بقلم : مايسترو
(زمان التركية) – بداية نؤكد على أن اختلافنا مع السياسة الأردوغانية المعادية للمصالح العربية بشكل عام لا يتضاد مع حرصنا على مصلحة الدولة التركية وشعبها الصديق، ومن المؤسف أن تصب سياسة أردوغان الخارجية لتوجه سمومها صوب المعسكر المصري السعودي الإماراتي البحريني، حيث يدعم هذا الرئيس الحركات الإرهابية المتشحة برداء الإسلام في المنطقة، وبهذا تخسر تركيا سياسياً واقتصادياً نتيجة هذه السياسة الخرقاء، بينما يُظهر أردوغان تصادماً نراه شكلياً ومُصطَنعاً مع الولايات المتحدة وإسرائيل.. وسوف نركز الضوء على ملف شراء تركيا لمنظومة الدفاع الصاروخية S400 وما أثير حوله من مواقف أمريكية وأوربية وتركية، وذلك على التفصيل الآتي بيانه :
* بداية تعد منظومة الصواريخ الدفاعية S400 الروسية لمواجهة الطائرات الاستراتيجية والتكتيكية والصواريخ الباليستية وغيرها من وسائل الهجوم الجوي.. هي الأكثر تميزاً عن الأنظمة الأخرى المشابهة، فنظام Patriot الأمريكي المنافس مازال أقل كفاءة من المنظومة الروسية، وهذا يعني الكثير بالنسبة لموازين القوى، وكم سعت ـــ ولا تزال ـــ أجهزة الاستخبارات الغربية للحصول على أسرار تكنولوجيا المنظومة الروسية، وسبق لروسيا في عهد الرئيس الروسي يلتسين أن باعت للولايات المتحدة الأمريكية نسخة من منظومة S300.. .
* إنّ شراء تركيا لمنظومة S400 خطوة جيو استراتيجية لها وزنها، فامتلاك منظومة S400 يعطي حائزها إمكانية وضع سياسة خارجية مستقلّة عن واشنطن، ولهذا فهي ليست مجرّد عملية شراء أسلحة عادية، بل هي تعد أداة تتغير بها قواعد اللعبة الجيو سياسيّة.
* من المؤكد أن منظومة S400 التي تقوم روسيا بتوريدها للدول الأخرى مثل تركيا، تختلف في نظامها للتمييز بين الأهداف ” العدو والصديق ـــــ بحيث تمتنع عن فتح النيران ضد الطائرات والصواريخ الروسية ” عن تلك التي تستخدمها المنظومة التي تؤمن المصالح الروسية، والأخيرة بالطبع متطورة بشكل جذري عن تلك التي تبيعها روسيا للدول الأخرى.
* وبالنسبة لما أعلن عن تضمين العقد الروسي/التركي لبند يتعلق بنقل التكنولوجيا الخاصة بهذه المنظومة، فلا يعني هذا تمكين تركيا من معرفة أسرار تصنيع المنظومة، كما هو الحال في الشراكة الأمريكية التركية في تصنيع الأخيرة لبعض مكونات الطائرة F35 فإن الدور التركي بعيد تماماً عن التكنولوجيا الخاصة التي تتميز بها الطائرة عن مثيلاتها.
* هذا ووفقاً للتعاقد الروسي/ التركي على توريد روسيا لمنظومة S400 فقد التزمت تركيا بعدم نقل تكنولوجيا هذه المنظومة إلى دولة ثالثة أو عبر دولة ثالثة، ولا يعني إعطاء روسيا بعض المعلومات التقنية لأنقرة أن موسكو تثق فيها.. فمن المؤكد أن روسيا ستعمل على تأمين تكنولوجيا السلاح الذي تبيعه بطرق متعددة، منها : وضع أنظمة للتدمير الذاتي لبعض الأجزاء الحساسة في حالة القيام بأي محاولة لتفكيكها أو الولوج لأنظمتها من خلال أجهزة أخرى؛ وكذا برمجة منظومة تمييز الأهداف بحيث تمنع الإطلاق على الطائرات الروسية.. بل وبعد القرار الأمريكي باستبعاد تركيا من مشاركتها في تصنيع الطائرة المقاتلة F35 وكذا منع بيعها لتركيا، كإجراء عقابي لشراء الأخيرة لمنظومة S400، حيث يصبح مشاركة تركيا في برنامج إنتاج مقاتلة “F35” الأمريكية من الجيل الخامس أمرا مستحيلا، مضيفة بأن التعاون مع تركيا سيستمر مع الأخذ في الحسبان القيود المتعلقة باقتنائها لمنظومة الصواريخ الروسية. هذا وعلى جانب آخر فقد صرح سيرغي تشيميزوف المدير العام لشركة “روستيخ” استعداد موسكو لتوريد مقاتلات من طراز “سو 35” لتركيا، إذا أبدت الأخيرة رغبة في ذلك، ويدل هذا على ثقة بوتن في حماية أسرار التكنولوجيا العسكرية رغم بيع الأسلحة الروسية لدول تتحالف مع خصوم روسيا.. ومع هذا نرى أن تمكين تركيا للخبراء الأمريكيين من فحص السلاح الروسي وتجربته ومراقبة تشغيله سيمنح أمريكا بعضاً من المعلومات لفهم أسرار هذا السلاح.. ولعل بوتن يريد استقطاب تركيا بشكل عام ربما في مرحلة ما بعد أردوغان.. أو على الأقل إبعادها عن المعسكر الغربي، مستغلاً نشوء نزعة انفصالية تركية عن الغرب خاصة مع استبعاد الاتحاد الأوربي لتركيا من الانضمام له.
هذا ومما سبق طرحه كمعطيات للموقف فإن الصدام الذي بدت ملامحه في العلاقات الأمريكية التركية بعد شراء الأخيرة لمنظومة صواريخ S400 من روسيا نراها مصطنعة، خاصة وأن شخصية أردوغان السياسية، التي تتسم بالبرجماتية والشعبوية تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك حرصها على عدم التعارض مع المصالح الإسرائيلية والأمريكية، إلا من خلال بعض التصريحات الجوفاء.. فسياسته الخارجية الواقعية نموذج للتماهي مع تلك المصالح؛ فكيف نفسر عدائه لمصر والسعودية والإمارات.. وما هي دلالات التوظيف التركي للتنظيمات الإرهابية بالمنطقة.. بجانب محاولاته المشبوهة للتأثير في الصراع الليبي.. وتدخله المريب في السودان خلال فترة حكم البشير.. .
ولمن يشك في تبعية أردوغان الأمريكية.. فليتأمل موقفاً بسيطاً رصدته أجهزة الإعلام، ولكنه يعبر تعبيراً صريحاً عن شخصية الرجل وتبيعيته؛ ففي قمة العشرين الأخيرة التي عُقدت في اليابان ـــ يونيو 2019ـــ تسلل أردوغان للوقوف بجانب نظيره الأمريكي دونالد ترامب، وذلك خلال التقاط “الصورة العائلية” للقادة والرؤساء المشاركين في قمة العشرين، فقبيل بدء أعمال القمة بأوساكا تم إرشاد القادة المشاركين بأماكنهم على المنصة الرئيسية استعداداً لالتقاط الصورة التذكارية التقليدية، إلا أن أردوغان شوهد يترك المكان المخصص له مسبقاً ليقف بجانب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مخالفاً بهذا للبروتوكول المُعلن، ويُعبر هذا التصرف بقوة ووضوح عن شخصية هذا الرئيس.
وقد يتساءل القارئ وماذا عن ولي العهد السعوي الذي يقف على يسار ترامب ؟ نجيب على هذا التساؤل بأنه : وفقا للبروتوكول المعمول به ـــ والذي نشرته العديد من وسائل الإعلام ـــ يقف رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي في منتصف المنصة لكون اليابان البلد المضيف، وعلى يمينه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، فالمملكة العربية السعودية ستكون الدولة المضيفة للقمة العام المقبل، وعلى يساره الرئيس الأرجنتيني ماوريسيو ماكري، الذي استضاف القمة الماضية، وإلى جانب ولي العهد السعودي تقرر وقوف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وعلى يمين الأخير نظيره الصيني شي جين بينغ.. مما جعل الرئيس الصيني يقف بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والكوري الجنوبي مون جيه ــ إن. في النهاية فأردوغان رئيس جند نفسه عميلاً.. ينفذ مهاماً معينة في المنطقة، كما هو حال دور الأمير القطري الذي تم تجنيده من قبل الغرب !!!.