بقلم : مايسترو
(زمان التركية) – أعلنت “سارة ساندرز” السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض في 30/4/2019 أن الإدارة الأمريكية تعمل على إدراج الإخوان المسلمين على قائمة التنظيمات الإرهابية؛ وأوضحت: ” لقد تشاور الرئيس مع فريق الأمن القومي وقادة المنطقة الذين يشاركونه قلقه؛ وأن هذا التصنيف يسير في طريقه..”، وقالت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تضغط من أجل تصنيف جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية أجنبية.
وأضافت الصحيفة الأمريكية بحسب مسؤولين مطلعين أن البيت الأبيض أصدر تعليماته للأجهزة المعنية لبحث اتخاذ إجراءات من شأنها توقيع عقوبات على الجماعة، خاصة بعد الزيارة الأخيرة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لواشنطن. وأشارت الصحيفة أن من شأن القرار توقيع عقوبات اقتصادية واسعة النطاق على شركات وأفراد تابعة للإخوان، وأكدت أن ترامب يرى في تصنيف الإخوان كمنظمة إرهابية أمرا منطقيا، وألزم إدارته بإكمال الخطوات المؤدية لهذا الإدراج، كما أشارت الصحيفة بأن جون بولتون مستشار الأمن القومي، ومايك بومبيو وزير الخارجية يدعمان الفكرة، بينما يسعى البنتاغون وخبراء الأمن القومي وجانب كبير من الدبلوماسيون لإيجاد خطوة محدودة ترضي البيت الأبيض، فهذا القرار من شأنه إحداث توتر كبير في العلاقات مع تركيا، فأردوغان متعصب أيديولوجياً للإسلام السياسي، ويحاول استقطاب الجماعة لتوظيفها أيضاً كورقة ضغط في علاقاته مع الولايات المتحدة وأوروبا، ولكنه بفعله هذا خسر غالبية محيطه العربي المؤثر؛ فمُنيَت تركيا بخسائر اقتصادية وسياسية فادحة.. .
وربما يرجع قرار ترامب باتخاذ إجراءات إدراج الجماعة على لائحة التنظيمات الإرهابية لا يعبر عن موقف أمني فحسب، بل هو موقف سياسي له تأثيراته العميقة على الجماعة، فالرئيس لم يخف منذ بدايات حملته الانتخابية اشمئزازه من أولئك الذين يضمرون الكراهية والشر لأميريكا والعالم الحر والقيم الإنسانية والحضارية، ولم يتردد في ذكرهم بالاسم في أكثر من مناسبة قبل وبعد توليه الرئاسة؛ وموقف ترامب هذا تؤيده غالبية الأوساط الشعبية قبل الرسمية، لكن الخلاف المزمن كان في التعاطي مع ” الإسلام السياسي “ الذي لا يمارس نشاطه بمنأى عن استخدام العنف، فأدبيات الإخوان ـــ وغيرهم من التنظيمات المماثلة ــــ تتبنى عقيدة جهاد الكفار، ولديهم أيضاً حلم الخلافة وتبوأ مكانة أستاذية العالم..، وحقيقة الجماعة أنها تنظيم سياسي، عسكري، بكل ما هو متاح له من إمكانات، ويعي الغرب تماما الاختلاف بين ما يُعلِنه قادة تنظيم الإخوان ــــ إعمالاً لمبدأ ” التقية ” ــــ من كونهم جماعة سياسية ذات مرجعية إسلامية، بينما الحقيقة غير هذا، فهي جماعة دينية متطرفة وصل بها الحال في مصر لتبني الإرهاب منهاجاً لمواجهة الدولة.
ويظل التباين الأمريكي في الاستراتيجية الخاصة بالتعامل مع الإخوان أمرا واقعاً، فالرئيس الجمهوري رونالد ريغان والديمقراطي باراك أوباما تبنى كليهما استراتيجية تتمحور حول احتواء وتوظيف الجماعة، وهم يعلمون علم اليقين أنها تتبنى نظرية ” الحاكمية ” والتي من شأنها تكفير الغرب، وتتبنى الجهاد كفريضة دينية، وأن المسألة عندهم مرتبطة بالتوقيت المناسب لترجمة أيديولوجيتهم على أرض الواقع.. وجدير بالذكر أن واشنطن ولندن أدرجتا في يناير 2018 جماعتي : ” حسم ” و” لواء الثورة ” لقائمة المنظمات الإرهابية، ولا شك في تبعية الحركتين لتنظيم الإخوان.. ونرى أن السبب الرئيسي لهذا الإدراج هو يقين واشنطن ولندن بتورط الحركتين في استهداف الكنائس والمسيحيين في مصر، إلا أن معارضي قرار الإدراج في الولايات المتحدة يستندون لدفع جوهري مقتضاه أن التنظيم في وضعه الحالي لا يشكل خطراً على الأمن القومي الأمريكي.
ونظراً لكون هذا الإدراج يحتاج لبعض الوقت، كما لا يملكه الرئيس منفرداً، فيشاركه في إقراره مؤسسات أخرى أهمها الكونجرس الأمريكي، كما أن هناك تحفظات ستقدمها بعض لجان الكونجرس.. لذا فالأرجح أن واشنطن ستقصر الإدراج على الجماعة في مصر فقط، وهي الجماعة الأم، لذا فحظرها سيؤثر على باقي جماعات الإخوان الأخرى، ولاشك أن حواري الجماعة داخل أمريكا وخارجها يلجئون الآن لتحرك موازٍ لوقف القرار أو تعطيله أو على الأقل تحجيم أثاره حال صدوره، فإدراج إخوان مصر كتنظيم إرهابي قرار من شأنه إحداث تبعات مؤثرة على عدة مستويات، أهمها : القانونية والسياسية والثقافية والإعلامية والاقتصادية.. وإذا توقفنا أمام الآثار الاقتصادية، فستترتب عقوبات وقيود واسعة النطاق على الأنشطة المرتبطة بالعناصر الإخوانية والكيانات التابعة لها، وستُفرَض قيود على حريتهم في السفر والتنقل.. .
هذا وسعى التنظيم الأم في مصر منذ أوائل ثمانينات القرن الماضي لتدويل الجماعة، حيث تَشَكَل المجلس الأعلى للإرشاد ومجلس الشوري العام، وترأسه المرشد العام لإخوان مصر؛ واتخذت الجماعة من الإرهاب سبيلاً لمواجهة الدولة السورية في 1981، فسحقهم نظام حافظ الأسد ووأد انتفاضتهم في مدينة حماه بتدمير المدينة بكاملها، كما سحق جعفر النميري الإخوان في السودان عندما تولى السلطة عام 1969 واعتقل الترابي وسجنه حتى أطيح بالنميري في أبريل عام 1985، وكان الترابي ينسق مع إيران وليبيا.. لهذا لم تثق أمريكا به، ومع هذا وصفت الاستخبارات الأمريكية CIA الإخوان بأنهم أهم تنظيم أصولي إسلامي في العالم العربي، إلا أن الحال تغير بعد الثورة المصرية في 30 يونيو 2013، حيث انحسرت تماماً شعبية الجماعة في مصر، خاصة بعد أن تبنت الإرهاب وسيلة لمواجهة الدولة المصرية، وحُكِم بإدراج الجماعة على لائحة التنظيمات الإرهابية في مصر وفقاً لأحكام القانون رقم 8 لسنة 2015 بشأن الإدراج على قوائم التنظيمات الإرهابية والإرهابيين، وبهذا فإن الغرب سيتغير موقفه من دعم الجماعة، نظراً لفقدها مقومات التأثير السياسي على النظام الحاكم في مصر.
ووفقاً للمؤرخ البريطاني مارتن فرامبتون في كتابه الجديد الصادر عن جامعة هارفارد ” الإخوان المسلمون والغرب ــThe Muslim Brotherhood and the West ” فإن رؤية الغرب للجماعة تَخلُص أهم ملامحها في النقاط الآتية :
* اعتنقت جماعة الإخوان منهجية مقتضاها مواجهة الهيمنة الغربية على المجتمعات الإسلامية، وأن المنهج الفكري الذى أقرَّه مؤسسها يُحَمِل الغرب المسئولية عن ضياع أرض فلسطين، وإسقاط الخلافة العثمانية.
* يرى الغرب أن الجماعة استغلت القضية الفلسطينية بعد نشأتها لكسب ثقة الشارع بظهورهم بمظهر المجاهدين في سبيل تحرير الأوطان.
* تأرجح سلوك الغرب تجاه جماعة الإخوان المسلمين بين القلق والارتياب، وذلك منذ تأسيسها ـــ عام 1928ــــ على يد «حسن البنا»، مع الحاجة إلى التعامل معها؛ لذا عملت أجهزة المخابرات الغربية على احتضانها ثم توظيفها.
* أكد فرامبتون أن هناك عقدة في رؤية الغرب لتنظيم الإخوان المسلمين منذ ثلاثينات القرن الماضي، بسبب أيديولوجيتهم التي وصفتها دراسات وتقارير بريطانية بـ« الظلامية » والمعادية للآخر. واعتبر الغرب، خاصة الولايات المتحدة وبريطانيا أن فكرة التواصل مع الإخوان تقوم على تحقيق مصالح سياسية آنية.. وتعاملا معهم بمنطق ” أفضل الأعداء“، حيث اعتبروها ـــ حتى فترة ما قبل ترامب ـــ بمثابة «جدار الحماية» ضد القوى الإسلامية الأكثر تطرفًا كالقاعدة وداعش.. !
والسؤال الآن : ما دلالات توقيت التوجيه الرئاسي الأمريكي باتخاذ ما يلزم لإدراج جماعة الإخوان على لائحة التنظيمات الإرهابية، خاصة بعد طلب الرئيس السيسي لهذا ؟
ما من شك حول الانعكاسات الإيجابية التي يحملها قرار الإدراج هذا على جهود مصر في مواجهة الإرهاب، وذلك بفرض تمريره من الكونجرس الأمريكي، أما عن المقابل؛ فربما يطمح الرئيس الأمريكي في دعم مصري لصفقة القرن التي سيطرحها خلال الفترة القادمة.. إلا أن الإدارة الأمريكية ربما تأتي في مرحلة تمرير القرار على الكونجرس وتطالب مصر بإدراج حماس على قائمة التنظيمات الإرهابية، ولعل مبررهم لهذا أن حماس تتبنى أيديولوجية الإخوان المسلمين، وقد سبق واعترف بهذا إسماعيل هنيه، كما أن حماس مشتبه بضلوعها في ارتكاب بعض العمليات الإرهابية التي وقعت في مصر، خاصة في شمال سيناء، ومن المؤكد أن مصر سترفض هذا الإدراج لأسباب سياسية، من منطلق الحفاظ على استمرارية دورها في التوسط بين إسرائيل وحماس في الأوقات الحرجة.. فهل سيُقنِع هذا الرد الجانب الأمريكي ؟؟؟ وبالتأكيد فهناك أسباباً أخرى لعدم قبول مصر إدراج حركة حماس على قائمة التنظيمات الإرهابية.