حينما ينتقل النظام إلى النظام الدكتاتوري أو القمعي لا يكتفي بسحق الأوساط المعارضة والمنافسة في البلاد فحسب، بل يُخضع المعارضة لرقابته وسيطرته بشكل تام
دكتاتورية النظام التركي
ومن يلقى نظرة من الخارج إلى التطورات الجارية في تركيا في الآونة الأخيرة يرى بكل وضوح أن تركيا تسير يومًا بعد يوم نحو الديكتاتورية، فالسلطات في الأنظمة الملكية تخضع لهيمنة فرد واحد ألا وهو السلطان أو الملك، وينتقل الحكم بالوراثة من الأب إلى الابن، أما في “الأوتوقراطية” أو “الدكتاتورية” فالسلطة تخضع لهيمنة فرد واحد ألا وهو رئيس الدولة غير أن الحكم لا ينتقل بالوراثة، إن أنظمة الحكم التي تنوي الانتقال إلى النظام الديكتاتوري تدعي أولًا أن هناك محاولة انقلابية ضدها، وبينما هي تحارب هذه المحاولة الوهمية تزيل في نفس الوقت جميع العقبات التي قد تواجهها في تأسيس الديكتاتورية الجديدة.
من يلقى نظرة من الخارج إلى التطورات الجارية في تركيا في الآونة الأخيرة يرى بكل وضوح أن تركيا تسير يومًا بعد يوم نحو الديكتاتورية
قمع ورقابة للمعارضة
وحينما ينتقل النظام إلى النظام الدكتاتوري أو القمعي لا يكتفي بسحق الأوساط المعارضة والمنافسة في البلاد فحسب، بل يُخضع المعارضة لرقابته وسيطرته بشكل تام، ويلغي حرية التعبير ويمنع الجميع من مساءلته في كل الأعمال التي يقوم بها، فلا شك أن الحكومة التركية تسلك طريقها في هذا المضمار وهذا ما نراه في الاعتقالات الأخيرة التي نُفِّذت ضد الإعلاميين المعارضين لإجراءات الحكومة، ولذلك فالذي يعتقد الآن من المعارضة أن هذه الإجراءات القمعية موجهة إلى فئة معينة فقط دون غيرها سيتعرض في مستقبل قريب لنفس الإجراءات التي تتعرض لها هذه الفئة لأن سياسة الأنظمة القمعية تتبنى سحق المعارضة وإخضاعهم بشكل كامل تحت رقابتها كما ذكرنا آنفًا.
إن أنظمة الحكم التي تنوي الانتقال إلى النظام الديكتاتوري تدعي أولًا أن هناك محاولة انقلابية ضدها، وبينما هي تحارب هذه المحاولة الوهمية تزيل في نفس الوقت جميع العقبات التي قد تواجهها في تأسيس الديكتاتورية الجديدة.
قضايا الفساد
ومع مرور أكثر من ثلاث سنوات على كشف فضيحة الفساد والرشوة والتي تعرف إعلاميًّا بعمليات 17-25 ديسمبر/كانون الأول وإغلاق ملفات القضية من قبل الحكومة إلا أن هذه القضية وملابساتها ما زالت تشغل الرأي العام، وهناك اقتناع سائد بين أطراف الشعب التركي بحقيقة حدوث هذه الممارسات غير القانونية، حتى إن الناطقين باسم الحكومة يؤكدون ذلك، ومما يزيد الشكوك حول المتهمين في هذه القضية هو عدم فتح ملفات القضية وإجراء التحقيق معهم، وإذا كانت الحكومة قد قامت بحملة لاعتقال السيد “هدايت كاراجا” مدير مجموعة “سامان يولو” الإعلامية، والسيد “أكرم دومانلي” رئيس تحرير جريدة “زمان” التركية آنذاك في الذكرى السنوية لفضيحة الفساد والرشوة 17-25 ديسمبر بغرض نسيان تلك الفضائح كما يدعيها البعض فأرى أن هذا الغرض لم يتحقق على الإطلاق بل على العكس من ذلك بدأ الناس في تركيا بعد هذه الاعتقالات يتحدثون أكثر عن تلك الفضائح كما زادت الشكوك حول المتهمين بشكل أكثر من ذي قبل. وما يحزنني في هذا الصدد هو أن تحصل هذه الأحداث في عهد حكومة يدعي أعضاؤها التدين، فوا أسفاه! ما كان لثمرة نضال المتدينين -الذي استمر قرنًا من الزمان من أجل التخلص من الوصاية وقمع الحريات-أن يصير مرًّا علقمًا كهذا.