بمرور السنوات، اتسعت رقعة الهجرة من تركيا، فبجانب هجرة العقول بات هناك هجرة القلب والروح ورأس المال والخبز، حسب تعبير صحيفة “تي آر 724” التركية، لافتة إلى تصريح أردوغان “نحن في وضع جيد لدرجة أننا أصبحنا نرسل الأكاديميين خارج البلاد”، متغافلا عن حقيقة الحال، الذي لم يعد يطيقه المثقفون ولا الباحثون ولا الأكاديميون.
الأتراك باتوا يبحثون عن الهروب في أول فرصة تُتاح لهم، والذهاب إلى دولة أخرى يبدأون فيها حياتهم من الصفر؛ إذ لا أمن ولا حياة ولا حرية لكل من تغضب عليه السلطة، ممثلة في أردوغان نفسه الذي يطارد كل من يرفض الانصياع لأوامره والدخول في دائرته.
تعذيب مريض بالسرطان
عقب مسرحية الانقلاب في يوليو 2016، أغلقت الآلاف من المؤسسات التعليمية بمقتضى مراسيم في حكم القانون، وتم فصل آلاف الأكاديميين من وظائفهم بحجة الانتماء إلى حركة الخدمة، والتي أسسها المفكر التركي الأستاذ فتح الله كولن.
من بين الأكاديميين المفصولين، الدكتور خالوق سافاش أخصائي الأمراض النفسية الذي فُصل من عمله بمقتضى مرسوم في حكم القانون، وحرم من استخراج جواز سفر لتلقي علاج السرطان بالخارج.
سافاش قال عبر حسابه الشخصي على موقع “تويتر”: “سوف أرسل خطابا إلى مركز الاتصالات التابع لرئاسة الجمهورية، وإذا لم أنجح سوف أتقدم بطلب إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. متوسط العمر المتوقع لي 39 شهرا، مر منه 30 شهرا. ومن الواضح أني سوف أقضي الـ9 شهور المتبقية أُراسل الوحدات المختلفة بالدولة”. وبعد مدة قصيرة من مشاركة سافاش لهذا الكلام، تصدر هاشتاج “جواز السفر لخالوق سافاش” موقع “تويتر”.
النازيون الجدد
الناشط ولي ساتشيليك، الذي اشتهر باحتجاجه على خسارته وظيفته بالدولة في حملة تطهير حكومية، اعتبر أن حزب العدالة والتنمية والمحكمة الدستورية والاتحاد الأوروبي والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان مشتركون في الأذى الذي تعرض له الأخصائي خالوق سافاش.
بدورها، أعلنت لجنة السجون المركزية التابعة لجمعية حقوق الإنسان، مؤخرا، عن وجود ألف و333 مريض معتقل في السجون، منهم 457 يعاقبون بالسجن المشدد.
الأستاذ الجامعي خالوق سافاش الذي حصل على براءة في الدعوى القضائية المرفوعة ضده، وصدر قرار من المحكمة يلغي منع سفره خارج البلاد، ذَكًر الجميع بما كان يفعله النازيون باليهود في ألمانيا. وقال: “انتزعوا من اليهود حقهم في أن يصبحوا أطباء ومحامين. وكل هذا يحدث الآن في تركيا. ما الفرق بين ما يحدث الآن، وما حدث في ألمانيا في عهد هتلر”.
معاملة مهينة
في الآونة الأخيرة، خرجت مسيرة الشرف في جامعة الشرق الأوسط التقنية بأنقرة، وهاجمت الشرطة المتظاهرين بوحشية. وكان الباحث الأكاديمي في قسم العلوم السياسية والإدارة العامة محمد موتلو، بين من نالوا نصيبهم من هذا الظلم، إذ قبض عليه بالضغط على رقبته إلى أسفل ونقله إلى السجن، الأمر الذي أثار غضب كل من رآه. وكان هذا المشهد عبرة لكل من يريد أن يصبح أكاديميا في البلاد.
تستهدف السلطات جميع الأكاديميين الذين يعبرون عن آرائهم ويصرحون بردود أفعالهم. وعلى رأسهم “أكاديميون من أجل السلام” الذين انتقدوا العمليات العسكرية التي تقوم بها الحكومة في بعض البلدات التركية التي يسكنها الأكراد جنوب البلاد، ودعوا لحل تفاوضي للصراع العسكري بين الدولة التركية وحزب العمال الكردستاني، ونشروا بيانا في يناير عام 2016 بتوقيع 1128 منهم، بعنوان “لن نكون طرفا في هذه الجريمة”.
أردوغان يتحدى الأكاديميين
تونا التينال، أحد أعضاء مبادرة السلام الأكاديمية، اعتقل بحجة مشاركته في مؤتمر في فرنسا؛ بالرغم من كونه عضوا في هيئة تدريس في قسم الرياضيات في جامعة ليون بفرنسا، إذ تم اعتقاله في مدينة “بالق أسير” التركية أثناء ذهابه للحصول على معلومات حول جواز سفره
في دفاعه أمام المحكمة، بدا الأكاديمي المتخصص في الرياضيات مدافعًا بقوة عن موقفه ومتحديًا لبطش نظام أردوغان، فقال: “أنا لم أوقع فقط على بيان السلام. فكرت به، وشعرت به، وعشت ذلك. أؤيد كل جملة فيه”.
العقاب الذي حل على الأكاديميين المتعاطفين مع الأكراد، لم تسلم منه الأستاذة الدكتورة بجامعة “جالطة سراي” فوسون أوستال، التي نقلت إلى سجن النساء المغلق في أسكي شهير في 8 مايو الجاري، بسبب توقيعها على البيان ذاته.
في فبراير الماضي حكم على 13 أكاديميا بالحبس لمدة 22 شهر و15 يوم، وحكم على 14 أكاديمي بالسجن لمدة 27 شهرا. وأرسلت الأمم المتحدة عبر مقرري لجنة حقوق الإنسان التابعين لها خطابا إلى السلطات التركية يعربون فيه عن قلقهم بشأن هذه الأحكام ضد الأكاديميين.
ــــــــــــــــــــــ
بقلم/ زين الدين حسن