*بقلم: محمد أبو سبحة
ألبانيا (زمان التركية) – لا زلت أتذكر آخر الصواريخ التي سقطت على مخيم “أشرف” الذي كان يضم عناصر منظمة مجاهدي خلق الإيرانية، أتذكر قبل ذلك استغاثاتهم للسماح بنقل بعض الحالات الحرجة إلى المشافي دون مجيب، كانوا يعانون حصارًا خانقًا في تلك الأيام؛ هذه الأحداث كانت قبل 4 سنوات، أما اليوم اختلف الوضع جملة وتفصيلا، فما رأيته قبل أيام في مخيم (أشرف 3) يجعل مخاوف النظام الإيراني تتجدد.
في وسط الطبيعة بأحد مناطق العاصمة الألبانية تيرانا، زرت مخيم أشرف الثالث، الذي انتقلت إليه آخر دفعات عناصر مجاهدي خلق من العراق في العام 2016.
المخيم الذي أنشئ في وقت قياسي عبارة عن مدينة إيرانية صغيرة بمنطقة ريفية احتضنتها ألبانيا، يزاول فيها عناصر مجاهدي خلق بقيادة قائدة المنظمة مريم رجوي أنشطتهم في حرية تامة وفق قوانيهم الخاصة، بعد سنوات من المعاناة والتضييق والقصف بالصواريخ الإيرانية في العراق على مخيمي أشرف في ديالى وليبرتي في بغداد “أشرف 2” منذ سقوط نظام الرئيس السابق صدام حسين.
رعى النظام الإيراني عبر الحكومة في العراق حصارا خانقا على المعارضين الإيرانيين منذ عام 2003، وكان يظن أن وجودهم في العراق بمثابة ورطة له لقربهم جغرافيا من طهران، وبعد اتفاق بغداد مع الأمم المتحدة على ترحيلهم إلى دول أوروبية ظن نظام الملالي أنه نجح في التخلص منهم إلى الأبد، باعتبار أنهم سيذوبون في المجتمعات الأوربية وينتهي تهديدهم، إلا أن واقع الأمر أن المجاهدين مُنحوا قبلة الحياة، فانتقالهم من العراق خلص أكثر من 3000 آلاف شخص من حصار عاشوه على مدار 13 عامًا.
سكان أشرف في العراق كانوا يستغيثون لنقل الحالات الحرجة إلى المستشفيات، لكن اليوم لديهم مستشفى خاص مجهز بالإمكانيات اللازمة في أشرف 3، وقاعات مؤتمرات يستقبلون بها وفودا من مختلف بلدان العالم، ومبان إدارية وسكنية أفضل آلاف المرات من تلك التي كانوا يقطنون فيها تحت حصار القوات الأمنية العراقية وصواريخ المليشيات الإيرانية.
النظام الإيراني سجن نفسه وأطلق سراح مجاهدي خلق، وخلال الشهر الأخير على سبيل المثال نظم أنصار مجاهدي خلق تظاهرات في عدة دول أوروبية، من بينها السويد وألمانيا وفرنسا وغيرها، كما لا يفوتون أي زيارة خارجية لرجال النظام إلا ويقيمون تظاهرة مناهضة في المكان ذاته.
كانت الزيارة بهدف حضور المؤتمر السنوي العام للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، مع مئات الشخصيات السياسية والإعلامية، وهو المؤتمر الذي ينظم للمرة الأولى في ألبانيا.
مجاهدي خلق وتعدادهم يزيد عن 2000 شخص في ألبانيا استقبلوا بكل ترحاب شخصيات من مختلف الجنسيات في أشرف 3 الذي لا يتجاوز عمره العام والنصف، عرضوا عليهم قضيتهم ومطالبهم ووعدوهم باستقبالهم قريبا في العاصمة طهران، مقدمين الشكر للحضور على دعمهم الممتد منذ سنوات.
ورطة النظام الإيراني تتمثل الآن في مواجهة انفجار وشيك من الداخل ومعارضة منظمة في الخارج ووضع دولي يختلف عن السابق كما قالت مريم رجوي. ففي الوقت الذي يقف النظام عاجزًا عن تلبية مطالب الشعب، تتوسع أنشطة المعارضة داخل البلاد لإسقاط النظام الفاشي، الذي بات منبوذا ومحاصرا دوليًا خاصة بعد إعادة فرض واشنطن للعقوبات الاقتصادية التي تجفف موارد موازنة طهران المنصرفة على الأنشطة الإرهابية في الدول المحيطة.
رجوي طالبت بفرض عقوبات على مرشد الثورة علي خامنئي والرئيس حسن روحاني ووزير الجارجية محمد جواد ظريف مهندس لعبة الاعتدال والإصلاح داخل نظام ولاية الفقيه. دعت وكأنها تتحدث بلسان العرب من المحيط إلى الخليج إلى طرد مليشيات الحرس الثوري من العراق وسوريا واليمن ولبنان وأفغانستان.
بهذا المؤتمر تم الكشف لأول مرة عن موقف مجاهدي خلق من الأقليات في إيران، السيد محمد محدثين مسئول ملف الشئون الخارجية بالمجلس الوطني للمقاومة أكد لي على هامش المؤتمر، أنهم يرحبون بالمشاركة الفاعلة لكافة أطياف المجتمع الإيراني في الحكم. وأكد على أنهم لا يعارضون تمتع الأقليات في إيران بالحكم الذاتي، وقال لي إن الأحواز والبلوش والكرد والسنة من حقهم أن يحكموا مناطقهم بأنفسهم، وأن ملف السياسة الخارجية وحده فقط يجب أن يبقى بيد الحكومة. وبالمناسبة التقيت هناك أحد سكان بلوشستان إيران وهو من السنة وقرر الانضمام إلى مجاهدي خلق بعد أن رأى في ذلك الأمل لإسقاط النظام الحالي.
المعارضون الإيرانيون مدعومون بقوة في ألبانيا، وكما قال أحد الشخصيات السياسية الحاضرة، فإن الأحزاب السياسية الألبانية يمكنها الاختلاف على كل شئ ما عدا دعم عناصر مجاهدي خلق ووجودهم في بلادهم حتى سقوط نظام الحكم في إيران.
كانت فاعليات المؤتمر السنوي وعلى مدار خمسة أيام شديدة التنظيم تمامًا كشدة انضباط ونظام عناصر مجاهدي خلق رجالا ونساءً داخل مخيم أشرف الثالث وكأنه خلية نحل يحكمها ملكة واحدة. أطلعونا على أجزاء من المخيم وكذلك المعرض الذي يوثق لحظات رعب عاشها بعضهم وأحبتهم داخل معتقلات النظام الإيراني قديما وحديثا، ولم يفتهم إقامة نصب تذكاري لضحايا القمع.
إنهم صادقون في غاياتهم لدرجة أنه رغم إقامتهم في دولة أوروبية إلا أنهم تخلوا تمامًا عن كل مظاهر الرفاهية والحياة المنعمة، الأكثر دهشة بالنسبة لي أنهم قبلوا بتعليق فكرة الزواج تماما وقرروا أن لا يكون هناك ما يشغل بالهم عن إسقاط النظام الإيراني، وإن كنت ألومهم على ذلك وأرى أن ظهور جيل شاب من صلب مجاهدي خلق ضرورة لضمان الاستمرارية، فلا أحد يعلم متى يحققون غايتهم، وأتسائل كيف لم يفكروا في احتياجهم لجيل شاب في مرحلة مقبلة، ينتظرون فيها حمل المهام السياسية كافة.
أرى أنه كان على قادة مجاهدي خلق أن يتكئوا على الجيل الشاب، بعد الإرهاق الذي أصابهم طوال سنوات النضال الماضية، وبما أن القطاع الأكبر الذي يعتمدون عليه الآن لإحداث حراك داخلي قائم بلا شك على الشباب، وجب عليهم استقطاب المزيد منهم، ولن يحدث ذلك إلا بتحقيق انفتاح كبير.
* كاتب صحفي- باحث في سياسة جنوب غرب آسيا