بقلم : مايسترو
(زمان التركية) – جوليان أسانج صحفي أسترالي وهاكر في عالم الإنترنت، وناشط في مجال كشف الفساد من خلال عمله الصحفي الاستقصائي، أسس موقع ويكيليكس ويرأس تحريره، وحصل على عدة جوائز دولية في المجال الصحفي، ونال موقع ويكيليكس شهرته العالمية عام 2010 بعد نشره وثائق عسكرية ودبلوماسية سرية تخص للولايات المتحدة الأمريكية، وصدر بحق أسانج نشرة حمراء لدى الإنتربول الدولي للقبض عليه لاتهامه بالاعتداء الجنسي على امرأة أثناء وجوده بالسويد، وبالطبع هو مطلوب من قبل الأجهزة الأمنية الأمريكية بتهمة “قرصنة معلوماتية” حيث تورط مع آخرين في اختراق أجهزة الحاسوب الخاصة بوكالات أمنية أمريكية ونشرها على الإنترنت، بل وتأثرت هيلاري كلينتون كثيراً في معركتها الانتخابية أمام ترامب عام 2016 بسبب نشر جانب من بريدها الإلكتروني على الإنترنت إبان عملها كوزيرة خارجية للولايات المتحدة الأمريكية، كما نشر الموقع أيضاً وثائق تسيء للجنة الوطنية للحزب الديمقراطي مما أضعف الحملة الانتخابية لهيلاري، هذا ونشر الموقع أيضاً رسائل تتضمن معلومات سرية لمراسلات بين وزارة الخارجية الأمريكية وبعثاتها الدبلوماسية حول العالم بدءاً من نوفمبر 2010، كما تسربت آلاف الوثائق المتعلقة بالحرب الأمريكية على أفغانستان والعراق.
وطالعتنا وسائل الإعلام بخبر توقيف الشرطة البريطانية لجوليان أسانج من داخل مبنى سفارة الإكوادور صباح يوم 11 أبريل 2019، بعد تخلى دولة الإكوادور عن استمرارها في استضافته بسفارتها بلندن كلاجئ دبلوماسي منذ 2012، حيث أعلن مورينو رئيس الإكوادور أن بلاده قررت سحب حق اللجوء الدبلوماسي الممنوح لأسانج بموجب حقها السيادي في المنح والسحب لهذا الحق، وعقب القبض عليه فقد عُـِرض على محكمة وستمنستر البريطانية، وأمرت باستمرار احتجازه حتى 12 يونيو 2019.
وتباينت ردود الأفعال حول القبض على أسانج حتى في وسائل الإعلام الأمريكية، وقد أعلن الاتحاد الأمريكي للحريات أن محاكمة أسانج بالولايات المتحدة الأمريكية فيها مخالفة للدستور الأمريكي، كما أعلنت منظمة ” مراسلون بلا حدود ” أن توقيفه يشكل سابقة خطيرة، واعتبرت موسكو أن في هذا الإجراء خنقاً للحريات. وهناك بالطبع من يطالب بمحاكمة أسانج عن انتهاكاته الجسيمة لأسرار تتعلق بالأمن القومي الأمريكي، ليكون عبرة لأي هاكر يحاول تكرار هذه الأفعال، بدعوى أن الحق في الإعلام كأي حق ليس مطلقاً، ويجب ألا ينزلق الإعلامي أثناء مباشرته لعمله ليدخل دائرة التجريم، وقالت صحيفة ” واشنطن بوست ” الأمريكية أن جوليان أسانج مؤسس موقع ويكيليكس ليس بطلا للصحافة الحرة، فهو على الرغم من حصول ويكيليكس على وثائق حكومية سرية ونشرها، وكثير منها يستحق النشر، إلا أن هذا النشر جاء مخالفاً للمعايير الصحفية.. !!!
وجدير بالذكر في هذا السياق أن القول بأنه ” لا مسئولية على من ينشر الحقيقة ” هو بمثابة جانب من الحقيقة القانونية، فنشر الحقائق قد تتوافر معه في ظل ظروف معينة أركان جريمة، وهذا هو حال أسانج، وتكاد تجمع الدساتير المقارنة على حماية حرية الصحافة والإعلام بشكل عام مع مراعاة مقتضيات الأمن القومي.. وبالتأكيد فإن أسانج لم يدرك مدى خطورة ما ينشره على أمنه الشخصي.. بينما أدرك خطورة هذا إدوارد سنودن ــــ لكونه رجل مخابرات ـــــ الذي ارتكب أفعالاً مشابهة لأفعال جوليان أسانج، إلا أنه لجأ مبكراً لروسيا لتوفر له الحماية اللازمة.
ومن المؤكد أن أسانج سيواجه حال مثوله أمام القضاء الأمريكي اتهامات تتعلق بجرائم قرصنة معلوماتية هددت الأمن القومي الأمريكي، ولن يبرئه دفعه بأن الباعث على الحصول على تلك المعلومات ونشرها هو ارتباطها بجرائم حرب ومطابقتها للحقيقة وأن الحق في الإعلام يسمو هنا على اعتبارات الأمن القومي الأمريكي في هذه الحالة، وأن نشر تلك الوثائق علناً على شبكة الإنترنت هو السبيل الوحيد لمحاسبة مرتكبي جرائم دولية ــــــ ولو اقتصر الحساب على الإدانة التاريخية ـــــ وأن النشر كان لضرورة تطلبها الإبلاغ غير التقليدي عن جرائم ذات طبيعة دولية يتحصن مرتكبوها بحماية منظومة قانونية قائمة في دولهم العظمى.. فالقاضي الذي سيمثل أمامه أسانج عقيدته أن الباعث مهما كان نُبلَه لا يبرر الجرم، فمن يثبت أنه سرق من أجل سداد تكاليف عملية جراحية عاجلة لإنقاذ ابنه من الموت لن يقبل منه كسند للبراءة، وربما يعتد القاضي بمشروعية الباعث كسبب للتخفيف العقابي.
أما عن حالة أسانج فربما يحصل على حريته يوماً ما بعفو رئاسي بضغوط من مسئولي الإعلام العالمي، أو بتقدير موقف لرئيس أمريكي جريء، ولما لا والجندية الأمريكية تشيلسي مانينغ ــــ وهي مصدر الوثائق المسربة، حيث قامت بالاختراق المعلوماتي للحواسب الأمنية بمساعدة أسانج ـــــ قد نالت عفواً رئاسياً من جانب الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، فربما يمنح الرئيس الأمريكي ترامب أسانج عفواً مماثلاً؛ فهو، وإن اختلفنا معه في جانب من سياساته الخارجية، إلا أننا نشهد له بالجرأة والشجاعة، وإن فعلها فسيغير مواقف أغلب الصحفيين المعارضين له تجاهه، فالرئيس الذي هاجم أعتى المؤسسات الصحفية يمنح العفو لصحفي باحث عن الحقيقة، وربما لن يعبأ بنصائح أجهزته الأمنية التي ترى أن في العفو تراجع عن سياسة الردع مما يشجع آخرين على أفعال مماثلة.. وسيكون رده عليهم : لماذا فعلها أوباما إذن مع تشيلسي ؟ ألم تنصحوه بعدم العفو ؟؟؟ وأخيراً فإن لم يحصل أسانج على هذا العفو فيكفيه أن تاريخ الصحافة الحرة قد خلده على مر الزمان كبطل وشهيد في ساحة الإعلام المناضل من أجل الدفع بالحقيقة.