تقرير: محمد عبيد الله
إسطنبول (زمان التركية) – أفادت الأنباء أن رئيس الأركان العامة التركي الأسبق ياشار بويوك آنيط نقل من منزله الصيفي في مدينة “أيدين” إلى المستشفى عقب تدهور حالته الصحية.
بعد نقله من منزله الصيفي بمنتجع بلدة “كوش آداسي” إلى المستشفى، والإسعافات الأولية في غرفة الطوارئ بمستشفى “سوكه فهيم فايك كوكاجوز” الحكومي، قرّر الأطباء نقل رئيس الأركان السابق بويوك آنيط إلى مستشفى ماسلاك بمنطقة آجي باديم في إسطنبول، وذلك عبر طائرة الإسعاف.
وتبين أن الجنرال بويوك آنيط يخضع للعلاج بشبهة الضائقة التنفسية والفشل الكلوي.
وكشفت التقارير أن قائد الجيش الأول الجنرال موسى آفسفير توجه برفقة مجموعة من القادة العسكريين الآخرين إلى مستشفى ماسلاك للاطمئنان على صحة الجرال بويوك آنيط الذي خطف الأضواء بالأدوار التي لعبها أثناء رئاسته للأركان العامة.
بويوك آنيط وأحداث شمدنلي الاستفزازية
يعتبر انتهاء مدة مهمة رئيس الأركان العامة “حلمي أوزكوك”، المعروف بمواقفه الديمقراطية، وإسناد هذه المهمة إلى خلفه قائد القوات البرية الجنرال “ياشار بويوك آنيط”، من أهمّ أحداث عام 2006 حيث كان رجب طيب أردوغان رئيس الحكومة.
تم تعيين بويوك آنيط رئيسًا للأركان في 30 آب / أغسطس 2006 قبل انعقاد مجلس الشورى العسكري بصورة مخالفة للأعراف العسكرية المعتادة، فيما تسلم منصب قائد القوات البرية الجنرال “إيلكار باشبوغ” خلفًا له بعد أن كان يشغل منصب قائد الجيش الأول.
وكان الجنرال بويوك آنيط أثار جدلاً كبيرًا في تركيا بسبب تدخله في محاكمة العسكريين من وحدة القوات الخاصة المتورطين في حادثة “شمدينلي” الاستفزازية للغاية الرامية إلى الإيقاع بين الأكراد والأتراك في 9 نوفمبر/ تشرين الثاني 2005، حيث كان برّأ “القتلة”، كما وصفتهم تقارير النيابة العامة والمحكمة في ذلك الوق، قائلاً: “إنني أعرفهم، فهم شباب طيبون نزيهون!”.
وهذه التبرئة تسببت في الإفراج عن الجنود، وصدورِ قرار من المحكمة بتبرئة ساحتهم في نهاية المطاف، على الرغم من إلقاء القبض عليهم وهم متلبسون بالجريمة التي أدت إلى مقتل عديد من المواطنين الأتراك والأكراد، فضلاً عن منع المدعي العام “فرهاد ساري كايا” من مزاولة مهنته بعد أن أدرج اسم الجنرال بويوك آنيط في مذكرة الاتهام، بسبب تصريحاته السابقة.
كان الجناح العسكري أبدى مقاومة كبيرة أمام المحكمة والسلطة السياسية التي كانت تريد الكشف عن كل خيوط هذه المؤامرة، خوفًا من أن تؤدي مثل هذه التحقيقات إلى إحداث تأثير “الدومينو” في السلك العسكري.
واستقبل رئيس وزراء الفترة أردوغان في 24 مارس 2006 في مقر رئاسة الوزراء قائد قوات الدرك حينها الجنرال بويوك آنيط، الذي ورد اسمه في قضية أحداث شمدينلي المذكورة، واستمر اللقاء حوالي ساعة ونصف. وأكد أردوغان في تصريحات أدلى بها بعد يوم من هذا اللقاء أن الجنرال برئيء من التهم الموجهة إليه وليس له أي علاقة بأحداث شمدينلي التحريضية.
منْع المدعي العام فرهاد ساري كايا الذي أعد مذكرة الاتهام الخاصة بأحداث شمدينلي من مزاولة مهنته مرة أخرى، وكذلك تبرئةُ أردوغان للجنرال بويوك آنيط، رغم حمايته العسكريين المتورطين في أحد أكبر العمليات الاستفزازية للإيقاع بين الشعبين التركي والكردي، والذين أفلتوا من قبضة العدالة قائلين: “لقد قمنا بالمهام المسندة إلينا في إطار مكافحة الإرهاب!”، أقلق الأوساط الديمقراطية التي كانت تعتبر هذه القضية فرصة ذهبية للتخلص من بقايا “الدولة العميقة” أو تنظيم “أرجنكون” الذي كان يسعى للحفاظ على حصانته القانونية مهما ارتكب من جرائم.
لقاء يقلب توجهات أردوغان رأسًا على عقب!
إلا أن الجنرال بويوك آنيط أثار الجدل الأكبر في تركيا بعد أن وجه لحكومة أردوغان ما سمي آنذاك “التحذير العسكري الإلكتروني” الصادم في 27 أبريل/نيسان 2007. ثم أعقب ذلك ”الاجتماع” الذي عقده في الخامس من مايو 2007، أي بعد شهر من هذا التحذير، مع أردوغان، الذي قال عنه في وجه عدسات الكاميرات: “إن مضمونه سيبقى سرًا حتى موتي، إن لم يكشف عنه الطرف الآخر”.
هذه الجملة الشرطية كانت تشير إلى وقوع “ليّ ذراع” و”مساومة” في نهاية المطاف بين طرفي الاجتماع خلف الستار،
لقد ظهرت أدلة وشواهد واعترافات كثيرة تدل على اتفاق أردوغان في هذا اللقاء التاريخي مع رئيس الأركان بويوك آنيط للقضاء على حركة الخدمة، التي كانت أكبر منظمات المجتمع المدني التي أسهمت في نقل تركيا من الدولة المارقة إلى دولة القانون بالتعاون مع نظيراتها الأخرى.
إذ زعم كل من إدريس بال، وهو النائب السابق من حزب أردوغان، ووزير الداخلية الأسبق إدريس نعيم شاهين، وهو رفيق درب أردوغان منذ أيام رئاسته لبلدية إسطنبول، وغيرهما من النواب والشخصايات السياسية الأخرى، أن بويوك آنيط أظهر لأردوغان في هذا اللقاء عديداً من الملفات الخاصة به، ثم هدّده وطالبه بتنفيذ “المشروع” الذي طرحه تحت إشراف “فريق خاص” مكون من الخبراء.
واللافت أن رئاسة البرلمان كانت رفضت الكشف عن مضمون هذا اللقاء حينما تقدم نائب حزب الشعب الجمهوري “علي رضا أوزترك” بمذكرة استفهامية حوله، وذلك استنادًا إلى قول أردوغان: “مضمون هذا اللقاء سيُدفن معي في القبر!”.
طبيعة الحقيقة تأبى إلا الظهور
ونظرًا لأن “طبيعة الحقيقة تأبى إلا الظهور عاجلاً أم آجلاً”، فإن التصريحات التي أدلى بها كبير مستشاري رئيس الوزراء “عبد القدير أوزكان” لقناة “خبرترك” في شباط/فبراير 2017 كشفت حقيقة هذا الأمر للجميع، حيث أكد قائلاً: “تم الاتفاق على إنهاء حركة الخدمة في اللقاء الذي جرى بين رئيس الأركان آنذاك ياشار بويوك آنيط ورئيس الوزراء حينها أردوغان في قصر دولمة بهشة؛ ذلك أن بويوك آنيط أقنع أردوغان خلال اللقاء بخطورة حركة الخدمة وضرورة القضاء عليها، وخُطط لإطلاق العمليات في 2007. لكن لما انطلقت الحملات الأمنية ضد بعض الضباط والجنرالات في إطار قضية أرجنكون بعد شهرٍ من هذا اللقاء، تأجلت بالضرورة الحملات الأمنية المخطط إطلاقها ضد حركة الخدمة إلى وقت لاحق”.
في الحقيقة أن أركان الحكومة، وعلى رأسهم أردوغان، كانوا وقعوا على “قرار القضاء على حركة الخدمة” الذي اتخذها مجلس الأمن القومي عام 2004. ومع أن أردوغان اعترف بموافقته على هذا القرار، لكنه زعم أنه لم يطبقه، وإنما وقع عليه تماشياً مع جنرالات الجيش، إلا أن الأحداث التي شهدتها تركيا في وقت لاحق أثبتت أن هذا القرار تم تطبيقه بصورة سرية وتدريجية أولاً، وبصورة علنية بعد تحقيقات الفساد والرشوة في 2013، وبصورة صارخة بعد الانقلاب المسرحي في 2016.
ولم تكن “خطة القضاء على حزب العدالة والتنمية وكولن” أو “خطة عمل لمكافحة الرجعية” التي أعدها العقيد “دورسون تشيتشاك”، بتعليماتٍ من رئيس هيئة الأركان العامة في تلك الفترة “إيلكار باشبوغ”، سوى محاولة لترجمة بنود القرار المتخذ من قبل العسكريين التابعين لتنظيم أرجنكون إلى أرض الواقع.
وكان الكاتب الصحفي المخضرم من جريدة “حريت” مراد يتكين أكد في مقال له نشره في عام 2017 أنه لا يمكن الإحاطة بما حدث في ليلة محاولة الانقلاب عام 2016 من دون الكشف أو الاطلاع على ما جرى بين الجنرال بويوك آنيط وأردوغان الذي قال: “مضمون هذا اللقاء سيُدفن معي في القبر”.
لذا نطالب باعتبارنا مواطنين أو صحفيين يبحثون عن الحقيقة رئيس الأركان الأسبق الجنرال ياشار بويوك آنيط بالكشف عن حقيقة ما حدث في هذا الاجتماع قبل انتقاله إلى الدار الآخرة!