أنقرة (زمان التركية) – لمَّح رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان في كلمة له، أمس الاثنين، إلى أنه يستعد لشن حملات اعتقالات جديدة داخل مؤسسات الدولة، بزعم الانتماء لحركة الخدمة، التي يتهنها من دون دليل معتبر قانونيا ودستوريا بتدبير الانقلاب الفاشل في 2016.
شارك أردوغان أمس الاثنين، في حفل افتتاح مبنى مديرية أمن أنقرة الجديد، ضمن احتفالات الذكرى الثالثة للانقلاب المسرحي الذي تعرضت له تركيا في 15 يوليو/ تموز 2016.
خلال كلمته، خصص أردوغان جزءًا كبيرًا للحديث عن إنجاذه الخاص في تنفيذ صفقة منظومة الدفاع الجوي الروسية S-400، وأنه تحدى الغرب والولايات المتحدة الأمريكية من أجل تحقيق مصلحة بلده، على حد تعبيره.
إلا أن أردوغان أدرك أن كلمته في هذه الذكرى كان يجب أن تكون عن محاولة الانقلاب التي يتهم حركة الخدمة بالوقوف ورائها دون أدلة أو تحقيقات عادلة كما كشفت تقارير الأمم المتحدة وقراراتها ومنظمات دولية أخرى.
في تعليقه على محاولة الانقلاب، أكد أردوغان أنه ستواصل عمليات الاعتقالات والقبض في صفوف أجهزة ومؤسسات الدولة المختلفة، في مسعى لتطهيرها ممن سموهم المنتمين إلى منظمة فتح الله كولن.
منذ وقوع الانقلاب المزعوم، تستيقظ تركيا كل صباح على وقع أنباء عن اعتقال العشرات، والمئات في الكثير من الأحيان بتهمة الانتماء لحركة الخدمة، أو كانوا على علاقة بها في يوم من الأيام.
إلا أن الكاتب الصحفي التركي عبد الله بوزكورت نشر قبل عدة أيام في موقع “نورديك مونيتور” السويدي، وثيقة “سرية” مسربة من رئاسة أركان الجيش التركي تثبت تورط رئيس الأركان السابق وزير الدفاع الحالي خلوصي أكار في محاولة الانقلاب الفاشلة أو الانقلاب المدبر على حد تعبير المعارضة التركية.
أوضح الخبر أن الوثيقة مدون عليها “سري للغاية”، وموجودة على أجهزة الحاسب الآلي الخاصة برئاسة هيئة أركان الجيش، مشيرًا إلى أنه قد تبينت صحة الوثيقة بتقرير من هيئة الخبراء التي فحصتها ضمن قضية الانقلابيين.
وبحسب الخبر والوثائق المنشورة فيه، يظهر توقيع رئيس أركان الجيش التركي في ذلك الوقت خلوصي أكار على الرسائل المعدة مسبقًا من أجل إرسالها إلى الوزارات والوحدات العسكرية في الساعات الأولى للانقلاب، ويحمل لقب “رئيس مجلس الصلح والسلام في الوطن”، وهو الاسم الذي أطلقه الانقلابيون على مجلسهم الانقلابي.
وأوضح الخبر ذاته أن جميع الرسائل المرسلة إلى الوحدات العسكرية والهيئات الرسمية تحمل توقيع رئيس مجلس السلام التركي الجنرال خلوصي أكار أيضًا.
وتكشف الرسالة الأولى التي أرسلت إلى الوزارات والوحدات العسكرية مساء ليلة الانقلاب، بعنوان “توجيه الأحكام العرفية”، ومدون عليها في الأسفل “رئيس مجلس السلام التركي”، أي خلوصي أكار.
وتنص الرسالة على أن خلوصي أكار مستمر في منصبه رئيسًا لأركان القوات المسلحة، وأنه لم يتم إجراء أي تعديلات أو تغييرات على قيادات القوات.
وأوضح عبد الله بوزكورت أن المتهمين بالانقلاب لم يقوموا بإرسال الوثيقة التي حملت توقيع رئيس الأركان خلوص أكار في الساعات التي كان خلوصي محتجزًا في أيديهم، بحسب مزاعمه، رغم أنهم لو فعلوا ذلك لتحرك كل الجيش وثبت أن أمر الانقلاب صدر من رئاسة الأركان العامة.
وأشار بوزكورت إلى أنه تمت محاكمة 20 عسكريًّا كانوا أعضاءً في مجلس الصلح والسلام في الوطن / المجلس العسكري الانقلابي، بينما لم يتم فتح أي تحقيقات في حق خلوصي أكار نفسه الذي يعتبر المتهم الأول في الواقعة، بل يدلِ بشهادته حول أحداث الانقلاب في أمام لجنة التحقيق البرلمانية وأمام المحكمة إلا في جلسة مغلقة تفاديًا لمواجهة أسئلة العسكريين الآخرين المتهمين بالانقلاب.
وكانت السلطة السياسية بيقادة رجب طيب أردوغان بادرت إلى تجنيب أهم ثلاثة أسماء عسكرية من الإدلاء بشهاداتهم فيما يخص المحاولة الانقلابية، إذ أدلى كل من رئيس الأركان خلوصي أكار والجنرال “ياشار جولر” ورئيس الأركان الثاني الجنرال “أوموت دوندار” بإفاداتهم للمحكمة في “جلسة مغلقة” دون حضور المتهمين ومحاميهم، في محاولة للحيلولة دون طرح أي سؤال من قبل العسكريين المتهمين عليهم قد يسفر عن نتائج عكسية لا ترغبها السلطة.
والملفت للنظر أن جميع العسكريين المتهمين بالانقلاب أكدوا أثناء الإدلاء بإفاداتهم في المحكمة أن أمر الانقلاب صدر من قادتهم، وأنهم لم يفعلوا شيئًا سوى تنفيذ أوامرهم، منتقدين اعتقالهم بدلاً من قادتهم. إذ فجّر ضابط الصف عبد الله أردوغان، حارس رئيس الأركان خلوصي أكار، في المحكمة مفاجأة من العيار الثقيل عندما قال إن رئيس الأركان كان على علم بما حدث ليلة الانقلاب داخل قاعدة “أكينجي” العسكرية التي يُزعم أن الانقلابيين انطلقوا منها، وإن جميع الأحداث وقعت بأوامر صادرة منه مباشرة، وإن أكار لم يُنقل إلى هذه القاعدة مرغمًا كرهينة، كما يُدعى، بل هو من نقله إلى مقر رئاسة الأركان في يوم 15 يوليو/ تموز 2016 بشكل طبيعي دون أي مشاكل، ونوّه بأن “اعتقال المواطنين الأبرياء بتهمة المشاركة في الانقلاب مجرد عبث”.