بقلم: عبد الله منصور
طالما كانت إسطنبول المدينة المغناطيسية التي تجذب السياسيين والطامحين في الصعود إلى رأس السلطة في تركيا؛ فقد كانت بداية لمعان نجم أردوغان منذ نعومة أظافره السياسية عندما كان رئيسًا لبلدية إسطنبول الكبرى، التي وثب منها إلى رئاسة الحكومة التي سيطر عليها بقبضة من حديد، إلى أن تولى منصب رئاسة الجمهورية في عام 2014، ولكنه لم يكتفِ بالصلاحيات المحدودة لهذا المنصب الشرفي الذي كان يشغله رفيق دربه عبد الله جول، وأجرى استفتاءً في أبريل 2017، ومنح نفسه صلاحيات السلاطين، بتحويل البلاد من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي، بعد أن كان ينتقد دائمًا الداعين لتطبيق هذا النظام في تركيا.
في أعقاب وصول أردوغان إلى منصب رئيس الجمهورية، فرض قبضته الحديدية في وجه كل منتقديه ومعارضيه، واستخدم “فزاعة الإرهاب” لمطاردتهم، وغلق الصحف ووسائل الإعلام المنتقدة له، للتستر على تجاوزاته. كان كثيرًا ما يصول ويجول مفتخرًا بأنه يحظى بدعم كبير من الشعب التركي من مختلف تياراته، فكانت أول صفعة على وجهه في انتخابات رئاسة الجمهورية في 2014، حيث فاز بشقّ الأنفس بلغت نسبته 51.79%، ليلجأ بعد ذلك إلى الاستفتاء الشعبي لإجراء تعديلات دستورية تضع في يده كل الصلاحيات في أبريل 2017، ليتلقى الصفعة الثانية بالموافقة على الدستور الجديد بنسبة 51.41% فقط من الأصوات، بينما كان ينتظر أن تكون نسبة الموتفقة أعلى.
بعدها لجأ أردوغان إلى عقد انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة في يونيو 2018، والتي فاز فيها أردوغان بمنصب رئيس الجمهورية بنسبة لم تتجاوز 52.38% من الأصوات، وسط ادعاءات بالتلاعب بالنتائج، تبعها المزيد من التضييق والقمع ضد المعارضين.
ومع اقتراب الانتخابات المحلية التي أجريت في 31 مارس، بدأ أردوغان يشعر بأن البساط يسحب من تحت قدميه، رغم التحالف الذي عقده مع رئيس حزب الحركة القومية دولت بهتشالي، في محاولة لزيادة أصواته حزبه، لتتحول مواقفه 180 درجة تجاه بهتشالي الذي أضحى طوق نجاته بعدما كان حزبه يصفه بالفاشية لدفاعه عن القومية التركية المتطرفة.
بالرغم من تجمع أصوات الحزبين معًا إلا أن أردوغان مني بهزيمة ساحقة في أغلب المدن الكبرى وأشهرها، من بينها إسطنبول وأنقرة وإزمير وأضنة وأنطاليا، في الانتخابات التي أجريت في 31 مارس الماضي. بالرغم من خسارة العاصمة أنقرة إلا أن الأنظار كانت تتجه إلى إسطنبول التي فاز فيها مرشح تحالف الأمة وحزب الشعب الجمهوري المعارض، ورئيس بلدية بايلكدوزو السابق أكرم إمام أوغلو، بفارق 13 ألف صوت، أما مرشح تحالف الجمهور وحزب العدالة والتنمية ورئيس البرلمان السابق بن علي يلدريم؛ ليخسر أردوغان ورفاقه إسطنبول للمرة الأولى منذ 25 عام تقريبًا.
لم تكن هذه هي النهاية، فقد بدأ أردوغان توجيه انتقادات لاذعة وتهديدات واضحة للجنة العليا للانتخابات، التي لجأت لإلغاء نتائج الانتخابات في إسطنبول، وسحب محضر تنصيب إمام أوغلو، في 6 مايو الماضي، وبعدها أعلن رئيس اللجنة العليا للانتخابات القاضي مبرأ جوردال، طلبه التقاعد، بدون إبداء أسباب في 9 مايو الماضي أيضًا.
وفي 23 يونيو الجاري، أعيدت الانتخابات مرة أخرى، وسط ترقب كبير، ليتلقى أردوغان الضربة القاضية بفوز إمام أوغلو على بن علي يلدريم بفارق حوالي 800 ألف صوت لتبدأ بعدها التسريبات حول مستقبل حزب العدالة والتنمية وتحالفه مع حزب الحركة القومية.
بعد أن لمع اسم أكرم إمام أوغلو، ليتحول من مجرد رئيس بلدية في أطراف إسطنبول، إلى أيقونة سياسية لمَّاعة، وينظر إليه البعض أنه مخلص إسطنبول من الإسلام السياسي وتجاوزاته، وقد يكون كلمة السر في بداية نهاية أردوغان وانهيار أسطورة حزبه وشعبيته الجارفة.
كما تحدثت العديد من التقارير الدولية عن إمام أوغلو وأنه كتب آخر فصل في حياة أردوغان السياسية، كان أبرزها تحليلًا نشرته صحيفة “فايننشال تايمز” قالت فيه إن أكرم إمام أوغلو قد لا يكون معروفًا للكثيرين، لكنه استطاع أن يهزم “وكيل رجب أردوغان على أرضه في إسطنبول” في إشارة إلى يلدريم، مضيفًا: “ربما يكون إمام أوغلو قد أعلن عن بداية النهاية لرجب أردوغان”.
أما شركة “متروبول” التركية للأبحاث، فقد حذَّرت في دراسة أجرتها قبيل انتخابات رئاسة بلدية إسطنبول، من أن الصفعة الجديدة على وجه أردوغان قد تأتي في حالة إجراء استفتاء على استمرار النظام الرئاسي، مشيرًا إلى تراجع نسبة المؤيدين لهذا النظام بنسبة 39.4%.
إلا أنه من المتوقع أن الفترة المقبلة ستشهد المزيد من التضييق من قبل أردوغان على إمام أوغلو لعرقلة سطوع نجمه الذي قد يطيح به في يوم من الأيام.