تقرير: ياوز أجار
لندن (زمان التركية) – أكد الكاتب والأكاديمي التركي المعروف غوكهان باجيك أن المحللين والخبراء الاقتصاديين في تركيا أصبحوا بعد اليوم قضية أمنية للدولة، وأن الاقتصاديين الذين ينبّهون إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية سيكونون أكثر الناس عرضة لغضب الدولة بقيادة رجب طيب أردوغان في الفترة القادمة.
وقال باجيك إن العقلية الدولتية الأمنية هي التي ستحدد الاقتصاد التركي بعد اليوم، وستسعى لتكميم أفواه كل من ينبس ببنت شفة عن الجوانب السلبية للاقتصاد.. لذا ليس من المستبعد أن نتوقع أن يكون الاقتصاديون الضحايا الجدد لنظام أردوغان.
لقد تحدث الكاتب المخضرم في مقاله الذي حمل عنوان “الاقتصاديون.. الضحايا الجدد لنظام أردوغان والأيديولوجية الإسلامية”، والذي نشره موقع “أحوال تركية”، عن ضرورة إجراء تحليل سياسي للأزمة الاقتصادية التي تمر بها تركيا، نظرًا لأنها اكتسبت مع مرور الوقت طابعًا سياسيًّا.
وقال باجيك في تحليله لواقع العلاقة بين السياسة والاقتصاد في تركيا إن العقلانية السياسية أصبحت الحاسمة والمحددة تمامًا في الآونة الأخيرة، حيث باتت سياسة الاقتصاد تحدَّد على أساس الحسابات والقرارات السياسية، وتكشف المعطيات الحالية أن هذا النهج سوف يصل إلى مراحل متقدمة في الفترة القادمة، وذلك مع أن الأنشطة والقرارات الاقتصادية يتم تحديدها في الظروف العادية وفقًا للعقلانية الاقتصادية في المقام الأول، وإن تؤخذ بنظر الاعتبار الحسابات السياسية بنسبة معينة.
ولفت الكاتب إلى أن تركيا لن تستطيع استقطاب رؤوس الأموال الأجنبية القائمة على الإنتاج، مع بعض الاستثناءات؛ لأن الشركات الأجنبية لن ترغب بالاستثمار في تركيا إلا في المجالات ذات الفوائد العالية فقط، وبطبيعة الحال، فإن تركيا أصبحت منذ وقت سوقًا يهتمّ به المضاربون أكثر من المستثمرين، مشدّدًا على أن الحكومة تدرك هذا جيدًا، وسوف تتجه إلى إقامة علاقات مع المضاربين باعتبارها واحدةً من المتلاعبين في السوق، وستلعب على وتر التصورات السياسية الضحلة للمضاربين وستستغل رغبتهم في تحقيق أرباح كبيرة على المدى القصير.
واستمر الكاتب في سرد توقعاته الخاصة بخطوات الخكومة التركية القادمة قائلاً: “كذلك سوف تجرّب الحكومة حظها في أسواق المشتقات المالية، من قبيل بيع الدولارات في الأسواق الضحلة، وزيادة تكلفة تبادل العملة المحلية، وتغيير أسعار الخصم والاستقطاع، وذلك بعدما باتت عاجزة عن تحقيق النجاح في المجالات الاقتصادية الحقيقية مثل الإنتاج. كل هذه الخطوات قصيرةُ الأجل، ولا يعد أي منها نشاطًا اقتصاديًا حقيقيًا. ومع ذلك، فإن إدارة الاقتصاد في تركيا محكوم عليها بأن تكون قصيرة الأجل بسبب ضخامة الأزمة التي تواجهها”.
ثم حذّر الكاتب من أن هذه الألعاب البهلوانية قصيرة المدى لها ثمن، حيث تخسر البلاد الوقت والمال في آن واحد، مضيفًا أن كل بلد يفعل مثل هذه الأشياء عندما يتعلق الأمر بالتزامات قصيرة الأجل، ولكن عندما تصبح هذه الألعاب البهلوانية عادة المسؤولين عن إدارة الاقتصاد فإن وقت البلد وأمواله تنفق في سبيل إنقاذ اليوم فقط، على حد تعبيره.
وتوقع باجيك أن يؤدي الانكماش الاقتصادي الراهن في تركيا إلى تضخيم دور الدولة وتأثيرها في المجال الاقتصاد، حيث قال: “كلما تعمقت الأزمة وطالت مدتها فإن الاقتصاد التركي سوف يصبح أكثر دولتيًّا”. ثم ذكر سببين آخرين مستقلين عن الأزمة الاقتصادية يعملان منذ فترة على توسيع نطاق تأثير الدولة في المجال الاقتصادي. “الأول الإيديولوجية الإسلامية. ففي التحليل الأخير، تتطور الأيديولوجية الإسلامية لتصبح الدولة مركزية في مجال إدارة الاقتصاد. وهذا ينطبق على حزب العدالة والتنمية الإسلامي أيضًا”.
وأفاد باجيك أن السبب الثاني هو الاستبداد: “فبعدما دخلت تركيا في دوامة من الاستبداد فإنه لم يعد بالإمكان إعطاء مساحة حرة للفعاليات الاقتصادية. لا يخفى أن نتائج الاستبداد ليست موجهة فقط للصحفيين والأكاديميين، بل التجار والصناعيون كذلك يدفعون ثمن النتائج المريرة للسلطوية. ومن السذاجة بمكان التوقع بأن تجد الجهات الاقتصادية الفاعلة مناطق مستقلة في ظل غياب وسائل الإعلام المستقلة”.
وزعم الكاتب أن نظام أردوغان سيتجه في الفترة القادمة إلى مزيد من الغموض الاستراتيجي في القضايا الاقتصادية، وستسود حالة من الضبابية على الأرقام والإحصاءات والأخبار المعلنة عن الاقتصاد، وستظهر مناطق رمادية في جميع المجالات، بدءًا من معدلات التضخم والبطالة وانتهاءً إلى البيانات الكلية الأخرى نتيجة لسياسة الغموض الاستراتيجي هذه، وفق تعبيره.
واختتم الكاتب والأكاديمي التركي المعروف غوكهان باجيك مقاله قائلاً: “لقد أصبح الاقتصاد في تركيا قضية أمنية. ونرى أن اعتقال هذه الكثرة من الصحفيين لم يعد خبرًا مثيرًا للاهتمام في تركيا اليوم، بل الأخبار الاقتصادية هي محطّ أنظار الجميع، خصوصًا المسؤولين، وتشكّل منطقة حساسة يجب توخي الحيطة والحذر. أعني أن المحللين والخبراء الاقتصاديين أصبحوا بعد اليوم قضية أمنية للدولة، وأن الاقتصاديين الذين ينبّهون إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية سيكونون أكثر الناس عرضة لغضب الدولة في الفترة القادمة. خلاصة القول: العقلية الدولتية الأمنية هي التي ستحدد الاقتصاد التركي بعد اليوم، وستسعى لتكميم أفواه كل من ينبس ببنت شفة عن الجوانب السلبية للاقتصاد.. لذا ليس من المستبعد أن نتوقع أن يكون الاقتصاديون الضحايا الجدد لنظام أردوغان”.
وكان نائب حزب الشعب الجمهوري من مدينة إسطنبول أردوغان توبراك قال بشأن الأوضاع الاقتصادية الأخيرة في تركيا: “خزانة الدولة أصبحت فارغة، لذا وضعت حكومة أردوغان عينها على الأموال الاحتياطية للبنك المركزي المخصصة للظروف الطارئة، وهو الخطوة التي لم تقدم عليها أي حكومة سابقة. لم ينفِ الفريق المسؤول عن إدارة دفة الاقتصاد صحة الأخبار التي انتشرت حول اتخاذه هذه الخطوة بسبب أن الحكومة لا تمتلك الأموال لتدفع مكافآت العيد للمتقاعدين. كل هذه المؤشرات تكشف أننا أمام إفلاس الدولة بكل مؤسستها الاقتصادية”، على حد تعبيره.