بقلم: عبد الله منصور
(زمان التركية) – تمكن رئيس الجمهورية التركي ورئيس حزب العدالة والتنمية رجب طيب أردوغان من تحقيق لقبين جديدين في “الطول”! ففي عام 2015 ذكرت جريدة “يني عقد” التركية أن أردوغان أطول سياسي تركي، ورابع أطول رئيس جمهورية على مستوى العالم. أما الثاني فهو تمكنه من جعل حزبه “الأطول” بقاءً على رأس السلطة في تركيا، منذ أن شكل أول حكومة له في عام 2002 وحتى الآن.
عندما تأسس حزب العدالة والتنمية في أغسطس/ آب 2001، شارك الحزب في أول انتخابات برلمانية في تاريخه عام 2002، وحصل على 34% من الأصوات، إلا أن أردوغان لم يتمكن من دخول البرلمان بسبب حظر المشاركة في الحياة السياسية المفروض عليه بسبب سجنه من قبل؛ ليلجأ الحزب إلى تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة رفيق درب أردوغان عبد الله جول، بعدها تمكن الحزب من تعديل القانون، بدعم من حزب الشعب الجمهوري، ورئيس الجمهورية المنتمي للحزب “العلماني” أحمد نجدت سيزار، ليصبح أردوغان رئيس الوزراء في وقت لاحق.
فقد تقدم مسؤولو حزب العدالة والتنمية بطلب للجنة العليا للانتخابات بدعوى كسر صندوق انتخابي وسرقة الأصوات خلال انتخابات 2002، بعدها أصدرت اللجنة قرارًا بإلغاء الانتخابات بمدينة سعرت في 2 ديسمبر/ كانون الأول 2002. ثم أعيدت الانتخابات مرة أخرى في 9 مارس/ آذار 2003، وتمكن أردوغان من دخول البرلمان نائبًا عن الحزب في مدينة سعرت.
في 20 يناير 2010، نشرت جريدة “ستار” التركية، ملفًا حول محاولة انقلاب كانت ستتعرض لها تركيا، في مارس 2003، من أجل الإطاحة بحكومة حزب العدالة والتنمية، عرفت باسم “خطة المطرقة الانقلابية”. أردوغان لم ينفِ صحة هذه الادعاءات، وظهر في لقاءات تليفزيونية في عام 2012، قائلًا: “لو لم أكن قد سمعت التسجيلات الخاصة بخطة الانقلاب بنفسي من القرص المدمج الخاص بملف القضية، لما صدقت. اندهشت مما سمعت”.
ولكن في عام 2015، أكد أردوغان عدم وجود خطة المطرقة الانقلابية قائلًا: “لقد خدعت الدولة كلها، وأنا على رأسها أيضًا، فيما يتعلق بمحاولة انقلاب باليوز / المطرقة. لا يوجد شيء كهذا”، بعد أن استخدم هذه الحادثة في رصّ صفوف مؤيديه وتقديمه سياسيًّا يناضل ضد العسكريين الانقلابيين.
في 20 فبراير/ شباط 2015، نشرت جرائد “أكشام” و”جوناش” و”ستار” التركية، المقربة من أردوغان، خبرًا على صفحتها الأولى بعنوان “اغتيال سمية أردوغان”، زاعمين أن الداعية فتح الله كولن، ملهم حركة الخدمة، التي كان يطلق عليها أردوغان في ذلك الوقت اسم “الكيان الموازي”، أصدر أوامر باغتيال سمية ابنته. الصحف أشارت إلى أن تفاصيل الخطة أرسلت من حساب على تويتر باسم “فؤاد عوني”، ويستخدمه الخبير الأمني والمحلل أمرى أوصلو، بحسب زعمه، إلى نائب حزب الشعب الجمهوري المعارض أوموت أوران.
أردوغان لم ينفِ هذه الأخبار، وإنما ظهر في اليوم التالي، خلال مؤتمر جماهيري في مدينة ملاطيا، ليقول إن أجهزة الأمن والاستخبارات ستتابع الأمر. وبعدها بيوم آخر زعم أردوغان في مؤتمر جماهيري له، أن فتح الله كولن أرسل قاتلًا مأجورًا من الولايات المتحدة الأمريكية لتنفيذ العملية.
الحقيقة أن الواقعة المزعومة، والتي أكدها أردوغان بنفسه، لا أساس لها من الصحة، وأصدرت المحكمة الابتدائية في أنقرة قرارًا بتغريم جريدة “ستار” عشرة آلاف ليرة لصالح أوموت أوران، تعويضًا معنويًا عن التهم الزائفة التي ألقيت عليه.
السابع من فبراير/ شباط 2012 أو كما يعرف في وسائل الإعلام التركية باسم “أزمة جهاز الاستخبارات”… الرواية تتحدث عن أن أردوغان كان من المقرر أن يخضع لعملية جراحية في حوالي الساعة 05:30 مساءً؛ إلا أنه لحسن الحظ أن العملية الجراحية تأخرت حوالي ربع ساعة، لتصل له معلومات أن النيابة العامة استدعت رئيس جهاز الاستخبارات هاكان فيدان للتحقيق معه، وأن قوات خاصة حاصرت مقر رئاسة الجهاز.
المفاجأة أن العملية الجراحية المزعومة، أجريت لأردوغان في 26 نوفمبر/ تشرين الثاني 2011، أي قبل 74 يومًا من الواقعة. لم تقتصر المفاجأة على ذلك، وإنما الحقيقة أن هذا اليوم كان من أطول الأيام في تحركات وبرنامج أردوغان؛ بدأ يومه بإلقاء كلمة طويلة للغاية أمام البرلمان (في أنقرة)، وبعدها انتقل إلى إسطنبول قبل صلاة العصر، أي حوالي الساعة 05:00 مساءً، من أجل حضور صلاة جنازة الأكاديمي إبراهيم صوباشي. بعدها عاد مرة أخرى إلى أنقرة. وفي اليوم التالي اجتمع بولاة المدن في أنقرة وتحدث معهم عن مكافحة الإرهاب.
المقربون من أردوغان زعموا أن النائب العام في إسطنبول، في ذلك اليوم، أجرى اتصالًا هاتفيًا بهاكان فيدان وأخبره أن بإمكانه الإدلاء بأقواله حول الواقعة لدى النائب العام في أنقرة، دون أن “يزعج نفسه” وينتقل إلى إسطنبول… بعدها أغلق ملف القضية كغيرها من الأزمات والملفات الشائكة.
لكن اتهم أردوغان بسبب هذه الحادثة حركة الخدمة بالسعي لاعتقال رئيس المخابرات فيدان ومن ثم اعتقال رئيس الوزراء أي نفسه، ليستغل ذلك في إجراء تعديلات على القانون حصل بموجبها العاملون في جهاز المخابرات على “حصانة قانونية” ضد التحقيقات، وأصبحت إمكانية التحقيق معهم منوطًا بتصريح من رئيس الوزراء أي أردوغان.
في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، وجهت قوات الدفاع الجوي التركية أسلحتها لتسقط طائرة روسية من طراز Su-24 في مدينة اللاذقية السورية بالقرب من الحدود المشتركة. الرواية التركية زعمت أنها أسقطت الطائرة الروسية بعد اختراق المجال الجوي التركي، مضيفة أنه “بموجب قواعد الاشتباك جرى إسقاط طائرة روسية طراز سو-24 عقب تجاهلها لعشر تحذيرات أطلقتها القوات الجوية التركية خلال 5 دقائق قبل إسقاط الطائرة. وعلق رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو بأن الجيش التركي قام بواجب وطني في مواجهة كل من يريد انتهاك السيادة التركية أرضًا أو جوًا. إلا أن الرواية الروسية أكدت عدم اختراق الطائرة للمجال الجوي التركي، على عكس الرواية التركية.
أدت الواقعة إلى توتر العلاقات بين أنقرة وموسكو بشكل كبير… إلا أنه سرعان ما تحول الموقف التركي، وأعلن البرلمان الروسي (كرملين) في يونيو/ حزيران 2016 اعتذار أردوغان للحكومة الروسية، وتأكيده على أنه سيفعل كل ما بوسعه من أجل تحسين العلاقات المتبادلة، وهو ما أكده المتحدث باسم رئاسة الجمهورية إبراهيم كالين.
وكانت حركة الخدمة هي طوق نجاة أردوغان مرة أخرى، حيث زعم أن الطيار الذي أسقط الطائرة الروسية منتمٍ إلى الحركة وأراد بهذه الفعلة إلحاق ضرر بالعلاقات التركية الروسية، رغم كل التصريحات الصارخة التي أكد فيها كل منه وداود أوغلو أنه من أمر بإسقاط الطائرة الروسية.
في 15 يوليو/ تموز 2016، فوجئ الرأي العام التركي بمحاولة “انقلاب” لم تستمر إلا ساعات تقف وراءها حركة الخدمة أيضًا. لكن ما مضى وقت حتى توجهت جميع أصابع الاتهام إلى أردوغان، وظهرت ولا توال وثائق ومستندات تدل على أنه كان انقلابا مفبركا، خاصة وأن أردوغان استغل هذه المحاولة التي وصفها بـ”الهدية الإلهية” لإجراء تعديلات على الدستور والحصول على صلاحيات السلاطين، ومن ثم إجراء تحالف مع حزب الحركة القومية، حتى يتمكن من الفوز في الانتخابات العامة والرئاسية في يونيو 2018؛ كذلك كافأ أردوغان رئيس أركان الجيش خلوصي أكار وعينه وزيرًا للدفاع؛ أما رئيس جهاز الاستخبارات هاكان فيدان الذي لم يخبر رئيس الجمهورية بوقوع الانقلاب، وإنما علم أردوغان من صهره، فقد أبقى عليه رئيسًا لهذا الجهاز الحساس.
في 19 ديسمبر/ كانون الأول 2016، أطلق ضابط الحراسات الخاصة التركي مولود ميرت ألتينتاش، النار على السفير الروسي لدى أنقرة خلال حضور افتتاح أحد المعارض الفنية. ومع أن الضابط كان من بين المترددين على دروس رجل الدين التركي نور الدين يلديز، المقرب من أردوغان، إلا أن الأخير زعم مرة أخرى أنه من حركة الخدمة!
أما بعد خسارة انتخابات المحلية التي أجريت في مارس/ أذار 2019، فقد بدأ أردوغان يصول ويجول ويتحدث عن وجود تزوير وتلاعب في عملية التصويت والفرز، وبدأ يحشد الشارع التركي من أجل إعادة الانتخابات التي خسرها بفارق 13 صوت… بالفعل نجحت تهديداته للقضاة وأعضاء اللجنة العليا للانتخابات وصدر القرار بإعادة الانتخابات في يونيو/ حزيران الماضي، ليخسر فيها مرة أخرى بفارق قارب المليون صوت.
وكانت حركة الخدمة هي المسؤولة عن خسارة أردوغان أيضًا، حيث زعم أن أعضاءها السريين للغاية أقدموا على التلاعب بنتائج الانتخابات لصالح مرشح المعارضة أكرم إمام أوغلو!
الهزيمة لم تمر مرور الكرام، وإنما حاول أردوغان التغطية على خسارته الفادحة بالإصرار على استلام الدفعات الأولى من منظومة الدفاع الجوي الروسية S-400 في 12 يوليو/ تموز الجاري، وسط تهديدات من الإدارة الأمريكية بفرض عقوبات على تركيا؛ وبالرغم من ذلك حرص على الإدلاء بمزيد من التصريحات الاستفزازية ضد الاتحاد الأوروبي وواشنطن.
كذلك يتعمد أردوغان افتعال أزمة التنقيب عن الغاز في منطقة شرق المتوسط، وبالتحديد في محيط جزيرة قبرص المتنازع عليها من اليونان، من خلال إرسال أكثر من سفينة للبحث والتنقيب إلى محيط الجزيرة، متحديًا التحذيرات والعقوبات التي يلوح بها الاتحاد الأوروبي.
استفزازات أردوغان ما هي إلا محاولات منه للتغطية على إخفاقه السياسي في الانتخابات الأخيرة، وما تبعها من انشقاقات داخل الحزب، فضلًا عن التدهور الاقتصادي الذي تعاني منه البلاد في الفترة الأخيرة نتيجة سياساته؛ ليوهم الشارع التركي أنه عليه الاحتشاد من أجله والوقوف ورائه في وجه التدخلات الأجنبية والغرب الذي يريد وقف نمو وتطور تركيا تحت ظل حكومة أردوغان، لأنه رئيس جمهورية ذو توجه “إسلامي”.
كل هذا يكشف أن حركة الخدمة يراها أردوغان شماعة لتعليق إخفاقاته وأخطاءه عليها، ولكن إلى متى يا ترى؟!