إسطنبول (زمان التركية) – “هذا القدر من العنصرية لم أره من قبل حتى في قطاع غزة”… هكذا صرخت سيدة فلسطينية مقيمة في مدينة إسطنبول، خوفًا وفزعًا من العنصرية المتزايدة في الشارع التركي تجاه المواطنين العرب بشكل عام، واللاجئين السوريين بشكل خاص.
بعد أن نجح رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان في تأجيج مشاعر القومية والعنصرية لدى الشارع التركي تجاه اللاجئين السوريين خاصة بعد تحالفه مع الحركة القومية، تحولت الكراهية والعنصرية لنار تهاجم كل مهاجر عربي مقيم في المدن التركية بشكل عام، ومدينة إسطنبول بشكل خاص.
وفي توثيق لهذه العنصرية، أجرت مهاجرة فلسطينية مقيمة في إسطنبول منذ عامين، رفضت الكشف عن هويتها، حوارًا صحفيًا مع جريدة “هارتس” الإسرائيلية.
الشابة الفلسطينية، التي تعيش عقدها الثالث في إسطنبول، وصفت المدينة بأن نظرتها لها كان على أنها “مفتاح يفتح أبواب العالم أجمع”، مشيرة إلى أنها بنت أحلامها في المدينة التاريخية على أساس أنها مدينة متقدمة تنظر للمرء حسب مهاراته وليس أصوله.
الشابة المكتوية بنيران العنصرية ضد العرب، قالت: “العنصرية في كل مكان. الناس ينظرون إلينا بعداوة في وسائل المواصلات. لا أعرف لماذا يتصرفون معنا بهذا الشكل؟”.
وأوضحت أن العنصرية المشتعلة في شوارع إسطنبول تجاه السوريين أشعلت حالة من العداء والعنصرية ضد العرب بشكل عام، مؤكدة أنها تعرضت لحالة من خيبة الأمل بعد أن اكتشفت حقيقة “أرض الأحلام الموعودة” بالنسبة للكثيرين.
وقالت في حوارها: “إن الأصدقاء في غزة يعتقدون أن الحياة في الخارج سهلة. ولكن في الخارج أنت تبدأ حياتك من الصفر، وكأنك طفل حديث الولادة. نواجه العديد من المشكلات هناك، أبرزها العنصرية. لم أر هذا القد من التطرف والعنصرية في قطاع غزة”.
وأضافت: “لقد رأيت العديد من الأمثلة والوقائع الدالة على انتشار هذه العنصرية خلال زياراتي لإسطنبول. وقد قال لي أحد العاملين في قطاع السياحة: إن العرب التهديد الرئيسي لنا”.
وأوضحت أن هناك نوعين من العداء والعنصرية تجاه العرب، الأول عداء للمواطنين العرب القادمين من دول الخليج العربي، قائلة: “الشعب التركي ينظر إليهم على أنهم أغنياء ويعيشون حياة مرفهة، ويأتون إلى تركيا لزراعة الشعر. ويصفهم أحد جيراني الأتراك بأنهم: بدو يركبون السيارات المرسيدس”.
الشابة الفلسطينية أوضحت أن الشباب العرب يأتون إلى تركيا، هربًا من القيود المفروضة عليهم في دول الخليج العربي، ولكنهم يتصرفون بشكل مخالف لتقاليدهم وعاداتهم، على حد تعبيرها.
وأكدت أنه بالرغم من الخطابات الرنانة لرموز حزب العدالة والتنمية التي تخرج دائمًا للحديث عن دعم ومساندة القضية الفلسطينية، إلا أنها مجرد شعارات لا أثر لها على أرض الواقع أو في الحياة اليومية، على حد قولها.
وأوضحت أنها لا ترغب في البقاء في تركيا في ظل انتشار العنصرية والتطرف من الشعب التركي تجاه العرب، مؤكدة أنها ترغب في العيش في مجتمع يحتضن التنوع ولا يعرف معاني الفكر القومي المتطرف.
وقالت: “لقد قلت لأمي، إياكِ أن تفكري في المجيء إلى هنا. لن أكون راضية أن تتعرضي لتنمرهم ونظراتهم الجارحة. إسطنبول لا يمكن أن تكون إلا آخر الخيارات”.
الكاتب والناقد الفلسطيني محمد شحادة، علق على العنصرية تجاه العرب في تركيا أيضًا، موضحًا أن سلسلة مطاعم “Al-Taboon” الفلسطينية افتتحت فرعًا لها في مدينة إسطنبول لمخاطبة الأتراك إلا أنها أغلقت بعد فترة قصيرة. وأوضح أن مدير الفرع قال له: “إن المواطنين الأتراك لا يريدون شراء أي شيء من العرب”.
في السياق ذاته أجرت جامعة بيلجا التركية، في عام 2017، استطلاعًا للرأي، كشفت نتائجه أن 86% من المواطنين الأتراك في مدينة إسطنبول، يؤكدون على ضرورة عودة السوريين إلى بلدهم مرة أخرى بعد انتهاء الحرب هناك.
أما رئيس بلدية إسطنبول الجديد أكرم إمام أوغلو، فقد قال بعد انتخابه: “بعض الأحياء عند دخولها تجد أن لافتات جميع المحال التجارية مدونة باللغة العربية. هنا تركيا، هنا إسطنبول. لا يمكن للاجئين تغيير لون وشكل المدينة. لن نكون طرفًا في التصرفات العنصرية. ولكن لا يمكن أن يستمر الوضع بهذا الشكل. إذا لزم الأمر، من الممكن أن يتلقى المهاجرون تدريبًا على اللغة التركية في المخيمات”.
الحقيقة أن أردوغان نفسه يحاول دائمًا إخفاء وجهه العنصري لكل ما هو غير تركي، ويظهر ذلك جليًا في عدائه للأكراد.
وبالرغم من أنه في مارس/ آذار 2013، قال في تصريحات له: “أنا أحب الأكراد والعرب والأتراك، جميعهم إخوة، لا أفرق بين أي منهم. إذا كنت أفرق بينهم لما تزوجت من فتاة من أصول عربية من مدينة سعيرت (أمينة زوجته)”، إلا أن تصرفاته لا تعكس ذلك على أرض الواقع.
العنصرية وكراهية العرب لم تقتصر على تصريحات أردوغان ونظامه فقط، وإنما تبدأ من الكتب الدراسية الخاصة بالمراحل التعليمية الأولى، حيث يلقن الأطفال الأتراك أن العرب “خانوا الأتراك في الحرب العالمية الأولى، وكانوا سببًا في خسارتها وانهيار الدولة العثمانية”.
بحسب تقارير الأمم المتحدة فإن تركيا تضم نحو 3.6 مليون لاجئ سوري بشكل رسمي، بالإضافة إلى أعداد ضخمة غير معروفة من غير المقيدين بشكل رسمي. التقارير تتحدث عن أن نحو نصف اللاجئين السوريين يقيمون في مدينة إسطنبول فقط.