القاهرة (زمان التركية)ــ شن الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط في الجلسة الافتتاحية لمجلس الجامعة العربية على المستوى الوزاري، هجومًا على إيران، وقال إن الخطر الأكبر الذي يهدد الأمن القومي العربي، هو “استمرار حالة الاحتراب الداخلي في بعض الدول العربية” والاستغلال الأجني لهذه الأحداث.
وانعقد مجلس أعمال الدورة 152 للجامعة العربية على المستوى الوزارى اليوم الثلاثاء بالقاهرة، برئاسة وزير الخارجية العراقي محمد علي الحكيم، الذي تتولى بلاده رئاسة للمجلس الوزاري.
وأكد أبو الغيط أن التوتر الأمني الداخلي في الدول العربية، فتح الباب أمام تدخل دول أخرى “تتلاعب بمصائرنا عبر تقسيم البلدان إلى ميلشيات متصارعة وطوائف متناحرة .. وما من غرضٍ لهذه التدخلات غير الحميدة سوى توسيع رقعة النفوذ، وإدارة معارك بالوكالة على أراض عربية تسيل فيها دماء عربية لأهداف لا يُمكن أن تحمل خيراً للعرب”.
وحول الأزمة في ليبيا قال أمين عام الجامعة العربية “دخلت المعارك العسكرية التي تشهدها المناطق المحيطة بالعاصمة طرابلس شهرها السادس.. إن المطلوب اليوم هو خفض فوري للتصعيد الميداني، والتوصل إلى وقف دائم وثابت لإطلاق النار، والعودة إلى المسار السياسي الذي ترعاه الأمم المتحدة”.
وبخصوص الوضع في اليمن رحب أبو الغيط بالحوار بين الأطراف المتحاربة، وقال “شهدنا انقسامات جديدة تهدد وحدة التراب اليمني التي نسعى جميعاً لصيانتها .. وفي هذا الخصوص، فإننا نُرحب بتجاوب الأطراف المختلفة مع دعوة المملكة العربية السعودية للحوار ووقف المواجهات المؤسفة التي آلمنا جميعاً اندلاعها في بعض محافظات الجنوب.. إن الجامعة تتمسك بخيار السلام في اليمن”.
أضاف مخاطبا إيران “لقد ظهر واضحاً خلال الفترة الماضية أن الطرف الحوثي لا يملك قراره وإنما يتلقاه من دولةٍ أخرى.. إننا نكرر الدعوة لإيران بأن ترفع يدها عن الساحة اليمنية .. وأن تكف عن دعم الميلشيات بالمال والسلاح، وأن تتوقف عن تحويل الأرض اليمنية إلى منصة لتهديد أمن واستقرار الدول المجاورة”.
النص الكامل لما جاء في كلمة الأمين العام لجامعة الدول العربية:
لقد اتخذت التدخلات الإيرانية في الشئون العربية صورة أكثر خطورة وتهوراً في الشهور الماضية.. إذ تجاوزت إشعال الأزمات داخل الدول إلى تهديد أمن الملاحة وإمدادات الطاقة في منطقة الخليج العربي.. وقد اجتمع القادة العرب في قمة مكة في آخر مايو الماضي لإدانة كافة الاعتداءات الإيرانية على مبدأ حرية الملاحة البحرية في المياه الدولية في الخليج العربي وخليج عمان.. ومعروض أمام مجلسكم الموقر مشروع قرار في هذا الشأن الذي يهم العرب جميعاً.
السيد الرئيس،
لقد كانت السنوات الثلاث الماضية زمناً ضائعاً بالنسبة للقضية الفلسطينية.. فبدلاً من أن ننخرط في عملية سلمية جادة وفق مرجعيات واضحة، وجدنا أنفسنا ندور في حلقات مفرغة من انتظار خطط يُعلن عنها ورؤى يجري التبشير بها، بينما الواقع على الأرض لا يبشر بخير أو يدعو للتفاؤل ..إن الخطة الوحيدة التي نراها تُنفذ اليوم للأسف هي خطة تصفية القضية والتضييق الشديد على أصحابها … تنطلق هذه الخطة من رؤية مقلوبة للوضع مفادها أن المشكلة تكمن في الشعب الخاضع للاحتلال، لا في القوة القائمة به، أو في واقع الاحتلال نفسه.
وهكذا يتصور أصحاب هذه الرؤى أن الضغوط على الفلسطينيين والتضييق عليهم، كفيلةٌ بحملهم على القبول بما لم يقبلوا به في السابق.. وعوضاً عن العمل على إنهاء الاحتلال –وهو جوهر النزاع منذ عام 67- يصر بعض الأطراف على معالجة القضية بتقويض أركانها الرئيسية التي تحظى بإجماع دولي .. لقد مرَّ ما يقرب من العامين على اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل.. فكم من الدول حذت حذوها؟.. دولة أو دولتان .. إن الإجماع الدولي لا زال راسخاً في شأن كون القدس الشرقية أرضاً محتلة وقضية من قضايا الحل النهائي، لا يجري حسمها بالإعلانات الأحادية ولا بنقل السفارات والمكاتب التمثيلية إليها.
لقد قطعت الولايات المتحدة تمويلها عن الأونروا فتداعت الدول لسد الفجوة التمويلية.. وتحاول اليوم أن تلتف على التفويض الممنوح للوكالة بموجب قرار دولي صادر عام 1949 .. ويقيني أن التصويت على تجديد التفويض في شهري نوفمبر وديسمبر القادمين سيعكس الإجماع العالمي الرافض لإنهاء دور الوكالة في إعاشة 5.5 مليون فلسطيني، أو التلاعب بصفة اللاجئ لتفريغ قضية اللاجئين من مضمونها.
السيد الرئيس..
إن لدى إسرائيل في اللحظة الحالية غطاء سياسياً توفره لها الولايات المتحدة، بما يمكنها من الاعتداء على الأراضي العربية في بعض دول المنطقة كما شهدنا خلال الأسابيع الماضية… إنه نوع من اللعب بالنار وسلوك استعراضي لا غرض من ورائه إلا الدعاية الانتخابية.. ونحذر من أن استمرار مثل هذه التصرفات الهوجاء يهدد بإشعال المنطقة بصورة لن تكون في صالح أمن أو استقرار أي طرف.
وفي سوريا نجد أن بعض القوى الإقليمية التي تسعى إلى اغتنام الفرص، وتحقيق مكاسب على حساب العرب في لحظة مرتبكة، تُمارس نوعاً من الانتهازية السياسية التي ستترك آثارها في ذاكرة الشعوب قبل الحكومات .. إن الحل في سوريا لا يكون بتقطيع أوصال الوطن السوري إلى مناطق نفوذ تحت هيمنة أجنبية.. وإنما بتسوية شاملة على أساس القرار 2254 تضمن للوطن وحدته وتكامل ترابه.. وتُعطي السوريين جميعاً، في داخل الوطن وخارجه، الأمل في أن الوطن السوري سيعود حاضناً لكافة أبنائه بلا إقصاء .. وبغض النظر عن انتمائهم السياسي أو الديني طالما لم ينتهجوا الإرهاب سبيلاً .. إن هذا هو المشروع السياسي الوحيد الذي يقود لاستعادة الوطن السوري، شعباً وأرضاً وسيادة.
السيد الرئيس،
ليست الصورة كلها غيوماً .. ففي السودان تحقق اتفاق سياسي أثلج الصدور وطمأننا على المستقبل.. إنني أهنئ الحكومة الجديدة التي تم تشكيلها قبل يومين، والتي جاءت حصيلة اتفاق سياسي بين المكونات السودانية أثبت أن مجتمعاتنا قادرة على تجاوز الأزمات عبر الحوار.. وأن الصراع والاحتراب الداخلي مرهون باختياراتنا وقراراتنا .. وليس قدراً محتوماً.
السادة الوزراء..
لا يفوتني في ختام كلمتي التنويه بأهمية الحفاظ على شراكاتنا السياسية في العالم.. وخاصة في هذه المرحلة المرتبكة على الصعيد الدولي.. علينا أن نعزز صداقاتنا مع الجميع وأن نمد الجسور مع الجميع.. وأخص بالذكر التعاون العربي الإفريقي .. افريقيا عمق مهم وشريك رئيسي للعالم العربي .. علاقتنا معها استراتيجية ولها امتدادات تاريخية وآفاق مستقبلية واعدة.. إننا نتطلع إلى انعقاد القمة العربية-الافريقية الخامسة في الرياض في نوفمبر القادم.. ولا شك أننا سنغتنم هذه الفرصة لإعطاء هذا البعد في علاقاتنا الخارجية ما يستحق من الأهمية والتركيز.
إن أزمات المنطقة العربية لن تُحل في يوم وليلة .. لا أدعو لليأس أو التواكل .. وإنما لمزيد من العمل الجماعي العربي والانخراط في الأزمات والقضايا، التي ما زلنا بعيدين عن بعضها للأسف، ويجري الحوار بشأنها ورسم مصائرها في عواصم غير عربية .. إن استمرار الأزمات يُبدد الموارد ويضعف الأمة ويشتت الانتباه عن قضايا أخرى تتعلق بأمننا المشترك والتنمية المستدامة في أوطاننا .. ويظل مستقبل العرب رهناً بإرادتنا الجماعية للخروج من “حال الأزمة” .. إلى أفق الاستقرار والازدهار.