تقرير: محمد عبيد الله
أنقرة (زمان التركية) – رغم مرور أكثر من ثلاث سنوات على أحداث محاولة الانقلاب التي شهدتها تركيا في 2016، إلا أن السلطة السياسية بقيادة رجب طيب أردوغان لم تطبع حتى اللحظة “تقرير الانقلاب” الذي أعدّته لجنة التحقيق البرلمانية، والذي يتضمن النتائج والحقائق التي توصل إليها أعضاؤها.
تؤكد الأحزاب المعارضة أن حكومة حزب العدالة والتنمية تخاف من تكشّف الحقائق التي توصل إليها أعضاء اللجنة البرلمانية بشأن “الانقلاب الفاشل”، أو “الانقلاب المدبر”، وفق تعبير المعارضة، وذلك على الرغم من أن نواب حزب العدالة والتنمية الحاكم يشكّلون الأكثرية في اللجنة بواقع أغلبيتهم البرلمانية.
وقد نشرت أمس معظم الصحف التركية خبرًا ونقلت فيه عن أحد البرلمانيين من صفوف حزب العدالة والتنمية الحاكم قوله بأن تقرير لجنة التحقيق البرلمانية عن المحاولة الانقلابية لم يُنشر مخافة إقدام المواطنين المتهمين بالمشاركة في الانقلاب أو الانتماء إلى حركة الخدمة على استخدامه بوصفه “دليلاً” أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان!
تداولت الصحف هذا الخبر في أعقاب النقاش الكبير الذي شهده مقرّ البرلمان بين نواب الحزب الحاكم والأحزاب المعارضة حول أسباب تجنّب السلطات ذات الصلة نشر التقرير البرلماني عن الانقلاب، وذلك بمناسبة الذكرى السنوية الثالثة للمحاولة.
ومع أن التقرير البرلماني عن الانقلاب تم تقديمه إلى رئاسة البرلمان، غير أنه لم يتمّ مناقشة الحقائق والنتائج التي توصل إليها في الجمعية العمومية للبرلمان، ولم يتمّ نشره حتى اللحظة، وأرجع نائب برلماني عضو في هذه اللجنة سبب ذلك إلى إمكانية استغلاله من قبل “ضحايا حالة الطوارئ” التي أعلنها أردوغان بدعوى التصدي للانقلابيين ثم تحولت إلى وسيلة لمطاردة واصطياد كل معارض.
ونقلت الصحف التركية عن النائب من صفوف حزب أردوغان، دون الكشف عن اسمه، قوله في هذا الصدد: “لم يتمّ نشر التقرير البرلماني خشية مبادرة أعضاء منظمة فتح الله جولن إلى استخدامه باعتباره دليلاً يصبّ في مصلحتهم لدى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. وذلك نظرًا لأن التقرير يتضمّن تعليقات واعتراضات مهمة لأعضاء اللجنة من حزب الشعب الجمهوري والأحزاب المعارضة الأخرى”.
أردوغان يخفي حقائق الانقلاب
السلطة الحاكمة في تركيا برئاسة أردوغان لا تسمح للصحفيين بالبحث والتدقيق في أحداث الانقلاب، والكشف عن ملابساتها ليكون الرأي العام على بينة من أمرها، فكل من يحاول إزالة الضباب عن هذا الانقلاب إما يجد نفسه في السجن أو يتعرض للتشويه والشيطنة على يد الإعلام الرسمي، بينما المفترض أن تسعد هي قبل أي أحد بهذه التحريات والبحوث وتشجِّع عليها؛ نظرًا لأنها ضحية هذا الانقلاب، والكشف عن خفاياه يصب في مصلحتها!
كانت الصحفيّة الشابة “إيجه سفيم أوزتورك” آخر الصحفيين الذين وجدوا أنفسهم في غيابة الزنزانة، في أعقاب نشرها تقاريرَ موضوعية تكشف خيوط “الانقلاب المدبر”، بالاستناد إلى تقارير رسمية وإفادات العسكريين المتهمين بالانقلاب والتسجيلات المصورة التي تحوزها المحكمة المشرفة على القضية. ولما لم تجد المحكمة ما يساند مزاعم النيابة العامة من الأدلة اضطرت إلى الإفراج عنها بعد بضعة أشهر.
ليس هذا فحسب بل السلطة الحاكمة لا تثق حتى في لجنة التحقيق البرلمانية في المحاولة الانقلابية، رغم أن معظم أعضائها يتكون من نواب الحزب الحاكم؛ إذ أعلنت اللجنة أنها لن تستمع بشأن الانقلاب إلا إلى أقوال الجنرالات الذين ستختارهم هي، أي الشخصيات التي ستدلي بتصريحات تؤيد الرواية الرسمية للانقلاب. فقد كتبت صحيفة “جمهوريت” أن أعضاء اللجنة من نواب الحزب الحاكم زعموا أن الجنود المتورطين في محاولة الانقلاب يمكنهم أن يأتوا بكل أشكال الافتراء وأعربوا عن قلقهم قائلين: “ماذا يحدث إن زعم أحد هؤلاء الجنود أنهم تلقوْا تعليمات المحاولة الانقلابية من الرئيس أردوغان أو رئيس الوزراء! مباشرة!”
كما أعلنت اللجنة أنها لن تستدعي الرئيس أردوغان ورئيس الوزراء يلدريم للاستماع إلى أقوالهما، وكذلك رئيس أركان الجيش “خلوصي آكار” ورئيس المخابرات “هاكان فيدان” في البداية، ثم قررت مطالبتهما بإرسال رسالة خطية تضم روايتهما لأحداث الانقلاب دون الحضور أمام أعضاء اللجنة، مع أن المفترض أن يكون هؤلاء أبرز المطلعين على خفايا هذا الانقلاب من أي شخص آخر. كما أن اللجنة تراجعت عن قرارها الخاص بالاستماع إلى أقوال “فتح الله كولن”، المتهم الرئيسي بتدبير الانقلاب.
منع أهم ثلاثة أسماء عسكرية من الإدلاء بشهادتها
وكذلك بادرت السلطة إلى تجنيب أهم ثلاثة أسماء عسكرية من الإدلاء بشهاداتهم فيما يخص المحاولة الانقلابية. إذ أدلى كل من رئيس الأركان السابق وزير الدفاع الحالي خلوصي أكار ورئيس الأركان الحالي الجنرال “ياشار جولر” ورئيس الأركان الثاني الجنرال “أوموت دوندار” بإفاداتهم للمحكمة في “جلسة مغلقة” دون حضور المتهمين ومحاميهم، في محاولة للحيلولة دون طرح أي سؤال عليهم قد يسفر عن نتائج عكسية لا ترغبها السلطة.
والمثير للدهشة أن جميع العسكريين المتهمين بالانقلاب أكدوا أثناء الإدلاء بإفاداتهم في المحكمة أن أمر الانقلاب صدر من قادتهم، وأنهم لم يفعلوا شيئًا سوى تنفيذ أوامرهم، منتقدين اعتقالهم بدلاً من قادتهم.
فقد فجّر ضابط الصف عبد الله أردوغان، حارس رئيس أركان الجيش خلوصي أكار، مفاجأة من العيار الثقيل في المحكمة عندما قال إن رئيس الأركان كان على علم بما حدث ليلة الانقلاب داخل قاعدة “أكينجي” العسكرية التي يُزعم أن الانقلابيين انطلقوا منها، وإن جميع الأحداث وقعت بأوامر صادرة منه مباشرة، وإن أكار لم يُنقل إلى هذه القاعدة مرغمًا كرهينة، كما يُدعى، بل هو الذي نقل أكار إلى مقر رئاسة الأركان في يوم 15 يوليو/ تموز 2016 بشكل طبيعي دون أي مشاكل، ونوّه بأن “اعتقال المواطنين الأبرياء بتهمة المشاركة في الانقلاب مجرد عبث”.
فضلاً عن كل ذلك فإنه رغم مرور عامين كاملين على وقوع الانقلاب الفاشل فإن اللجنة البرلمانية المذكورة لم تطبع التقرير الذي أعده أعضاؤها في ورقة خطية لتقديمه للرأي العام، وذلك لأن هذا التقرير يتضمن معلومات متناقضة لا تقدم رواية متماسكة وتخاف السلطة من انجلاء هذه التناقضات وانهيار مزاعمها.