(زمان التركية) رغم اعتبار كثير من المراقبين أن الانتخابات البلدية الأخيرة برهنت على أن المعارضة استطاعت أن تغير قواعد اللعبة السياسية في تركيا عبر فوزها بأكبر وأهم البلديات كأنقرة وإسطنبول، وأن هزيمة حزب الشعب الجمهوري للحزب الحاكم في تلك المدن تعد بداية عهد جديد في البلاد، إلا أن هناك مشاهد لافتة لا تخطئها العين تنسف تلك الرؤية المتفائلة من جذورها.
وأول تلك المشاهد هي حالة الشتات التي مازالت تميز أحزاب المعارضة، رغم اتفاقها في الظاهر على تحدي الحزب الحاكم، إلا أن هذا التضامن الظاهري سرعان ما ينقشع بالنظر إلى المشهد في شرق البلاد، حيث لا يزال خمسون مرشحا فائزا من بين رؤساء البلديات السبعين المنتخبين من حزب الشعوب الديمقراطي، ينتظرون شهادات انتخابهم من المجلس الأعلى للانتخابات لتولي مناصبهم رسميا.
ولا ترفع قيادات حزب الشعب الجمهوري، صوتها بالمطالبة بتمكين زملائهم في المعارضة من رئاسة بلدياتهم، بالرغم من أنهم ملأوا الدنيا شجبا وتنديدا بتأخر نتيجة إسطنبول التي فاز بها أكرم إمام أوغلو مرشح “الشعب الجمهوري”، وفي هذا دلالة واضحة على أنهم مازالوا ينظرون إليهم باعتبارهم “أكراد أجانب” وليسوا من الأتراك كاملي المواطنة، وبذلك لا تختلف نظرتهم لهم عن نظرة الأصوات القومية المتشددة في “تحالف الشعب”، مما يقضي على فكرة إمكانية تكوين جبهة معارضة قوية ضد الحزب الحاكم، إذ لم يجد حزب الشعوب الديمقراطي أي رد للجميل، بعدما وهب مؤيدوه أصواتهم مجانا لمرشحي الشعب الجمهوري.
والمشهد السابق يعيدنا إلى الوراء 4 سنوات وبالتحديد في السابع من يونيو عام 2015، حينما فقد العدالة والتنمية أغلبيته في الانتخابات البرلمانية ودعا إلى انتخابات مبكرة، بعدما فشلت الأحزاب الثلاثة الأخرى في التفاهم مع بعضها البعض، وبدا عمليا كأنها أهون عليها أن يفوز الحزب الحاكم بالأغلبية مرة أخرى، من أن يجلس قادتها على مائدة واحدة.
ومنذ ذلك الحين، ترسخ في ذهن الشعب التركي أن الانتخابات لا تحمل صفة الشرعية إلا إذا فاز فيها النظام، لكننا إذا عرفنا الديمقراطية بأنها “تسليم السلطة عند خسارة الانتخابات”، فإن هذا المعيار شديد البساطة لم يُطبق في 7 يونيو عام 2015، وبالتالي فإن الطريق مازال طويلا أمامنا لنقول إن تركيا تعيش حالة ديمقراطية كاملة.
جدير بالذكر أن الانتخابات البلدية جرت في تركيا في 31 مارس الماضي، وفاز فيها حزب العدالة والتنمية الحاكم بالأغلبية لكنه خسر أهم البلديات كأنقرة وإسطنبول وإزمير.