بقلم : مايسترو
” أعطني إعلاما بلا ضمير أعطيك شعباً بلا وعي ”
جوزيف غوبلز (وزير الدعاية السياسية في عهد أدولف هتلر)
حقاً يمكن أن نطلق على عصرنا الحالي أنه عصر الإعلام والمعلومات، فللإعلام قدرة على التأثير والإقناع وتشكيل الأفكار وصياغة الرأي العام، فأصبح عاملاً من عوامل التنمية، وعنصراً مؤثراً في مجال الأنشطة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لكافة المجتمعات، خاصة مع التطور الكبير الذي طرأ على وسائل الإعلام والاتصال، حيث ساهمت التكنولوجيا في ظهور وسائل إعلام حديثة تتميز بعنصر السرعة في نقل الأخبار والمعلومات، مما جعلها تخترق كل الحدود والحواجز بين الدول. ويهتم الإعلام السياسي بالجوانب والقضايا السياسية لإحداث التأثير والتغيير في الآراء والأفكار والقناعات لدى الجمهور، ويساهم بهذا في عملية صنع القرار السياسي، لذا حظى باهتمام الوحدات والتيارات السياسية باعتباره معبراً وناقلاً لفكرها وفلسفتها، كما أضحى من أهم أدوات التأثير التي يستخدمها الساسة.
هذا وفي تطور صادم هدد مؤخراً الرئيس التركي أردوغان المنشقين عن حزبه السياسي قائلاً” إنهم يرتكبون خيانة وسيدفعون ثمناً باهظا ” كما لو كان الانتماء الحزبي هو انتماء لوطن.. !!! ويستخدم أردوغان جانباً من وسائل الإعلام التركية لتسليط الضوء على وجود مخاوف خطيرة تهدد الدولة التركية في الوقت الراهن، وأن وجوده في السلطة كاف لمنع شرورها.. متغافلاً الرسالة شديدة اللهجة التي قدمها له الشعب التركي من خلال نتائج إعادة انتخابات رئيس بلدية اسطنبول.
ويدرك المتابع للنشاط الإعلامي أن الإعلام المحايد عملة نادرة في هذا الزمان، ولكن درجة الانحياز أمر هام في تقييم النشاط.. فنرى أن هناك منصات إعلامية توجه بشكل واضح وكامل ضد دول بعينها، كما هو الحال بالنسبة لقناة الجزيرة وعدائها السافر لمصر والسعودية والإمارات والبحرين؛ وكذا هو الحال بالنسبة للقنوات التابعة لجماعة الإخوان، التي تبث سمومها ضد مصر وتتخذ من تركيا مقراً لها، وهذه المنصات لا تقدم سوى النقد لكل السياسات والجهود التي تقوم بها أنظمة الحكم في الدول التي تناصبها العداء، هذا ونرصد في الفضاء الإعلامي أيضاً إعلاميين منحازين بشكل كامل لكل سياسات أنظمة الحكم، ويعرفهم الجمهور كما يعرف الشخص أبنائه.. وبشكل عام كل هذه المنصات تفقد احترامها من قبل الجمهور.. ونلحظ أيضاً منصات إعلامية لديها من الاحترافية الكثير، وتحرص في غالب أنشطتها أن تَظهَر مرتدية رداء الحياد، ولكنها تستخدم أساليب إعلامية ذكية في توجيه الرأي العام كما تريد من خلال معالجاتها الإعلامية.. .
وفي هذا السياق سأعرض تجربة شخصية لي مع منصة إعلامية كانت تابعة لقناة خاصة مصرية، حيث يَعرض أحد أهم برامجها صورة نقدية كاملة، بشأن قضايا محلية مصرية، يستهدف البرنامج من خلاله تشويه أجهزة الأمن المصرية بصفة خاصة، واتصل بي أحد المُعِدين لهذا البرنامج طالباً مشاركتي في إحدى حلقاته، ورأيت وقتها أن الأنسب عدم الانسحاب من المواجهة، وأنه من الأفضل أن اقدم تحليلاً موضوعياً لأي حدث يتم تناوله من خلال البرنامج، وذلك حتى لا أترك الساحة لضيوف يحققون أهداف البرنامج.. وسأعرض بعضاً من نتائج هذه التجربة، لإظهار أساليب فريق الإعداد ومقدمة البرنامج في تحقيق أغراضهم الإعلامية، بشكل يدعون فيه أنهم يقدمون الرأي والرأي الآخر في قضية ما.. وهم في الحقيقة منحازون ضد الحكومة المصرية، وذلك على النحو الآتي بيانه :
* لاحظت أن البرنامج في بعض الحلقات يستضيفني ومعي ضيفان آخران، وبالطبع فالضيفين من أصحاب الرأي المناهض للسلطات المصرية بشكل عام، وبهذا تكون المساحة الزمنية الممنوحة لي لإبداء وجهة نظري تمثل أقل من 20% من مساحة الرأي الآخر؛ إذا وضعنا في الاعتبار أن المذيعة منحازة للرأي الناقد للحكومة، هذا بجانب عرض البرنامج لتقرير ومداخلات تليفونية، وبالطبع يصب هذا كله في خانة النقد.
* لا حظت أيضاً أن المذيعة تستخدم كثيراً حقها في عمل مداخلة أو أكثر أثناء عرضي لفكرتي بشكل يشوش على وصول الفكرة للمشاهد؛ لذا حرصت أكثر من مرة على مواجهتها على الهواء طالباً عدم المقاطعة.
* وأذكر أنه في إحدى حلقات البرنامج ـــ إجمالي مشاركاتي في حلقات هذا البرنامج ثلاث مشاركات تقريباً ـــ أن المذيعة منحتني وقتاً قليلاً مقارنة بوقت الضيوف الآخرين، وفي أثناء الفاصل الإعلامي هددتها بالقول ” إن لم تمنحيني الوقت الكافي لعرض وجهة نظري فسأهاجمك بشكل شخصي على الهواء وأتهمك بالانحياز وعدم المهنية، وقد أنسحب من البرنامج ” وعلى الفور مُنحتني المذيعة ما تبقى من وقت البرنامج لعرض رأي في الأحداث في وقت كاف، وكان ضيف البرنامج المشارك معي وقتها الأستاذ جورج إسحاق، وللأمانة فقد أيدني الرجل في موقفي من المذيعة أثناء الفاصل.
هذا واهتديت بعد التجربة إلى أنني ورغم وجاهة دوافعي في المشاركة بالبرنامج المشار إليه، إلا أن أدوات الجانب الآخر ربما تُفشل جهودي في طرح تحليل متوازن للأحداث.. لذا قررت التوقف عن المشاركة في البرنامج، فالإعلام الموجه يعتمد دائماً على إبراز أخلاق الفضيلة للقائمين عليه، وطرحها كيقظة داخلية تمنع الانحرافات, ونجده يسعى دائماً إلى تَصيُد أخطاء الفريق المضاد له، ويعمد أحياناً إلى تجريدهم من الصفات الأخلاقية، مبرراً ذلك بأن السلطة غير قادرة على تحقيق تطلعات المواطن.. وعلى جانب آخر يشوه هذا الإعلام أحياناً رموز الفريق المقابل، لعلمه يقيناً بأن الأنظمة في جميع دول العالم تعتمد على هذه النخبة الإعلامية المحترفة، أصحاب الجاذبية والقدرة على الإقناع.
وتُعتبر مصر من أكثر الدول التي تأثرت بدور بعص المنصات الإعلامية العالمية، خاصةً بعد ثورة 30 يونيو 2013، إذ حاولت الكثير منها تشويه ثورة مصر خارجيًا، وأبدت تعاطفًا مع جماعة الإخوان الإرهابية، خاصةً وأن دولاً عظمى كانت ترى في الإخوان ـــ وقتها ـــ جزءًا رئيسيًا لإنفاذ خُطَطِها بالمنطقة، وهكذا وُجِهت قطر لاستخدام قناة الجزيرة ضد النظام المصري، وفعلت تركيا هذا بدوافع ذاتية لرئيسها، فرغم نزول الملايين من المصريين في الشوارع مطالبين برحيل النظام وجماعته الفاشية في 30 يونيو 2013، فقد تعمدت قنوات إعلامية موجهة النقل عن مصادر إخوانية في تغطياتها الإعلامية، متجاهلةَ رغبة الشعب المصري في إسقاط حكم الجماعة.. وعلى جانب آخر استخدمت وكالات إعلامية عالمية مصطلحات مضللة لوصف العناصر الإرهابية في سيناء، إذ نعتتهم بـ “المتشددين” و”المتمردين”، في محاولة منها لنفي صفة الإرهاب عنهم، كما أبرزت تارة أخرى تقريرًا حول شن إسرائيل لغارات في سيناء، دون ذكر المُروج الرئيسي لهذا الخبر، وتبين أن مصدره إسرائيلي، يروج لأخبار كاذبة ومفبركة بهدف تشويه الدولة المصرية، بما يشير إلى أجندة تلك المنصة الإعلامية الغربية، التي حرصت على نشر كل ما يمس الأمن القومي المصري، وهو أمر يبدو بعيداً كل البعد عن “المهنية” التي تتغنى بها تلك المؤسسات.
ويؤكد ما سبق عرضه أن أجهزة الاستخبارات والساسة يستهدفون الرأي العام من خلال الإعلام، فيحرصون كل الحرص على توظيف مؤسساته لتدعيم ما يرونه محققاً لمصالحهم، وللفت الانتباه عما يريدون أن يتنبه له الجمهور، وتعميته عن أمور أخرى.. ويُقدم في هذا الشأن الكثير من الإغراءات، والتهديدات إذا لزم الأمر لتسخير الإعلام؛ سواء لنقل رسائل ايجابية أخلاقية أم العكس، فإذا روضت الإعلام سيطرت على غالبية العقول .