يُحفز الصيام عملية تعرف بـ”التدمير الذاتي للخلايا”، أو (الالتهام_الذاتي ( Autophagy) (من الكلمة اليونانية “auto ذاتي” و “phagein يلتهم”، مصطلح طبي حديث يعبر عن عملية تكسير وإعادة إنتاج مكونات الخلايا داخل الجسم، من خلال التهام الأجزاء التالفة من الخلايا وتحويلها إلى مواد عضوية.
في هذه العملية ، يقوم جسمك بعملية تنظيف لنفسه من خلال آلية تدمير طبيعية تُفكّك، بصورة منظّمة، المكوّنات الخلوية غير الضرورية أو المعطوبة. وبالتالي فإنه يتخلص من الخلايا السرطانيه وخلايا الشيخوخة وألزهايمر ويحافظ على حيويته ويحارب أمراض السكر والضغط والقلب.. إنه رد الفعل الدفاعي للجسم متمثلاً في تدمير الخلايا الهرمة التي بلغت نهاية عمر الانقسام، والحصول على أية عناصر مفيدة ومغذيات من داخلها.
ومصطلح “الالتهام الذاتي” معروف منذ أكثر من 50 عاما، لكن لم تحدث طفرة في فهم أسرار هذه العملية إلا بعد أن بدأ الطبيب الياباني يوشينوري أوسومي(Yoshinori Ohsumi) أبحاثه وتجاربه بشأنها من خلال خميرة الخبز في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي. واستمر في بحوثه ودراساته التي نالت التقدير في يوم 3 اكتوبر 2016، حين منحه مجلس نوبل في معهد كارولينسكا جائزة نوبل في الطب و الفيزيولوجيا لعام 2016 تقديراً لإسهامه في مجال التعرف على آليات عملية الالتهام الذاتي للخلايا.
كيف يجدد الصيام جسمك
أثناء الصيام، تنخفض مستويات الجلوكوز في الدم، وبالتالي، يتباطئ إنتاج الأنسولين الذي يقوم بتسلم الجلوكوز إلى أنسجة الجسم. بالنسبة للجسم البشري، فإن هذا يعني أن إمدادات المغذيات تتوقفت ويجب أن تدخل في وضع البقاء، وهذا يعني أن تبدأ عملية إنتاج هرمون الجلوكاجون وهو الهرمون المعاكس للأنسولين.
والعلاقة بين الانسولين والجلوكاكون تشبه لعبة الميزان (Seesaw) أو أرجوحة التوازن -لعبة الاطفال الشهيرة التي تجدها في الحدائق- إذا ارتفع الأنسولين ينخفض الجلوكاجون وإذا هبط الأنسولين يرتفع الجلوكاجون، فعندما نأكل يرتفع الأنسولين وينخفض الجلوكاجون وعندما لا نأكل (نصوم) يهبط الأنسولين ويرتفع الجلوكاجون.
يحفز هذا الارتفاع بمستوى الجلوكاجون عملية الالتهام الذاتي. فيشرع جسمنا في التخلص من بروتيناتنا وجزيئاتنا الخلوية القديمة والمستنفذة. والجزيئات التي يتم هدمها وتحللها، يمكن إعادتها إلى صورة يستفيد منها الجسم.. فيما يشبه عملية تدوير المخلفات أو “recycling”لذا يمكن اعتبار عملية الالتهام الذاتي عملية معاكسة لعملية التقدم في السن، كونها تقوم بالتخلص من الخردة الخلوية القديمة واستبدالها بأجزاء جديدة. ومن أهم محفزات عملية الالتهام الذاتي، هرمون الجلوكاجون الذي يحفزه الاحساس بالجوع starvation والصيام .~
لا تتوقف فوائد الصيام على تحفيز عملية الالتهام الذاتي، فالحرمان من الطعام يقوم في الوقت ذاته بتحفيز هرمون النمو الذي يأمر أجسامنا بالبدء في إنتاج بعض الأجزاء الخلوية الجديدة الفتيّة. فالصيام عمليًا يقدم لأجسامنا عملية صيانة دورية وترميم شامل وعملية تجديد كاملة. ونصحت العديد من الدراسات بعمل “starvation” أو ممارسة الجوع والعطش يومان أو ثلاثة أسبوعيًا من ٨ إلى ١٦ ساعة.
كان نبينا الكريم ﷺ يصوم الإثنين والخميس من كل أسبوع..
وفرض الله تعالى علينا صوم شهر رمضان المبارك من كل عام ..
سبحان ربي العظيم .. ربٌ كريم عبادته، تزكية للنفس وصحة للبدن، فما أفسدته شهور العام في أرواحنا المثقلة تصلحه روحانيات رمضان..
وما أفسدته التخمة في خلايانا يصلحه الالتهام الذاتي..
حتي الصيام الذي نعتبره منتهي التضحيه لله، هو في حقيقته مصلحة لنا نحن.
رب العزة يأمرنا بالصيام، وهو في ظاهره المشقة وفي باطنه الرحمة والشفاء والعافية.
ماذا يستفيد رب العزة من صيامنا.. المستفيد الوحيد هو أنت.
بقلم صهباء بندق
المصدر: موقع حراء