تقرير محمد عبيد الله
برلين (زمان التركية) – رصد جان دوندار، وهو من صحفيي المهجر الأتراك، ثلاثة أسباب رئيسة تقف وراء محاولات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لتأخير الإعلان عن نتائج الانتخابات المحلية التي شهدتها البلاد في نهاية الشهر الماضي، في مقال له بعنوان: “إعادة الانتخابات إلى أن يفوز الشيف”.
بعدما اتخذت لجنة الانتخابات المحلية في إسطنبول قرارًا بالتوقف عن إعادة فرز الأصوات في بلدة “مالتابه” وإعادة فرز 400 صندوق انتخابي آخر، أكد الكاتب الصحفي المخضرم جان دوندار، في مقال نشره بصفحته الإلكترونية، أن الحزب الحاكم يبذل ما في وسعه من أجل تأخير إعلان النتائج الرسمية للانتخابات.
وأرجع دوندار السبب الأول لهذه الخطوة إلى أن الحزب الحاكم يحتاج لوقت من أجل إكمال عملية “تطهير البلدية” من بعض الملفات والأوراق والوثائق التي تكشف عن انتهاكات الإدارة السابقة، وتقديم مناقصات مهمة للغاية للشركات الموالية في اللحظة الأخيرة، ونقل بعض الموظفين إلى مواقع وأماكن أخرى.
ولفت دوندار، الذي سبق أن عمل كرئيس تحريرٍ لصحيفة جمهوريت العريقة، إلى أن السبب الثاني يعود إلى أن أردوغان يحاول أن يبعث إلى قاعدته الشعبية رسالة مفادها أن حزب العدالة والتنمية لم يتعرض للهزيمة، بل إن المعارضة فازت ببلدية إسطنبول الكبرى عن طريق الحيلة والتزوير.
أما السبب الثالث فعزاه الكاتب الصحفي المخضرم إلى أن أردوغان يسعى إلى تحطيم المعنويات وأجواء الفرحة والانتصار عند الأحزاب المعارضة، لكي لا تجمع شملها وتفشل في استراتيجيتها الرامية إلى بعث رسالة إلى الناخبين بأن هناك بديلاً عن الحزب الذي يحكم تركيا منذ 17 عامًا وقادها إلى شفا جرف هارٍ من كل النواحي.
يذكر أن الرئيس أردوغان كان هدد دوندار بالمحاكمة والاعتقال بعدما نشر صورًا ومقاطع فيديو في 29 مايو/ أيار 2014 تكشف نقل شاحنات تابعة للمخابرات التركية السلاح ومعدات عسكرية إلى المجموعات المقاتلة في سوريا، وفتحت النيابة العامة تحقيقًا معه خلال مدة قصيرة، وقضت المحكمة باعتقاله بتهمة “الكشف عن أسرار الدولة”.
وبعدما طعن محامي دوندار على القرار، اعترفت المحكمة الدستورية بانتهاك حقوقه، واصفة نشره للصور ومقاطع الفيديو بـأنه “عمل صحفي”، لتصدر محكمة عليا بالإفراج عنه في عام 2016، وهي الخطوة التي أغضبت أردوغان ودفعته إلى القول: “لا يمكن أن أترك ذلك الصحفي دون عقوبة، ولا أعترف ولا أحترم قرارات المحكمة الدستورية”.
ولم يجد دوندان بعد هذه التهديدات، بدًّا من مغادرة تركيا والاستقرار في ألمانيا، تاركًا وراءه زوجته ديلك دوندار وأفراد عائلته في تركيا، ولم تستطع زوجته اللحاق به في ألمانيا، حيث فرضت السلطات القضائية عليها حظر سفر، مع عدم توجيه أي تهمة، بعدما أصدرت المحكمة قرارًا بإلقاء القبض عليه (الزوج دوندار) بتهمة الانتماء إلى تنظيم إرهابي.
يذكر أن مدينة هاتاي الحدودية مع سوريا شهدت في 19 يناير/ كانون الثاني 2014 حادثة مدوية صادمة للشارع التركي والدولي، فقد نفذت قوات الشرطة بالتعاون مع قوات الدرك عملية بأمر النيابة العامة ضد ثلاث شاحنات كبيرة تابعة للمخابرات محملة بالأسلحة والصواريخ في طريقها إلى الأراضي السورية.
وحاول أردوغان في البداية التكتم على الموضوع، ونفى إيقاف الجيش لهذه الشاحنات، وكذب كونها تابعة للمخابرات، مدعيًا أنها شاحنات مساعدة تابعة لهيئة الإغاثة الإنسانية (IHH)، ثم اضطر إلى القبول عقب نشر الوثائق الخاصة بها، وزعم هذه المرة أن حمولة هذه الشاحنات كانت مساعدات إنسانية وليست أسلحة. لكن بعد ثلاثة أيام (21 يناير/ كانون الثاني) نشرت صحيفة “آيدينليك” الموالية لمجموعة “أرجنكون”، التي توصف إعلاميًّا بـ”الدولة العميقة”، صورا فوتوغرافية لحمولة الشاحنات لتكشف أن “المساعدات” المزعومة ما هي إلا عبارة عن صواريخ.
ثم نشرت صحيفة جمهوريت، التي كان جان دوندار رئيس تحريرها حينها، في 29 مايو/ أيار 2014، مقطع فيديو يكشف ملابسات إيقاف شاحنات المخابرات والأسلحة بداخلها.
وقد ساق أردوغان ومسئولون حكوميون مزاعم مختلفة، بل متناقضة، لما كانت تحويه تلك الشاحنات، حيث ادعى في 24 يوليو/ تموز 2014 أن الشاحنات كانت تحمل مساعدات إلى التركمان، وهذا كان رأي رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو، ووزير الداخلية الأسبق “أفكان علاء” أيضا.
لكن “ياسين أقطاي”؛ نائب رئيس حزب العدالة والتنمية وأحد مستشاري أردوغان، صرّح بأن الشاحنات كانت محملة بالأسلحة ومتجهة إلى الجيش السوري الحر. بينما أنكر “إبراهيم كالين”؛ كبير مستشاري أردوغان، والمتحدث باسم الرئاسة، تلك التصريحات، زاعمًا أن المخابرات لم ترسل قط شاحنات أسلحة إلى أي مجموعة من المجموعات المعارضة المقاتلة ضد النظام السوري.
ثم خرج عضو حزب الحركة القومية السابق الذي تسلم فيما بعد منصب نائب رئيس الوزراء طغرول توركاش نافيًا كل هذه المزاعم ومقسمًا: “والله إن تلك الشاحنات لم تكن مرسَلة إلى التركمان أبداً.” كما خرج نائب رئيس المجلس التركماني السوري حسين العبد الله لينفي صحة كل مزاعم أردوغان في تصريحات أدلى بها في 4 يناير/ كانون الثاني 2014 قائلاً: “لم نحصل من حكومة أنقرة على أي مساعدات مسلحة أو أي شكل من أشكال المساعدات”
ورغم هذه التصريحات المتناقضة لكبار المسؤولين، ونشر صحيفتي آيدينليك وجمهوريت، المعارضتين بشكل صارخ لحركة الخدمة، لهذه الأخبار، إلا أن أردوغان المسيطر على معظم وسائل الإعلام، سوّق هذه الحادثة باعتبارها دليلاً على تغلغل ما أسماه “الكيان الموازي” داخل المؤسسة العسكرية، وانتهز هذه الفرصة لإعداد الرأي العام وتوجيهه إلى ضرورة إجراء التصفيات التي كان يخطط لها منذ زمن، وإعادة هيكلة كافة الأجهزة، لتتوافق مع المشاريع التي يريد تنفيذها على الأراضي السورية.
ومن الغريب أن أردوغان اتهم جريدة “جمهوريت”، بالتبعية للكيان الموازي (حركة الخدمة)، والكشف عن أسرار الدولة، رغم أنها معروفة منذ تأسيسها بتوجهاتها العلمانية، ومعارضتها الشديدة للخدمة طوال تاريخها، لكنه في الوقت ذاته لم يتعرض ببنت شفة لصحيفة “آيدينليك” المعروفة بعلاقاتها مع تنظيم أرجنكون، على الرغم من أنها كانت أول من نشر خبر الشاحنات قبل جمهوريت بنحو 5 أشهر، وذلك لأنه، أي أردوغان، تحالف مع هذا التنظيم علنيًّا في 2013، حيث طفت فضائح الفساد والرشوة إلى السطح، مع أن التحالف السري بين الطرفين يعود إلى ما قبل ذلك التاريخ بكثير.