بقلم مايسترو
يقصد بالإرهاب ـــ من منظور قانوني ــــ ارتكاب شخص أو أكثر أو تنظيم أو سلطة لجرم عمدي، ينطلق من خلال مشروع إجرامي، يكون من شأنه إحداث إخلال جسيم بواحدة أو أكثر من المصالح الأساسية للمجتمع، بما من شأنه إيقاع حالة من الرعب العام فيه. ( المادة 86 من قانون العقوبات المصري). وعالج قانون العقوبات الفرنسي المقصود بالأعمال الإرهابية من خلال المادة 421-1 من قانون العقوبات وحددت هذه المادة سبعة نماذج للجرائم التي يمكن أن ينطبق عليها وصف الإرهاب، طالما كانت عمدية ومرتبطة بمشروع فردي أو جماعي، يهدف إلى الإخلال الجسيم بالنظام العام عن طريق التخويف أو الإرعاب؛ ويأتي في طليعة تلك الجرائم: الانتهاكات الطوعية، والهجمات العمدية المستهدفة لسلامة الأشخاص، والاختطاف، والإخفاء القسري، فضلا عن اختطاف الطائرات أو السفن أو أي وسيلة نقل أخرى.
وقد تعرضت الجمعية العامة للأمم المتحدة بشكل غير مباشر لتحديد المقصود بالجرائم الإرهابية من خلال ما ذهبت إليه اتفاقية منع أعمال الإرهاب النووي، وذلك في ديسمبر 1996، وأشارت تلك اللجنة إلى أنه : يعتبر مرتكباً لجريمة إرهابية كل شخص يقوم بأي وسيلة كانت مباشرة أو غير مباشرة، وبشكل غير مشروع وبإرادته بقتل شخص آخر أو إصابته بجروح بدنية جسيمة حينما يهدف هذا الفعل بطبيعته، أو وفقاً للظروف المحيطة به إلى ترويع السكان، أو إجـبار حكومة أو منظمة دولـية ما على القيام بعمل، أو الامتناع عن عـمل أيا كان.
ووفقاً لما سبق فإن الإرهاب يهدف إلى إحداث حالة من الرعب العام بين أفراد مجتمع ما، أو لفئة محددة بالمجتمع : كعناصر الشرطة أو الجيش أو القضاة.. وتابعنا في الآونة الأخيرة قيام العناصر الإرهابية في شمال سيناء بمصر باستهداف منزلين سكنيين بقذيفة أدت لاستشهاد سبعة مدنيين، وغالباً كان استهداف العناصر الإرهابية لهذا الهدف بسبب اعتقادهم بأن أصحاب المنازل يتعاونون مع الأجهزة الأمنية في مواجهتها للإرهاب، وقد جاء هذا الاعتداء بعد يوم واحد من هجوم إرهابي على ثلاثة ارتكازات أمنية بشمال العريش استشهد فيه سبعة عناصر من الأمن المصري، وقتل في المواجهات أربعة إرهابيين منهم انتحاريين، وقد كان لسرعة رد الفعل من قبل العناصر الأمنية السبب الأهم في مقاومة هذا الهجوم الخطير الذي نفذه جمع من الإرهابيين في توقيت متزامن، مستخدمين القنابل اليدوية والبنادق الآلية والسترات الناسفة، ولوحظ في هذه المواجهات سرعة انتقال قوات الدعم التي هرعت لمسارح العمليات في توقيت مناسب، اضطرت معه العناصر الإرهابية للهرب، ومن خلال تتبعهم تم القبض على بعضهم أحياء.
هذا وفي سياق استهداف الإرهاب للمدنيين فنتذكر بالطبع الهجوم الإرهابي على مسجد الروضة ببئر العبد بشمال سيناء، والذي وقعت أحداثه الآثمة يوم الجمعة الموافق 24 نوفمبر 2017، أثناء أداء الضحايا للصلاة، وأسفر الهجوم عن سقوط 305 شهيداً، و128 مصاباً، ويمثل هذا الهجوم أكثر الحوادث الإرهابية دموية في تاريخ مصر. هذا ولا يمكن على الإطلاق تبرير الاستهداف العشوائي للمدنيين، والدمار الذي يزهق الأرواح ويقضي على أسباب الرزق دون تمييز، وإشاعة الذعر والرعب بين الأفراد، والمادة الخامسة من الاتفاقية الدولية لقمع الهجمات الإرهابية بالقنابل تؤكد على أنه لا يجوز تبرير تلك الحرائم بأي مبرر وتحت أي اعتبارات ذات طابع سياسي أو فلسفي أو عقائدي أو عرقي أو اثني أو ديني أو أي طابع آخر مماثل.. .
في التطرف الفكري جذور الإرهابي
كشفت صحيفة “جارديان” البريطانية في تقرير لها عام 2017 أن النشء التركي يتلقى تعليماً مختلفاً تماماً عما اعتادت الأجيال السابقة عليه، مؤكدة أن هناك تغييرا ممنهجاً في المقررات المدرسية يستهدف الأطفال والمعلمين على السواء.. هذا وأكدت وكالة رويترز للأنباء أن المناهج التعليمية في تركيا تخدم هدفين واضحين: تربية أجيال إرهابية والسيطرة على الدولة.. هذا وإن كنت اتعامل مع ما تنشره وكالتي الأنباء المشار إليهما بمنتهى الحذر، إلا أن هناك تقارير أمنية أثق تماماً في صدقها تؤكد أن أردوغان أنشأ مساجد ومؤسسات ثقافية ومنظمات إغاثية خارج تركيا لتكوين جماعات ضغط بغية التوغل في بعض دول العالم، حيث يأمل في النهاية خلق جيل من المسبحين بحمده والمؤيدين لرؤيته، وبمتابعة خطاباته وتوجهاته السياسية فإن الرجل يريد تقديم نفسه بوصفه خليفة أو زعيماً للمسلمين.. هذا بجانب ثبوت صلاته الوثيقة بتنظيمات إرهابية عالمية تعمل في المنطقة، ولعلنا نذكر اعترافه العلني بهذا عندما صرح بمنتهى الغباء السياسي بأنه بعد تطهير إدلب من الإرهابيين فسيتم توجيههم لمصر !!!. ولعل نتيجة انتخابات بلدية اسطنبول الأخيرة التي فاز فيها أكرم أوغلو، كانت في حقيقتها بين أوغلو/ أردوغان، وعبر الشعب التركي فيها عن رأيه مؤكداً رفضه لمنهجية الغطرسة والتطرف الأردغانية.. .
هذا وأضحى الإرهاب المعاصر يوجه ضرباته على نطاق جغرافي أوسع من إرهاب القرن المنصرم، كما يستخدام الإرهابيون أسلحة جيوش في هجماتهم، وترتكز عقيدة أخطر الإرهابيين على اعتقاد ديني مغلوط.. وبات الإرهاب مهدداً للسلم والأمن والتنمية بشكل لم يسبق له مثيل، فمع تصاعد حدة النزاعات وتزايدها على مدى العقد الماضي، زادت الاعتداءات الإرهابية حجماً وانتشاراً، بحيث دمرت مجتمعات وتسببت في زعزعة الاستقرار في العديد من الدول، ووفقاً للسيد أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة، فقد نُفِذ ما لا يقل عن 11000 اعتداءً إرهابياً في أكثر من١٠٠ بلد خلال عام 2017، مما أدى إجمالاً لمصرع أكثر من 25000 شخصاً، وإصابة 33000 شخصاً، وبهذا فإن الإرهاب أضحى يمثل اعتداء على الإنسانية.
جهود علمية عالمية لمواجهة التطرف.. والنتائج متواضعة
ومعظم أنماط الإرهاب المعاصر ترجع لنمط أو آخر من أنماط التطرف الفكري أو الديني، وساهم في شيوعه القصور في منظومات التعليم، والفقر، كما يشارك في هذا أيضاً العنف الذي تمارسه بعض السلطات تجاه الأفراد.. لذا فإن حقوق الإنسان بما فيها الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، هي بلا شك جزء من الحل لمعضلة مكافحة الإرهاب، فالعمليات العسكرية والأمنية وحدها لا تكفي لتحقيق الهدف، فلعل منع نشوب النزاعات والحفاظ على الدولة الوطنية متماسكة، بجانب تحقيق التنمية المستدامة تمثل خط الدفاع الأول في مواجهة الإرهاب، ويجب على الزعماء السياسيين والدينيين أن يتحملوا مسؤولياتهم في مجال النهوض بثقافة قوامها التسامح والاحترام المتبادل.. ولعل نقطة البدء في تقويم أصحاب الفكر المتطرف هو إيجاد السبيل المناسب للتواصل معهم، فالمتطرف شخصية تتسم بالانغلاق على الذات والتقوقع مع من هم على شاكلته فقط.. لذا يجب أولاً إيجاد السبيل المناسب للتواصل معهم.
هذا ونظراً لاستخدام الإرهابيين لشبكة الإنترنت في العديد من أنشطتهم بشكل احترافي، فهم قد يخسرون أراضاً في سوريا والعراق وليبيا، ولكنهم يكسبون فضاءات إلكترونية لا حدود لها، لذا تتطلب مواجهتهم تعاوناً دولياً على مستويات متعددة، منها السياسي والاقتصادي، والتقني… وغيرها، لذا أطلقت مؤخراً شركات : فيسبوك ومايكروسوفت وتويتر ويوتيوب شراكة لمكافحة الإرهاب، وذلك من خلال “منتدى الإنترنت العالمي لمكافحة الإرهاب” الذي يهدف لوقف انتشار المحتوى المتطرف على شبكة الإنترنت.