بقلم : مايسترو
جانب من احتجاجات الخرطوم
اقتحمت قوات الأمن السودانية موقع اعتصام وسط الخرطوم في ساعة مبكرة من صباح يوم الاثنين 3 يونيو الجاري، ونتج عن استخدام القوة في فض هذا الاعتصام مقتل العشرات في أسوأ أعمال عنف منذ الإطاحة بحكم الرئيس عمر البشير في أبريل الماضي، وذلك بعد احتجاجات شعبية بدأت في 19 ديسمبر 2018، وتعهد الفريق أول الركن عبد الفتاح البرهان رئيس المجلس العسكري السوداني بمحاسبة من تثبت مسؤوليته عن أحداث فض الاعتصام خارج مقر وزارة الدفاع بوسط الخرطوم، وكلف النيابة العامة بالتحقيق في الموضوع، وبالطبع فقد قارن الكثير من المحللين والكتاب بين عملية فض ميداني رابعة العدوية والنهضة بمصر في أغسطس 2013، وأحداث السودان الأخيرة، ونظراً لأهمية الموضوع على المستويين الإقليمي والدولي فسنتناوله بقدر من التفصيل، ولتكن البداية حول : مشروعية الاعتصام في النظامين القانونيين المصري والسوداني.
عندما نتناول الأمر من الزاوية القانونية فيجب أن نحتكم إلى التشريعات القائمة في بلد ما، ثم ننتقل لآليات تطبيق السلطات لها، وإذ رجعنا إلى الوضع القانوني في مصر نجد أن المادة (73) من الدستور المصري ذهبت إلى أنه ” للمواطنين حق تنظيم الاجتماعات العامة، والمواكب والتظاهرات، وجميع أشكال الاحتجاجات السلمية، غير حاملين سلاحًا من أي نوع، بإخطار على النحـو الــذى ينظمه القــانــون “. وبهذا ووفقاً للدستور المصري الصادر في 2014 فإن الاعتصام يدخل في نطاق الاحتجاجات الشعبية المشروعة بشرط أن يتسم بالسلمية، أي يحظر فيه حمل أي نوع من الأسلحة، ويقوم منظميه بإخطار السلطات، وذلك على النحو الذي ينظمه القانون. هذا ولم يشر القانون المصري بشكل خاص للاعتصامات كما هو الحال في شأن : التظاهرات والمواكب والإضراب، ولكن المشرع أشار إلى الاجتماعات العامة، والاعتصامات تعد نوعاً من تلك الاجتماعات العامة، والأخيرة عرفها المشرع المصري بأنها ” كل تجمع يقام في مكان أو محل عام يدخله أو يستطيع دخوله أشخاص دون دعوة شخصية مسبقة لا يقل عددهم عن عشرة، لمناقشة أو تبادل الآراء حول موضوع ذي طابع عام ” راجع : المادة الثانية من القانون المصري رقم 107 لسنة 2013 بشأن تنظيم التظاهرات السلمية. هذا ولم يتعرض النص إلى مشروعية استمرارية هذا التجمع العام من عدمه ” الاعتصام ” ولكن القاعدة أن المطلق يؤخذ على إطلاقه.. وبهذا فاستمرارية الاجتماعات العامة في شكل اعتصام سلمي يعد عملاً مشروعاً من أعمال الاحتجاجات.
كما ذهبت المادة (7) من القانون المصري رقم 107 لسنة 2013 السابق الإشارة إليه إلى أنه ” يحظر على المشاركين في الاجتماعات العامة أو الموكب أو التظاهرات الإخلال بالأمن أو النظام العام أو تعطيل الإنتاج أو الدعوة إليه أو تعطيل مصالح المواطنين أو إيذاؤهم أو تعريضهم للخطر أو الحيلولة دون ممارستهم لحقوقهم وأعمالهم أو التأثير على سير العدالة أو المرافق العامة أو قطع الطرق أو المواصلات أو النقل البرى أو المائي أو الجوي أو تعطيل حركة المرور أو الاعتداء على الأرواح أو الممتلكات العامة أو الخاصة أو تعريضها للخطر”. وبهذا فإن أي اعتصام يجب ألا يؤثر على سير الحياة الطبيعية في مكان عام، فتعطيل المعتصمين للمرور أو اعاقتهم لحركة الحياة.. يدخلهم بالطبع في نطاق عدم المشروعية.
هذا ووفقاً للنظام القانوني السوداني فالحق في التجمع السلمي حق دستوري أشارت إليه المادة 40 من الدستور، والتي ذهبت إلى أنه ” يُكفل الحق في التجمع السلمي، ولكل فرد الحق في حرية التنظيم مع آخرين… “.
وجدير بالذكر في هذا السياق أن السلطات الأمريكية قامت بفض تجمع سلمي لحركة ” احتلوا وول ستريت ” في أمريكا حال اعتصامهم في حديقة عامة “زكوتي بارك” وذلك خلال احتجاجاتهم التي بدأت في سبتمبر 2011.
جانب من اعتصام المحتجين من حركة وول ستريت
وتعاملت الشرطة الأمريكية مع الموقف بحسم وأنهت الاعتصام بعد استصدار أمر قضائي بفضه حتى يتمكن متعهدو تنظيف الحديقة من القيام بواجباتهم.. وفي يوم الجمعة الموافق 30 من سبتمبر 2011 قطعت الشركة المشرفة على حديقة زوكوتي الكهرباء عنها تضييقاً على المحتجين، بعدها تمت أعمال الفض دون وقوع قتلى، إلا أن الأمر لم يخل من بعض أعمال العنف من قبل المعتصمين، تمت مواجهته باحترافية من قبل قوات الفض الأمريكية. هذا واستغل المعتصمون قضية رد فعل الشرطة القوي خلال الاشتباكات في نشر لقطات منه على مواقع التواصل الاجتماعي لتأجيج مشاعر المحتجين ضد عنف قوات الأمن في بعض المواجهات، وقامت تويتر في خطوة هي الأولى من نوعها بتسليم القضاء الأمريكي جميع بيانات وتغريدات عضو من متظاهري وول ستريت، تحت تهديدات بدفع غرامة مالية إذا لم يقم الموقع بالاستجابة لأمر الحكم القضائي.. .
وإذا انتقلنا لمشهد اعتصامي رابعة والنهضة في مصر فقد ثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن هذين الاعتصامين شارك فيهما عناصر إخوانية مسلحة ضمن جمهور المعتصمين، إضافة إلى تعطيل هذين الاعتصامين لحركة المرور، بل وتحويل حياة سكان هاتين المنطقتين، خاصة ميدان رابعة بمدينة نصر، إلى جحيم لا يطاق.. ومع بداية أعمال الفض سقط خمسة شهداء من عناصر الشرطة المصرية بعد إصابات مميتة بالرصاص.. وعودة للمشهد السوداني، فمن خلال متابعة الأحداث يتضح أن المعتصمين لم يحمل أي منهم أسلحة نارية، إلا أنهم وضعوا المتاريس وأعاقوا حركة المرور، واستخدموا أحيانا الحجارة والمولوتوف وتحرشوا بقوات الأمن والجيش، ومن هنا تأتي عدم المشروعية.. وطالما وسمت التظاهرات أو الاعتصامات بعدم المشروعية فإن القانون يسمح لقوات الأمن بفضها في إطار ضوابط قانونية، وسقط أثناء أعمال الفض في الخرطوم عشرات الشهداء، فقد أعلنت السلطات السودانية سقوط (61 شهيداً) في ساحات الفض، وصدرت إدانات دولية واسعة النطاق خاصة من الدول الغربية، إلا أن مجلس الأمن الدولي فشل في إصدار قرار بإدانة قتل المدنيين السودانيين المعتصمين خلال أعمال الفض المشار إليها، واكتفى بإصدار نداء ملح من القوى الدولية لوقف فوري للعنف في السودان، فقد حال اعتراض الصين وروسيا دون صدور قرار الإدانة المشار إليه. ولعلنا نتفق على أهمية الموضوع على الصعيدين الدولي والإقليمي.. لذا سوف نتناوله بمزيد من التفصيل في مقالنا القادم بمشيئة الله،، وليكن عنوانه ” نحو خارطة طريق للفض الأمني للاعتصامات غير القانونية “.