تقرير: محمد عبيد الله
أنقرة (زمان التركية) – على الرغم من أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان زعم أنه لا يعرف محتوى مفاوضات السلام الكردي الرسمية التي أجرتها الحكومة برئاسة أحمد داود أوغلو عام 2015 مع نواب أكراد في قصر “دولما بهشه” للتوصل إلى حل للقضية الكردية، إلا أنه تبين أنه، أي أردوغان، كان على علم بكل التفاصيل التي جرت في ذلك الاجتماع، بل هو الذي حدّد حتى نظام القعود للمشاركين في ذلك الاجتماع.
فقد زعمت شخصيات مقربة من أحمد داود أوغلو الذي خطف الأضواء في الآونة الأخيرة بانتقاداته اللاذعة لقيادة حزب العدالة والتنمية، أن الرئيس أردوغان هو الذي رسم على ورقة من طراز A4 أماكن القعود لكلّ مَنْ شارك في الاجتماع الذي انعقد في قصر دولما بهشه بحضور ممثلين من حكومة داود أوغلو وحزب الشعوب الديمقراطي الكردي من أجل وضع اللمسات الأخيرة وإضفاء الطابع الرسمي على مفاوضات السلام الكردي التي انطلقت في عام 2013.
وكان أردوغان قد أنكر علمه بالاجتماع الذي شهده قصر دولمابهشه عام 2015 بين نائب رئيس الوزراء آنذاك يالتشين أكدوغان، ووزير الداخلية السابق أفكان آلا، والنائب عن حزب الشعوب الديمقراطي الكردي سيري ثريا أوندر، ووصفه بـ”خطوة غير صائبة”، ثم أعلن في وقت لاحق انتهاء مفاوضات السلام الكردي، رغم أنه من أمر جهاز المخابرات بإجراء تلك المفاوضات.
وفي تعليق منه على تصريحات أردوغان هذه، ذكر رئيس حزب الشعوب الديمقراطي الكردي السابق والمعتقل بسجن أدرنة حاليا، صلاح الدين دميرتاش، أنه تم إبلاغ أردوغان حينها بنص البيان الصادر عن الاجتماع في دولمابهشه وموقع جلوس كل شخص من المشاركين.
غير أن أردوغان نظرًا لأنه كان يخطط لإعادة انتخابات 7 حزيران 2015 لاسترداد الحكومة المنفردة لحزبه، بعدما فقدها بسبب دخول 80 مرشحًا كرديًّا إلى البرلمان من صفوف حزب الشعوب الديمقراطي، أعلن بوقف تلك المفاوضات والعودة إلى المكافحة المسلحة مع عناصر حزب العمال الكردستاني، وذلك بعد الاتفاق مع حزب الحركة القومية المعروف بمواقفه المتشددة تجاه الحزب الكردي من أجل تعويض خسارته لأصوات الأكراد.
واكتسب الجدل بشأن تصريحات داود أوغلو، التي ذكر فيها أن فتح ملفات مكافحة الإرهاب سيجعل البعض عاجزين عن مواجهة الناس، بعدا جديدا عقب تصريحات أردوغان التي أوضح خلالها أنه سيكشف عما تحمله ذاكرته عندما يحين الوقت المناسب لهذا، وأن ذاكرته مليئة بالأحداث.
من جانبها علقت شخصيات مقربة لداود أوغلو على تصريحات أردوغان هذه بقولها: “يريد تخويف أناس باستخدام العصا بعدما عجز عن خداعهم بالجزرة”.
وسيقت مزاعم بأنه تم منح عضوية مجلس الإدارة بشركات البلديات إلى الشخصيات التي قد تتحالف مع داود أوغلو وعلي باباجان بهدف منعهم من الانضمام لصفوفهم.
وأعاد سياسيون مرتبطون بداود أوغلو أن الرئيس أردوغان كان على علم بكل ما جرى في الاجتماع الأخير من مفاوضات السلام الكردي، وأنه انعقد بتوجيه منه، بحيث تدخل حتى في شكل ونظام القعود للمشاركين، رغم أنه نفى ذلك فيما بعد.
يذكر أن الرئيس أردوغان كان يحصل على نسبة مرموقة من أصوات الأكراد حتى الانتخابات البرلمانية التي عقدت في السابع من حزيران 2015، حيث فضل الأكراد هذه المرة دعم حزب الشعوب الديمقراطي بحيث استطاع الحزب أن يدخل البرلمان كحزب مستقل لأول مرة في تاريخه، ووصل عدد أعضائه البرلمانيين إلى 80 شخصًا، وهو الأمر الذي منع حزب أردوغان من تشكيل حكومة منفردة لفقدانه الأغلبية البرلمانية.
وحال أردوغان دون تكلّل جهود أحمد داود أوغلو الرامية إلى تشكيل حكومة ائتلافية مع أي من الأحزاب السياسية بالنجاح، حيث كان يخطّط لإعادة انتخابات 7 حزيران من أجل ضمان الأغلبية البرلمانية اللازمة لتشكيل حكومة منفردة، لكنه كان يحتاج إلى حليف جديد بعد فقدانه معظم المؤيدين الأكراد، فتحالف مع زعيم حزب الحركة القومية دولت بهجلي، وأطاح بطاولة مفاوضات السلام الكردي، وأمر القوات الأمنية والعسكرية بالعودة إلى الكفاح المسلح مع مليشيات حزب العمال الكردستاني.
عودة الاشتباكات المسلحة بين القوات الأمنية وعناصر العمال الكردستاني أثارت موجة قومية كبيرة في تركيا، بحيث اعترف داود أوغلو نفسه بأن استطلاعات الرأي العام كشفت أن نسبة أصواتهم ارتفعت بعد الهجمات الإرهابية التي نفذها حزب العمال الكردستاني من جانب وتنظيم داعش من جانب آخر، ودافع عن نفسه بعد الانتقادات الموجهة إليه بسبب تلك التصريحات بأنه قال ذلك الكلام تصويرًا للواقع!
بعد هذه الموجة القومية، أعلن أردوغان إعادة انتخابات 7 حزيران 2015 في الأول من نوفمبر العام نفسه، ونجح فعلاً بفضل دعم القوميين الأتراك في استرداد الحكومة المنفردة، حيث حصل حزب العدالة والتنمية هذه المرة على دعم نصف المواطنين تقريبا، وتمكن من تشكيل حكومة منفردة.
لكن ذلك لم يكن أمرًا مطمئنًا لأردوغان، حيث كان يخطط للتخلص من داود أوغلو وتعيين رئيس جديد لحزب العدالة والتنمية والحكومة معًا يأتمر بأوامره وينتهي بنواهيه، حتى يتسنى له تنفيذ مشاريعه، وهو الأمر الذي حدث في وقت لاحق، حيث اضطر داود أوغلو إلى الاستقالة من رئاسة الحزب والحكومة على حد سواء عقب حملة كبيرة شنّتها مجموعة مؤثرة داخل الحزب مرتبطة بأردوغان.
وخرج أحمد داود أوغلو بعد خسارة حزب العدالة والتنمية لأكبر البلديات في المدن معلنًا أنه كان يجب إبعاده من رئاسة الحكومة وحزب العدالة والتنمية لكي يمكن تنفيذ عديد من “السيناريوهات”، من قبيل تنفيذ الانقلاب في 2016 ونقل تركيا من النظام البرلماني إلى الرئاسي.
وينتقد داود أوغلو وفريقه الرئيس أردوغان متهمين إياه بأنه جعل حزب العدالة والتنمية تابعًا لحزب الحركة القومية وأداة لتنفيذ مشاريعه العنصرية الطورانية في الداخل والخارج، ويطالبون بالعودة إلى الأسس والمبادئ التي انطلقوا منها في عام 2002.