بقلم: مايسترو
المعتصمون يحتشدون أمام مقر القيادة العامة للقوات المسلحة السودانية
فضت قوات الأمن السودانية في ساعة مبكرة من صباح الاثنين الموافق الثالث من يونيو الجاري اعتصام قوى الحرية والتغيير بالخرطوم، وأسفر استخدام القوة في أعمال فض هذا الاعتصام عن استشهاد العشرات في أسوأ أعمال عنف منذ الإطاحة بحكم الرئيس عمر البشير في أبريل الماضي، وذلك بعد احتجاجات شعبية بدأت في 19 ديسمبر 2018، ونظراً لكون الاعتصامات السلمية ـــ يقصد بالسلمية أي أن المعتصمين غير حاملين لأي نوع من أنواع الأسلحة، أو تجهيزات تستخدم في أعمال الاعتداء ــ نوع من الاحتجاجات الشعبية المشروعة طالما لم تصاحبها تعطيل لحركة الحياة الطبيعية في الأماكن العامة، كتعطيل الحركة المرورية أو غلق الشوارع وإعاقة حركة الدخول والخروج للمرافق العامة، أو تحرش جمهور الاعتصام بقوات الأمن أثناء قيامها بمهامها، ونظراً للامتداد الزمني الذي تتخذه تلك الاعتصامات رغم المحاولات التفاوضية التي تقوم بها الأجهزة المعنية، فإن قرار الفض عندما تتوافر مقوماته يجب أن يتم تطبيقه باحترافية عالية من قبل قوات الأمن، تجنباً لوقوع صدامات عنيفة ينتج عنها إصابات ووفيات للطرفين، ولأهمية الموضوع سوف نطرح أهم جوانب خارطة الطريق التي يجب أن تلتزم بها أجهزة الأمن حال قيامها بفض اعتصام غير مشروع، وذلك على التفصيل الآتي بيانه :
* أولاً : طالما اتسم الاعتصام بعدم المشروعية لأي سبب من الأسباب السابق ذكرها.. فيفضل أن تقوم قوات الأمن باستصدار إذناً قضائياً بفض الاعتصام باستخدام القوة إذا كانت هي الوسيلة الوحيدة لفض الاعتصام. وجدير بالذكر أن المادة (11) من القانون المصري رقم 107 لسنة 2013 بشأن تنظيم الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية تنص على أنه “… وإذا صدر خلال الاجتماع العام أو الموكب أو التظاهرة أي فعل من المشاركين فيها يشكل جريمة يعاقب عليها القانون أو خروج عن الطابع السلمي للتعبير عن الرأي يكون لقوات الأمن بالزي الرسمي، وبناء على أمر من القائد الميداني المختص فض الاجتماع العام أو تفريق المواكب أو التظاهرة، والقبض على المتهمين بارتكاب الجريمة.
ويجوز لمدير الأمن المختص مكانياً قبل الفض أو التفريق أو القبض أن يطلب من قاضى الأمور الوقتية بالمحكمة الابتدائية المختصة ندب من يراه، لإثبات الحالة غير السلمية للاجتماع العام أو الموكب أو التظاهرة، ويصدر القاضي أمره على وجه السرعة “.
* ثانياً : يجب أن تطلب قوات انفاذ القانون من الجمهور إنهاء الاعتصام، وتشير إلى أن هذا الفض تطبيقاً لحكم قضائي نهائي واجب التنفيذ، وذلك من خلال ميكروفونات يكفل استخدامها وصول الرسالة لجمهور الاعتصام بوضوح كامل، ويتم تكرار التنبيه عدة مرات، مع تحديد الطرق والمسارات التي يجب على الجمهور استخدامها للتفرق وإنهاء الاعتصام، على أن يمنح الجمهور الوقت الكافي للتفرق، خاصة إذا كانت الأعداد كبيرة.
* ثالثاً : يجب أن تلتزم قوة الفض بالتدرج في استخدام القوة حال عدم امتثال المعتصمين لتنفيذ أمر الفض رغم التنبيه عليهم ومرور الوقت الكاف للتنفيذ، وإذ اتخذنا القانون المصري نموذجاً للاستشهاد بأحكامه، فقذ ذهبت المادتان (12؛ 13 من القانون رقم 107 السابق الإشارة إليه) إلى أنه “… ثانياً: في حالة عدم استجابة المشاركين في الاجتماع أو الموكب أو التظاهرة للإنذارات بالانصراف تقوم قوات الأمن بتفريقهم وفقاً للتدرج الآتي : 1- استخدام خراطيم المياه. 2- استخدام الغازات المسيلة للدموع. 3- استخدام الهراوات “.
(المادة الثالثة عشرة) ” في حالة عدم جدوى الوسائل المبينة في المادة السابقة في فض وتفريق المشاركين في الاجتماع أو الموكب أو التظاهرة، أو قيامهم بأعمال العنف أو التخريب أو الإتلاف للممتلكات العامة أو الخاصة أو التعدي على الأشخاص أو القوات، تقوم قوات الأمن بالتدرج في استخدام القوة على النحو الآتي:
– استخدام الطلقات التحذيرية. – استخدام قنابل الصوت أو قنابل الدخان. – استخدام طلقات الخرطوش المطاطي. – استخدام طلقات الخرطوش غير المطاطي .
وفى حالة لجوء المشاركين في الاجتماع أو الموكب أو التظاهرة لاستعمال الأسلحة النارية بما ينشأ معه توافر حق الدفاع الشرعي، يتم التعامل معهم لرد الاعتداء بوسائل تتناسب مع قدر الخطر المحدق بالنفس، أو المال، أو الممتلكات “. ونؤكد في هذا السياق على أن استخدام أحد المتظاهرين ” أو المعتصمين ” لسلاح ناري ضد قوات الأمن لا يُسَوِغ لقوات إنفاذ القانون أن تستخدم القوة المميتة إلا ضد من يحمل السلاح الناري بشكل عدائي، أما من حوله من الأفراد غير حاملي السلاح فلا يجب أن يؤخذوا بجريرة هذا المسلح.. ولقوات الأمن أن تتخذ السواتر المناسبة ثم تقوم بتحركات مؤمنة لعزل الشخص المسلح والنيل منه، إما بالقبض عليه أو التعامل معه بالنيران بالشكل المناسب وفقاً لقواعد الدفاع الشرعي؛ فلا يجوز مطلقاً أن تستخدم قوات إنفاذ القانون القوة المميتة دون تمييز.. .
* رابعاً : يجب على قوات إنفاذ القانون أثناء أعمال الفض الإبقاء على مسارات تسمح للمتظاهرين أو المعتصمين بالتحرك من خلالها والانصراف من مسرح الأحداث، فلا يجب محاصرة المتظاهرين من كل الاتجاهات وعدم توفير مخرج آمن لهم يسمح بتنفيذ أمر الفض، خاصة وغالباً سيكون بين هذا الجمهور جرحى يحتاجون لإسعاف طبي عاجل.
* خامساً : حال اعتزام قوات إنفاذ القانون فض تظاهرة أو اعتصام به أعداد غفيرة من المتظاهرين أو المعتصمين، ويتوقع قيامهم بأعمال عدائية قد تضطر معها القوات لاستخدام القوة المميتة بشكل استثنائي تتطلبه الضرورة، فعلى الأجهزة الأمنية أن تخطر المستشفيات العامة القريبة مكانياً للاستعداد بشكل استثنائي لاستقبال الجرحى وتقديم الاسعافات الضرورية لهم، وكذا توفير عدد كبير من سيارات الإسعاف لنقل الجرحى، ومن الأهمية إعلان هذا الأمر قبل بدأ الفض من خلال وسائل الإعلام المختلفة، فالفرض أن أجهزة إنفاذ القانون لا تتنمر لجمهور الشغب، ولا تستغل قيام بعض الخارجين عن القانون باستخدام السلاح لتبطش بعموم جمهور المحتجين، فيبدو الأمر كعقاب جماعي.. وهذا الأخير لا مبرر له على المستويين القانوني والأمني. ونؤكد في هذا الصدد أن الكاميرا في هذه الأحداث تفوق أهميتها البندقية.. فيجب أن تحرص قوات إنفاذ القانون على تسجيل كل عمليات الفض بكاميرات فيديو لتوثق الأحداث بها، حيث تسند هذه المهمة لمتخصصين محترفين.
هذا وجدير بالذكر أنه خلال كتابة هذه السطور فقد أغلق محتجون ــــ تقدر أعدادهم بمئات الآلاف ـــ في هونغ كونج الطرق الرئيسية المحيطة بمقرات الحكومة وقذفوا رجال الشرطة بالحجارة ومقذوفات أخرى، اعتراضاً على مشروع قانون ينظره البرلمان من شأنه تسليم متهمين للصين، وطالب المحتجون بسحبه.
جانب من احتجاجات هونغ كونج ضد مشروع قانون يسمح بتسليم متهمين للصين
لذا تصدت الشرطة لهم مستخدمة الغاز المسيل للدموع وطلقات الخرطوش المطاطية، وأعلن البرلمان في هونغ كونغ إرجاء دراسة مشروع القانون المشار إليه.. وبهذا توقفت الاحتجاجات مؤقتاً، فهل سيعيد البرلمان المحاولة مرة أخرى في وقت لاحق ؟؟؟ ويُصَدِر بهذا الأزمة لأجهزة الأمن التي تواجه وحدها الغضب الجماهيري.. .