بقلم: عبد الله منصور
زمان التركية (القاهرة) – في أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2017، أثار رجب طيب أردوغان موجة من الجدل بعد أن ظهر أمام الكاميرات وقد غلبه النعاس خلال مؤتمر صحفي جمعه مع الرئيس الأوكراني بترو بوروشنكو، كان التعب والإرهاق واضحين على وجه أردوغان، وكأنه لا ينام الليل، خاصة وأنه بات يعادي الجميع داخل تركيا بدءًا من حركة الخدمة التي ساندته في المراحل الأولى إلى أن انقلب عليها ووضعها في قائمة الإرهاب، وكذلك حزب الشعب الجمهوري الذي يعتبره عدوه اللدود، بالإضافة إلى الأكراد، كابوسه الأكبر، فضلًا عن الأوضاع الاقتصادية المتردية.
رجب طيب أردوغان كان من أبناء حركة الرؤية الوطنية “ميللي جوروش” وتتلمذ على يد أستاذ الإسلام السياسي في تركيا نجم الدين أربكان، وكان معه في حزب السلامة الوطنية، إلى أن صدر قرار بحله في عام 1981؛ ثم انتقل معه إلى صفوف حزب الرفاه الذي كان له الفضل عليه حيث نجح في أن يكون رئيسًا لبلدية إسطنبول الكبرى مرشحًا عن حزب الرفاه (1994)، ولكنه سرعان ما انقلب عليه، وكون جبهة معارضة لأربكان مع رفيق دربه عبد الله جول وانشقا عن الحزب وأسسا حزب العدالة والتنمية.
في 14 أغسطس/ آب 2001، أعلن أردوغان تأسيس حزب العدالة والتنمية بشكل رسمي، وفي عام 2002 تمكن من أن يحصل الحزب على الأغلبية البرلمانية، ولكن أردوغان لم يتمكن من تولي رئاسة الوزراء بسبب الحظر المفروض عليه، وإجراء تعديل على القوانين الخاصة بالانتخابات ألغي القانون ذو الصلة وتمكن أردوغان من دخول البرلمان، وتولي رئاسة الوزراء ليظل فيها حتى عام 2014 ليصعد إلى كرسي رئاسة الجمهورية الذي تمسك به حتى الآن.
يجد أردوغان نفسه الآن في الذكرى الـ18 لتأسيس حزبه، وقد خسر حزبه رئاسة البلدية في العديد من المدن الكبرى من بينهم العاصمة أنقرة، وأضنة القلعة الصناعية، وإزمير معقل التيار العلماني، وأنطاليا مغناطيس السياحة، وإسطنبول التي سيطر عليها على مدار 25 عامًا.
لم تكن ذكرى سعيدة يطفأ فيها شمع الاحتفال بميلاد الحزب، وإنما قد تكون ذكرى قطع الكهرباء عن “لمبة” الحزب التي يتخذها شعارًا له؛ كما انشق أردوغان عن أربكان، أعلن نائبه السابق ووزير الاقتصاد الأسبق باباجان الانشقاق عن الحزب والتحرك في طريق تأسيس حزب جديد منشق عن حزب العدالة والتنمية، بالتعاون مع رئيس الجمهورية السابق عبد الله جول، بالتزامن مع تحرك مشابه من رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو.
في اليوم نفسه (14 أغسطس/ آب) من عام 1908، تأسس اتحاد الصحافة التركي، فما هو حال الصحافة في تركيا في العام الثامن عشر لحزب العدالة والتنمية؟
في يوليو/ تموز الماضي، صدر تقرير دولي جديد سلط الضوء على غياب الحريات في تركيا، خصوصًا بعد تطبيق حالة الطوارئ في البلاد بدعوى التصدي لمحاولة الانقلاب التي شهدته في 15 يوليو/ تموز 2016. المرصد الدولي لحقوق الإنسان (IOHR) تقدَّم بتقرير إلى الأمم المتحدة يبحث في تسع قطاعات متعلقة بحرية التعبير والتي تحتاج إلى إصلاح عاجل في تركيا.
وقالت ڤاليرى پياى، رئيسة المرصد الدولي لحقوق الإنسان، إنه وفقًا للجنة حماية الصحفيين فإن تركيا هي أسوأ سجان للصحفيين في العالم حيث تم إلقاء القبض على حوالي 300 من الصحفيين والإعلاميين أثناء حالة الطوارئ، وتعرض عدد كبير منهم للاحتجاز التعسفي والاستجواب، كما يبلغ عدد الصحفيين الذين ما زالوا في السجن بما في ذلك الصحفيون قيد الاحتجاز السابق للمحاكمة 191 صحفيًا في الوقت الحالي.
في اليوم نفسه أيضًا (14 أغسطس/ آب) من عام 1972، اجتمعت تركيا وإنجلترا واليونان، في جنيف لبحث الأزمة القبرصية؛ وبعد أن انتهت الاجتماعات دون التوصل لحل للأزمة، شنت تركيا حملة عسكرية جديدة على قبرص. واليوم أزمة شبه جزيرة قبرص تشتعل مرة أخرى مع إصرار تركيا على التنقيب على الغاز الطبيعي في المياه الإقليمية لشمال الجزيرة المتنازع عليها رغم التهديدات والتحذيرات الأوروبية.
أما الاقتصاد؛ فحدث ولا حرج… من سيء لأسوأ. في سبتمبر/ أيلول 2018، خفضت وكالة “موديز” للتصنيف الائتماني، تصنيف الودائع بالعملة الأجنبية في تركيا. وقالت في تقريرها، إنها خفضت تصنيف الودائع المصرفية بالعملات الأجنبية طويلة المدى في تركيا من B1 إلى B2.
وفي أبريل/ نيسان 2019 حذرت وكالة “موديز”، من أن تراجع الاحتياطيات الأجنبية لتركيا سيؤثر سلبًا على تصنيفها الائتماني، وكانت قد خفضت التصنيف الائتماني لتركيا إلى (Ba3) من (Ba2) في أغسطس/ آب 2018. وفي يونيو/ حزيران 2019، أعلنت خفض تصنيف 18 بنكًا تركيًا، بينما أبقت على المشهد الائتماني لتركيا عند المستوى السلبي.
إذا الحريات التي جاء حزب أردوغان رافعًا راياتها، والاقتصاد الذي تغنى دائمًا أنه نهض به، وحزبه الذي حلم دائمًا أن يسيطر على البلاد مدى الدهر، وأسطورة الاقتصاد القوي، كلها أحلام تحولت إلى كوابيس تؤرق نوم أردوغان… ألم يحن الوقت ليستيقظ أردوغان لينقذ حلمه الضائع؟