفضولي آيدوغان، وسحب ملفات “التجسس لصالح إيران” في إطار قضية “السلام والتوحيد” المذكورة من مدعي العموم الأصليين، بينهم عدنان تشيمان، المعتقل حاليا بتهمة الانتماء إلى حركة الخدمة، وأحالها إلى المعينين من طرفه، وهم بدورهم قاموا بواجبهم وأصدروا قرارًا بتبرئة جميع المتهمين بـ”الفساد” و”التجسس” لصالح إيران و”الانقلاب” على حكومته، ليتم أخيرا إطلاق سراح جميع “الفاسدين” و”الجواسيس الإيرانيين” و”الجنرالات والضباط” المتهمين في إطار قضايا أرجنكون الانقلابية، وذلك بموجب تعديلات قضائية أجراها أردوغان عام 2014.
ومن ثم أطلقت أجهزة الأمن “الجديدة” عملية ضد القياديين الأمنيين القدماء في 22 يوليو (2014)، أي في اليوم نفسه الذي أغلقت فيه قضية تنظيم السلام والتوحيد من قبل المدعي العام عرفان فيدان.
وعقب إنقاذ “الفاسدين” و”جواسيس إيران” وأركان “الدولة العميقة”، بدأت عمليات التصفية والإقالة الموسعة في كل أجهزة الدولة بحجة تطهيرها من أعضاء ما يسمى بـ”الكيان الموازي” ولا تزال تستمر اليوم هذه العمليات بحجة الانقلاب المسرحي.