بقلم: يوكسل جولبينار
بات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عاجزًا عن مواصلة نجاحاته السياسية والاقتصادية للمرة الأولى منذ أن بدأ الحكم الفعلي لتركيا في عام 2002.
مني أردوغان بخسارتين متتاليتين في انتخابات رئاسة بلدية إسطنبول أجريتا في عام واحد، بعد أن سيطر عليها مع حزبه السياسي لنحو ربع قرن، بالرغم من تسخيره لجميع أدوات الدولة، وعلى رأسها وسائل الإعلام؛ ولكن الفضيحة أن المرة الثانية كانت بخسارة لا تقارن حيث تجاوز الفارق 800 ألف صوت.
خسر في المرة الأولى في انتخابات 30 مارس/ أذار بفارق 13 ألف صوت، ولكنه لم يقبل الهزيمة، فخسر المرة الثانية بفارق يقارب 800 ألف صوت، ليلمع نجم إمام أوغلو كوجه جديد للسياسة التركية.
كان أردوغان يقول سابقًا: من يخسر إسطنبول، يخسر تركيا؛ والآن تحقق هذا القول على الساحة الفعلية وبات أردوغان عاجزا عن إدارة البلاد.
وفي ظل سيطرة صهره وزير الخزانة والمالية برات ألبيراق على الاقتصاد، باتت الأوضاع الاقتصادية في وضع يرثى له، وأصبحت تركيا تستيقظ كل يوم على قرارات جديدة بزيادة الأسعار.
لم تقتصر بشاعة المشهد الاقتصادي على زيادات الأسعار والضرائب المتتالية، وإنما تحولت تركيا، إلى دولة ترفع فيها الشركات رايات الإفلاس واحدة تلو الأخرى. وباتت دولة تكتظ سجونها بالمعارضة، وتنفر منها العقول المتعلمة والمنفتحة.
بعد أن كان أردوغان يلقب بزعيم العالم وغيرها من الأسماء الرنانة، تحول إلى رئيس دولة عاجز عن إدارة أمورها حتى أنه يصول ويجول سعيدًا بأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لن يوقع علينا عقوبات اقتصادية؛ ولكن في الحقيقة لا أعلم مدى صحة هذا، فترامب لا يملك كل القرارات في يده.
وعلى الرغم من أن أردوغان اتهم المعارضة بالعمالة والخيانة، ووصفها بالقمامة والقذارة، وخاصة حزب الشعب الجمهوري المعارض، إلا أن ذلك الحزب أصبح اليوم يمتلك قوة لم يكن يحلم بها في أي وقت من الأوقات؛ لأنه حزب معارض تمكن من اقتناص أصوات التيار الإسلامي أيضًا، وليس التيار اليساري العلماني فقط.
النجاح الأكبر الذي حققه أكرم إمام أوغلو بفوزه رئاسة بلدية إسطنبول الكبرى، هو أنه قضى على مقولة أردوغان وحزب العدالة والتنمية التي زرعوها في عقول التيار المتدين المحافظ: “التصويت لحزب الشعب الجمهوري حرام”.
خلال مرحلة انتخابات الإعادة على منصب رئاسة بلدية إسطنبول، أدار أردوغان حملة تشويه من خلال وسائل الإعلام الموالية له، من أجل تشويه إمام أوغلو، محاولًا أن يجعل منافسه في الموقف نفسه الذي كان فيه قبل سنوات، ليرى العالم أجمع كم أصبح أردوغان ضعيفًا وعاجزًا.
هدد أردوغان قبيل الانتخابات أن الجرائد والصحف ستنشر مستندات ووثائق تكشف فضائح تورطت فيها المعارضة ومرشحها في إسطنبول إمام أوغلو، ليرى الجميع مدى انشغاله بروباجندا رخيصة لا جدوى منها.
خلال حملته الانتخابية وعد إمام أوغلو أهالي إسطنبول بحل العديد من الأزمات المتفاقمة في المدينة العجوز، على رأسها البنية التحتية والمرور، ولكنه في الوقت نفسه كان يواجه حملة تشويه وبروباجندا سوداء من أردوغان الذي لم يكن منافسًا له؛ إلا أن أردوغان، دون أن يدرك، جعل منه بطلًا شعبيًا ضحية في أعين الشعب، سحب منه محضر التنصيب، ويكافح من أجل ألا تسرق أصواته مرة أخرى.
القادم أصعب لأردوغان…
أردوغان الذي لم يستطع الفوز في أي استحقاق انتخابي بمفرده، منذ الانتخابات الرئاسية في 2014، والانتخابات البرلمانية في 2015، ينتظره أيام صعبة، سواء على مستوى السياسة الداخلية أو الخارجية.
لقد أصبح قائدا لا يمكنه الفوز في الانتخابات، وفي الوقت نفسه متهم بالدكتاتورية من قبل المعارضة.
أما رئيس حزب الشعوب الديمقراطي الكردي المعتقل صلاح الدين دميرتاش، فقد تمكن من قلب موازين الانتخابات في إسطنبول لصالح حزب الشعب الجمهوري، من خلال الخطاب الذي نشره من داخل محبسه. وبالرغم من أن أردوغان حاكم ومسيطر على كل وسائل الإعلام والصحف في البلاد إلا أنه خسر أمام خطاب المعارض الكردي.
لقد لجأ أردوغان إلى زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان، الذي يقول إنه زعيم إرهابي، من أجل أن يرسل خطابًا للناخبين الأكراد ليكونوا حياديين، إلا أن ذلك أيضًا لم يفده في شيء.
لم يكفِ ذلك لكي يحصل أردوغان على أصوات الأكراد، فلجأ هذه المرة إلى شقيقه عثمان أوجلان، الذي ظهر في حوار تليفزيوني على أحد قنوات هيئة الإذاعة والتليفزيون التركية “TRT”، بالرغم من أنه على قائمة العناصر الإرهابية المطلوبة.
وما شهدته الأيام الأخيرة من قرار البراءة الذي صدر من المحكمة في حق جميع المتهمين في قضية “أرجنكون” الشهيرة له دلالات كثيرة.
هذا القرار يعني أن تنظيم أرجنكون الذي يتحالف معه أردوغان ضد حركة الخدمة، منذ عام 2002، لم يعد أمامه المزيد ليحصل عليه من أردوغان.
لم يمر كل ذلك على خير داخل حزب العدالة والتنمية، يوما بعد يوم تتزايد الأخبار الخاصة بتأسيس وزير الاقتصاد السابق علي باباجان حزبه الجديد، بل ويزيد الأمر إلى أن هناك أكثر من 30 برلمانيا تابعا لحزب العدالة والتنمية مستعدين للانشقاق عن الحزب للانضمام للحزب الجديد.
أما داود أوغلو فقد باتت تصريحاته المنتقدة لنظام أردوغان واضحة وصريحة.
لم يبق أمامه إلا حليفه رئيس حزب الحركة القومية دولت بهجلي؛ ولكنه من المعروف أنه ما إن دخل في أي تحالف إلا وكانت في يده كلمة النهاية…
تحالف سابقًا مع حزب اليسار الديمقراطي، وحزب الطريق الصحيح، وحالهم معلوم للجميع أن كليهما أصبح ضعيفًا بلا قوة، وكأنهم سيتبخران من تاريخ السياسة التركية.
ماذا قالت ميرال أكشنار: “وراء كل رجل ناجح امرأة، ووراء كل نظام فاشل بهجلي”.
أردوغان قائد لم يتمكن من الفوز بأي انتخابات بمفرده في تركيا منذ عام عام 2014 – 2015 حيث دخل الأكراد إلى البرلمان ومنعوه من تشكيل الحكومة بمفرده، الأمر الذي دفعه إلى التحالف مع الحركة القومية لتشكيل الحكومة المنفردة بدعم خارجي من القوميين.
عبد اللطيف شنار أحد مؤسسي حزب العدالة والتنمية، والآن نائب حزب الشعب الجمهوري عن مدينة قونيا، أوضح عقب انتخابات المحليات في 31 مارس/ أذار الماضي، أن ما تعرض له أردوغان هزيمة كبيرة، قائلًا: “لا أتوقع أن أردوغان سيفوز في أي انتخابات بعد ذلك”، ما يكشف الأحداث المحتملة التي ستشهدها الفترة المقبلة.
النتيجة أن تركيا مقبلة على شتاء قارس البرودة، ولكن هل سيعقبه ربيع مزهر، لا أحد يعلم؟