تقرير: محمد عبيد الله
برلين (زمان التركية) – ادعى الكاتب الصحفي والأكاديمي التركي أمر الله أوسلو أن النظام التركي بقيادة رجب طيب أردوغان كان يستخدم موارد بلدية إسطنبول الكبرى لتمويل مشاريعه وعملياته “السرية” و”القذرة” في مناطق الشرق الأوسط والبلقان والقوقاز.
تتوسع أبعاد الصراع على مدينة إسطنبول يومًا بعد يوم، بين الحزب الحاكم والمعارضة، حيث تعرض أمس الأحد زعيم المعارضة وحزب الشعب لجمهوري كمال كيليتشدار أوغلو لهجوم بغيض على يد مجموعة من القوميين الأتراك أثناء حضوره جنازة أحد الشهداء الذين سقطوا قبل يومين في اشتباكات مع حزب العمال الكردستاني، وفق بيان السلطات التركية.
تزامنت هذه الخطوة، التي وصفتها المعارضة بـ”الاستفزازية” و”الساعية إلى النيل من وحدة وأمن تركيا دولة وشعبًا”، مع كلٍّ من عقد رئيس بلدية إسطنبول الجديد أكرم إمام أوغلو لقاء جماهيريًّا للاحتفال بفوزه التاريخي، وتقديم قيادة حزب العدالة والتنمية الحاكم إلى لجنة الانتخابات العليا التماسًا للمطالبة بتجديد الانتخابات المحلية في المدينة.
وأكدت قيادة حزب الشعب الجمهوري أن المسؤولين الذين يقفون وراء هذه “العملية المدبرة” معروفون، مطالبة باستقالة كل من والي مدينة أنقرة حيث شهدت واقعة الاعتداء، ووزير الداخلية سليمان صويلو، حيث سبق أن أعلن أنه أمر ولاة المدن بعدم السماح لمسؤولي الحزب الجمهوري بحضور جنازات الشهداء.
كان أردوغان أظهر مدى أهمية إسطنبول بتصريحاته التي أدلى بها قبل الانتخابات قائلاً: “الفوز بإسطنبول يعني الفوز بتركيا كلها”، وبالتالي خسارتها تعني خسارة تركيا كلها، ما يدفع أركان نظامه إلى التشبث بها مهما كلّف، وهو الأمر الذي يحمل محللين معارضين إلى تصنيف هذه الواقعة ضمن حملات النظام الساعية إلى استرداد مدينة إسطنبول من خلال تجديد الانتخابات البلدية فيها.
ومع أن معظم المحللين والمراقبين ركزوا على أهمية بلدية إسطنبول من الناحية الاقتصادية وتمويل مشاريع محلية، من قَبيل دعم جماعات وأوقاف وجمعيات قريبة من الحكومة، إلا أن الكاتب الصحفي والأكاديمي التركي أمر الله أوسلو لفت الأنظار إلى البعد الخارجي للقضية، في مقال نشره بصفحته الشخصية أمس الأحد، حيث زعم أن أكبر خطورة تواجه نظام أردوغان هو ظهور استخدام موارد بلدية إسطنبول في تمويل ما سماه “العمليات القذرة” في كل من سوريا وليبيا والصومال ومصر، إضافة إلى منطقة البلقان والقوقاز، وذلك عبر التعاون مع المجموعات الراديكالية الإسلامية.
وتابع الكاتب قائلاً: “ليس من السرّ أن الحزب الحاكم بقيادة أردوغان يستخدم موارد بلدية إسطنبول في تلبية مصاريف قادة الإخوان المسلمين ووسائل إعلامه المختلفة، بالإضافة إلى قادة المجموعات الراديكالية الجهادية في ليبيا وسوريا”، مشدّدًا على أن المخابرات التركية إحدى أطراف الحرب الدائرة في ليبيا وأن العثور على الأسلحة التركية المرسلة إليها من وقت لآخر أكبر دليل على ذلك.
واستدل أوسلو على مزاعمه بمبادرة المحكمة في إسطنبول إلى القضاء بوقف تدقيق ونسخ قاعدة البيانات الإلكترونية للبلدية بعدما أمر به رئيس البلدية الجديد أكرم إمام أوغلو، في إطار حملة تفتيش تضمّنت فحص لوائح الأملاك غير المنقولة المسجلة في إدارة تسجيل الأراضي في البلدية، وقوائم المركبات المسجلة باسم البلدية وقائمة بأسماء الأشخاص الذين يستخدمونها والحواسيب المكتبية والمحمولة وأجهزة الموبايل وأسماء الأشخاص المخصصة لهم مع لوائح الموظفين الدائمين والموظفين المتعاقدين، بالإضافة الى محاضر تحديد الموجودات في البنك في الفترة الواقعة بين تاريخ يوم الانتخابات 31 مارس /آذار حتى تنصيبه رئيسًا للبدلية.
قال الكاتب أوسلو، الذي سبق أن عمل أستاذًا في الأكاديمية الشرطية في تركيا، تعليقًا على قرار المحكمة: “كان يجب أن لا ينزعج أحد من نسخ قاعدة البيانات الإلكترونية للبلدية في العادة، إلا أن المحكمة أصدرت، في غضون وقت قصير جدًا لعلنا لم نرَ مثيلاً له طيلة تاريخ تركيا الحديث، قرارًا بوقف إنفاذ الأمر. لا يمكن أن يستصدر أحد، بما فيه أردوغان، القرار من المحكمة بهذه السرعة، اللهم إلا المخابرات التركية”.
واستشهد أوسلو على صحة أطروحته بما نشره عبد الرحمن شيمشاك، الكاتب الصحفي في جريدة صباح المملوكة لعائلة أردوغان، والذي وصفه بـ”ذراع المخابرات الطويلة في الإعلام”، من تغريدات على حسابه بموقع تويتر، حيث أعرب شيمشاك عن استيائه من مبادرة رئيس بلدية إسطنبول الجديد إمام أوغلو إلى نسخ قاعدة البيانات الإلكترونية للبلدية زاعمًا أنها خطوة تكشف أسماء وعناوين كل من يعيش في إسطنبول، وأنها معلومات لا تقدّر بثمن بالنسبة لمنظمات الاستخبارات الأجنبية والتنظيمات الإرهابية، على حد زعمه.
وتساءل الكاتب أوسلو قائلاً: “ما الذي يخاف منه عبد الرحمن شيمشاك ولماذا استاء إلى هذه الدرجة من خطوة رئيس بلدية إسطنبول؟”، ثم أضاف أن الجواب يكمن فيما كشفه عضو مجلس البلدية من حزب الشعب الجمهوري نادي أتامان من أن بلدية إسطنبول خصصت عندما كانت تحت إدارة حزب أردوغان سائقًا خاصًا لنائب الرئيس العراقي السابق طارق الهاشمي بعد أن فرَّ إلى إسطنبول في عام 2012.
ونوّه أوسلو بأن المخابرات التركية هي التي تتولى استضافة القادة والزعماء، من أمثال طارق الهاشمي والجنرال عبد الرشيد دوستم، نائب رئيس جمهورية أفغانستان، وزعماء المعارضة السورية، بصورة غير رسمية، ثم عقّب قائلاً: “من الواضح أن المخابرات تعتمد بنسبة معينة على موارد بلدية إسطنبول، خصوصًا فيما يتعلق بتلبية مصريف زعماء وقادة المعارضة السورية والإخوان المسلمين والمجموعات الجهادية في ليبيا وسوريا وعموم المنطقة”.
وأكد الكاتب الصحفي المخضرم أمره أوسلو، أن أركان الحزب الحاكم، في مقدمتهم أردوغان، يخافون من افتضاح العمليات السرية القذرة التي ينفذونها في عموم المنطقة، بتسلّم مرشح حزب الشعب الجمهوري أكرم إمام أوغلو منصب رئيس بلدية إسطنبول، ما يدفعهم إلى تجربة كل الطرق الممكنة من أجل تجديد الانتخابات في المدينة واستردادها.